الحزن والأسى مازال يخيم على المدينة القديمة بالدارالبيضاء، مازالت عائلات ومحبي ضحايا المنازل الآيلة للسقوط يكفكفون دموعهم. قاطني المدينة القديمة مازالوا يتجرعون ألم فقدان أصدقائهم وجيرانهم، مازال كابوس الموت يهددهم، مازال خوف توديع أصدقاء جدد ورفاق الدرب يسيطر عليهم. كلما سقط ضحية أو أكثر ترتفع حدة غضبهم، ويجدد الألم غرس سكاكينه في قلوبهم، ويستعمر البكاء عيونهم، ويتملك الضعف أجسادهم، ويصومون عن الكلام لنيف من الزمن، ويطلبون الباري تعالى أن يرى من أحوالهم، ويلطف عليهم. عند توديع الفقيدان فاطمة الرحالي، ومصطفى الزهراوي أخر ضحايا المنازل الآيلة للسقوط بالمدينة إلى مثواهم الأخير، قررت الساكنة أن تنطلق الجنازة من المكان الذي سلموا فيه الروح إلى باريها، إلا أن السلطات المحلية رفضت قرارهم. مما جعل حدة الغضب تتجاوز حدودها لديهم، وحولوا الجنازة إلى تظاهرة احتجاجية حضرها أزيد من 1500 فرد. السلطات المحلية تراجعت عن قرارها، بعدما لاحظت أن الساكنة مصرة على أن تنطلق الجنازة من مكان سقوط المنازل الثلاث. نفذت الساكنة قرارها والألم والغضب امتزج في نفوس أفرادها. الفاعل الجمعوي موسى سيراج الدين دعا في تصريح ل"الرأي" عامل المدينة وواليها إلى تقديم استقالتهم، "لأنهم لم ينفذوا تعليمات جلالة الملك، حيث أصدر جلالته قرار حل مشكل المدينة القديمة، ولا يمكن أن تقدم المدينة المزيد من الأرواح بفعل سقوط المنازل"، مستدركا أعلم أن كل هذا قضاء وقدر ولكن على المسؤولين تحمل مسؤولياتهم. مصدر من مجلس المدينة قال "الدولة من جهتها تحملت المسؤولية في الموضوع، وتقدم دعم مباشر للأسر التي يتم ترحيلها"، مستدركا "إلا أن الحالة الاجتماعية لبعض الأسر لا تسمح لها بأداء ما يطلب منها لكي تستفيد من شقق جديدة، لذا ترفض مغادرة المنازل وتبقى فيها حتى تسقط عليها". وأضاف مصدر "الرأي" أن الدولة أيضا قدمت لهم عرضا وصفه ب"المعقول"، وتبذل مجهودا كبيرا للقضاء على المشكل، مؤكدا أن أي حل كيف ما كان نوعه لابد أن يكون فيه التعاون، "لا يمكن للدولة ومجلس المدينة وحدهما القضاء على المشكل إذا رفضت الساكنة أن تتعاون معهما". وعن الدور الذي قام به مجلس المدينة للقضاء على المشكل، أوضح المصدر ذاته أن المجلس صادق قبل سنتين على مبلغ مالي مهم قدره مليار سنتيم، "خصص للحد من معانات ساكنة المنازل الآيلة للسقوط بالدارالبيضاء كلها"، مضيفا إلا أني لا أعلم أين وصل صرف هذا المبلغ. سيراج الدين رد على مصدر "الرأي" قائلا " الدولة ولا حتى مجلس المدينة أخلا بمسوؤليتهما في الملف، سأعطيك مثال يقول المتحدث، ثمن شقق السكن اجتماعي مساحته 46 متر بالدارالبيضاء هو 140 ألف درهم، والدولة تطالب ساكنة المدينة القديمة بأداء 200 ألف درهم، "اللهم إن هذا منكر"، شركة صونتراك المكلفة بالمشروع ستربح مع ساكنة المدينة القديمة زيادة عن ربحها 60 ألف درهم يضيف المتحدث. أما مجلس المدينة يقول سيراج الدين فلم يقدم لنا أي مساعدة مالية تذكر، وأتحدى أي عضو بالمجلس يقول بأن المجلس قام بدوره في الموضوع. وأضاف المتحدث أقترح على الدولة أن تتخذ قرارا حاسما وسريعا مفاده أن يكون مبلغ الشقق المخصصة لساكنة المدينة القديمة 100 ألف درهم، ونحن مستعدون كمجتمع مدني أن نقوم بنقل 3200 أسرة إلى الشقق الجديدة، في ظرف لا يتجاوز شهرين. قائلا " ومبلغ 100 ألف درهم هو ثمن المتر الواحد للأرض المنزوعة في المدينة القديمة، لذا فالدولة لن تضيع في كل الأحوال بل بالعكس ستربح". مصدر أخر من مجلس المدينة مقرب من رئيسه ساجد أوضح في تصريح ل"الرأي" أن أثمنة الشقق تحددها الدولة، وردا على سيراج الدين قال المتحدث الشقق التي يبلغ ثمنها 140 ألف درهم هي ضمن مشروع أخر، ولكل مشروع تركيبته المالية. وبخصوص مليار سنتيم الذي صادق عليه مجلس المدينة قبل سنتين، ومخصص لساكنة المنازل الآيلة للسقوط قال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، لا أعلم أين وصل صرف هذا المبلغ، لأن شركة صونتراك هي المكلفة بصرفه. وطالب المتحدث من ساكنة المدينة القديمة إلى التعاون مع الدولة، ومجلس المدينة بتسريع وثيرة انجاز المشروع، وتسلمها الشقق المخصصة لها. السلطات المحلية سبق أن وعدت، في إطار المخطط الاستعجالي للدار البيضاء، أو ما يسمى برنامج تغطية الأولويات بجهة الدارالبيضاء، بإسكان 9250 أسرة وسيكلف هذا البرنامج الذي يمتد تنفيذه على مدى 36 شهرا غلافا ماليا بقيمة 7،1 مليار درهم، حينها اعتبر مجلس المدينة حل إشكالية السكن عبر إعادة إسكان قاطني الدور الآيلة للسقوط والقضاء على دور الصفيح أولوية بالنسبة لسلطات المدينة. المدينة القديمة تحتل إلى جانب الفداء ومرس السلطان المرتبة الأول على صعيد جهة الدارالبيضاء بخصوص المنازل المهددة بالانهيار، وسبق أن تم عقد دورة استثنائية لدراسة هذه القضية من قبل أعضاء المجلس الجماعي للدار البيضاء بعد انهيارات المدينة القديمة. لكل طرف من الأطراف المتدخلة في الموضوع، حجج تفسر قراراته، وكل واحد يطالب الأخر بتحمل مسؤوليته، والتسريع في وثيرة تسليم الشقق لقاطني المدينة القديمة، ويبقى الوضع كما هو عليه تقريبا. مع كل تشييع لضحايا انهيارات المنازل يكثر اللغط والاحتجاج وتبادل التهم بين الأطراف، ومع مرور الأيام يتناسى الموضوع، إلا عند ساكنة المدينة القديمة، الذين تسودهم حالة الخوف والرعب مع كل تساقطات مطرية، وتتجدد أحزانهم عندما يسمعون أن منزلا سقط هنا أو هناك، أو يذكرهم أحدهم أنهم مازالوا معرضين للخطر، معانات نفسية يومية يعيشها قاطني المدينة، يعلم الله متى سيأتي اليوم الذي ستنتهي فيها. الدارالبيضاء معروفة بتشييع ضحايا سقوط المنازل، ففي دجنبر 2009 انهار منزلان في درب السنغالبالدارالبيضاء، مخلفا سقوط قتيل و14 مصابا. سبب الانهيار يرجع إلى التساقطات الغزيرة، فضلا عن قدم البنايتين. وفي يونيو 2011 لقيت سيدة مصرعها، وجرح اثنان آخران، جراء انهيار عمارة مكونة من ثلاثة طوابق وسط البيضاء. وفي ماي 2012 لقي ستة أشخاص مصرعهم اثر انهيار منزل بسيدي فاتح بالمدينة القديمة للدار البيضاء. وجرح في الحادث 15 شخصا. وفي يونيو 2012 انهار منزل بدرب المعيزي خلف مصرع ثلاثة أشخاص، إضافة إلى إصابة ستّة آخرين بدائرة مولاي يوسف بعمالة أنفا، وفي شهر أكتوبر من نفس السنة لقي شخصان مصرعهما في انهيار منزل بدرب لوبية، فيما أصيب آخر بجروح خطيرة. أسباب الحادث تعود إلى العيوب التي رافقت انجاز شبكة الربط بقنوات الصرف الصحي، وما تتسبب فيه من تسرب للمياه العادمة إلى أساسات المبنى. كما انهار في الليلة نفسها منزل آخر، مكون من ثلاثة طوابق بدرب حمان لكنه لم يخلف ضحايا، لكون العائلة التي تسكنه غادرته ساعات قبل وقوع الحدث لاستشعارها الخطر. وفي يوليوز 2014 سقط 3 قتلى في انهيار ثلاث عمارات، بحي بوركون بالدارالبيضاء، فيما أصيب ما يزيد عن خمسين شخصا في حصيلة أولية. سبب الحادث بحسب الجيران يعود إلى إضافة طابق آخر إلى أربعة طوابق لإحدى البنايات، وهو ما أدى إلى وقوع هده الخسائر البشرية والمادية الثقيلة، وفي دجنبر من نفس السنة توفيت امرأة ورجل جراء انهيار ثلاث منازل بعرصة بنسلامة بالمدينة القديمة. وكان تقرير سابق أصدرته وزارة الإسكان يفيد أن ما بين 4000 و7000 مسكن مهددة بالانهيار في أي لحظة بمدينة الدارالبيضاء. فيما قالت جمعيات المجتمع المدني إن هناك 15 حيا مهددا بالانهيار. وتتصدر عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان العمالات التي تحتوي على أكبر عدد من الدور الآيلة للسقوط ب 1874 منزلا أي بنسبة 65 في المائة. تتبعها مقاطعات أنفا ب 905 مسكنا، بنسبة 32 في المائة، تليها عمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي ب 91 مسكن. مدينة الدارالبيضاء ليست وحدها التي تعاني من مشكل انهيار المنازل، إذ هناك ما يزيد عن 114 ألف منزل في المغرب مهدد بالانهيار وفق ما قال وزير السكنى نبيل بن عبد الله. ومن أهم المدن التي تعاني من مشكلة المنازل الآيلة للانهيار، مدينة فاس العتيقة.