وأنا أطالع صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، للاطلاع على جديد الأخبار، وتعليقات الزوار، تطالعني هذه الصفحات بسيل من الانتقادات للدعوة السلفية بناء على آراء بعض العلماء السلفيين الملتبسة و مواقفهم المشبوهة، حول ما يجري في مصر الحبيبة. زاد من ذلك الموقف الرسمي المخزي للمملكة العربية السعودية التي صدرت السلفية للعالم الإسلامي على حد زعم هؤلاء المنتقدين. و عند تتبع هؤلاء تجدهم إما جهالا بحقيقة الدعوة السلفية و موقفها من آراء الرجال، وإما مغرضين من ضعاف الإيمان الذين لا يجيدون إلا النقد من أجل النقد، والذين غاب عنهم أن النقد يكون من أجل التقويم و التصحيح و التعديل و التحسين، لا من أجل النقد نفسه. ولهؤلاء و أمثالهم أقول إن السلفية منهج رباني لا علاقة له بأخطاء الرجال، وهي لم تقم فيما قامت عليه على الرجال بل قامت على الحق الذي به يعرف الرجال. فما هي السلفية إذن؟ وما هي العلاقة التي تربطها بآراء الرجال؟ يقال الحكم عن الشيء فرع عن تصوره، وهذا الذي غاب على كثير من منتقدي السلفية، حيث تكلموا عنها بجهل عميق، و جرأة متناهية ذكتها نار الحقد الدفين على كل ما هو إسلامي ضمن حرب شعواء شاء لها أن تكون في أرض إسلامية و بين المسلم و أخيه. والسلفية نسبة إلى السلف، وهم أهل القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية، فقال:"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". فكل من ينتمي إلى هؤلاء الرجال ويتبع منهجهم فهو سلفي. و السلفية منهج حياة رسمه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه الميامين، و ليست حزبا أو فرقة تنتهي إلى شيخ أو رجل معين، يوالى و يعادى عليه. و قد وقع في هذا الخطأ بعض السلفيين أنفسهم، إذ يحجرون واسعا و يضيقون شاسعا فتجدهم يحصرون السلفية في جماعة من الناس، أو دار من الدور، أو مجموعة من المشايخ و العلماء، و يخرجون غيرهم منها بغير حق. قال العلامة الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-: "السلفيَّة هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم سلفنا تقدموا علينا، فاتِّباعهم هو السلفيَّة، وأما اتِّخاذ السلفيَّة كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حقٍّ: فلا شكَّ أن هذا خلاف السلفيَّة، فالسلف كلهم يدْعون إلى الإسلام والالتئام حول سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يضلِّلون مَن خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون من خالفهم فيها فهو ضال". وهذا هو الفرق بين السلفية و باقي التحزبات المقيتة. فالسلفية منهج رباني يقوم على الكتاب و السنة بهم سلف الأمة، و هي غير مختصة بفئة من الناس دون فئة، وهي الإسلام في صفائها و سلامة منبعها. السلفية و آراء الرجال. السلفية لم تقم فيما قامت عليه على تقديس الآراء و الرجال أمام الحق، فالرجال منهم المخطئ و منهم المصيب، وما منهم إلا راد و مردود عليه إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم، و هم أبعد ما يكونون عن العصمة بمفردهم. قال الإمام أحمد بن حنبل-رحمة الله عليه-:"عجبت لأناس يعرفون الحديث وإسناده ويأخذون برأي سفيان" ويقصد برأي سفيان الثوري الذي هو من خيرة علماء السلف وليس أي عالم، فما بالك بفلان وعلان في عصرنا هذا. يقول ابن الجوزي-رحمه الله-:" واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعونه من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى القائل، كما قال علي رضي الله عنه للحارث بن حوط وقد قال له: "أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على باطل؟ فقال له:"يا حارث إنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله". نعم الرجال يعرفون بالحق لا الحق الذي يعرف بهم، و هذا من البدع التي جاء المنهج السلفي لمحاربتها، فأعطى لكل ذي حق حقه بعيدا عن التعصب المقيت و التقديس المميت، و تقديم أقوال الرجال و لو كانت خاطئة و لكن الجهل يعمي و يصم. فما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا، يتتبعون زلات كل عالم سلفي و سقطاته فينهالون بسهامهم المسمومة على السلفية جملة وتفصيلا. و السلفية تبرأت سلفا من أخطاء منتسبيها و من يدعيها، فكيف لا و هي لا تقوم على آراء الرجال و تدعو إلى التمحيص و عرض هذه الآراء على المنهج الدقيق الذي يكشف حقها من باطلها. العِلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فلان وهنا ينبغي التفريق بين السلفية و بين أخطاء منتسبيها، فالأخطاء تلحق بأصحابها و ينصحوا سرا و في أدب، وتبين لهم أخطاؤهم، و تبقى السلفية تاجا فوق الرؤوس رغم كيد الحاسدين.