للأسف الشديد ما زالت السياسة بالدول المتعثرة أو المتخلفة تدار بمنطق "أنا أو لا أحد"، والمدارس السياسية كرست منظومة سياسية وثقافية معلولة مبنية على امتلاك الحقيقة والفكر السياسي الأوحد، وشعارها " لا صوت يعلو فوق صوت الزعيم المبجل" ، مما ترتب عنه سلوكيات مقيتة من قبيل الإقصاء والاستئصال والتحريض وتشويه الحقائق والكذب تحت ذريعة " لا اخلاق في السياسة"..ونتج عنه أداء سياسي ضعيف متخلف انعكس سلبا على المشهد السياسي برمته، وأضحت المعارضة كجدار إسمنتي لا يسمح بمرور أدنى شيء ولو كان في صالح البلاد والعباد ، وحتى بعض أفراد الأغلبية تجد قلوبهم مع الأغلبية وسيوفهم مع المعارضة سلوك الزاوية الشباطية مع الحكومة السابقة نموذجا وبالتالي أصبح ديدن عدد من القيادات هو تمييع الحياة السياسية، ومحاولة اغتيال المشاريع المجتمعية التي لا تحمل "الماركة المسجلة" لقبيلته السياسية، واستغلال وسائل الإعلام في التضليل وإنتاج حكايات سياسية مقززة لا تنطلي حتى على البليد الذي عطل فكره وأغلق عقله. هذا الوضع صنع قيادات سياسية تكونت لديها قابلية لممارسة الاستبداد والطغيان باسم الديمقراطية ، فكيف يمكن أن نترقب سلوكا سياسيا سويا من زعيم سياسي مع مخالفيه وخصومه؟ وهو يمارس الاستبداد في حزبه مستقويا ببضاعات بشرية ساذجة ذات الو لاءات "الكارطونية" لا تتقن إلا التنفيذ والقيام بالمهمات القذرة ، وصلت حد استغلال احد الزعماء "قطعان الحمير " في السياسة بدون حياء ولا خجل. وكيف يمكن أيضا لمن قتل الديمقراطية الداخلية ومرغها في أوحال الكولسة وشراء البضاعات البشرية أن ينبري للمناداة بالإصلاحات السياسية والدستورية ؟, إنها مأساة رجال وضعوا في أماكن ليست أماكنهم وهو ظلم للسياسة وتجني عليها, وتنجيس للسياسة التي أصبحت أداة في يد قيادات سياسية، نعترف أنها ضليعة في صناعة الوهم والمتاجرة به خدمة لمصالحها ليس إلا. المرحوم الزايدي وكماكتب عنه د عبد العلي حامي الدين في مقال له قائلا "كل الذين عاشوا مع الفقيد أحمد الزايدي رحمه الله، أو احتكوا به في المجال السياسي يشهدون له بنضاله المستميت من أجل ربط السياسة بالأخلاق وبالأفكار وبالمبادئ.. " وتابع حامي الدين " كان يتحدث بمرارة عن المآل الذي وصل إليه الاتحاد الاشتراكي، وعن طموحه في بناء معارضة سياسية قوية بمنظور مختلف، معارضة تثمن الإيجابيات وتصفق لها، وتعارض الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة وتنتفض ضدها..". المرحوم كان نموذجا للقيادات السياسية الحقيقية الرزينة التي تسعى إلى تكريس ديمقراطية سليمة وتخليق الحياة السياسية والابتعاد عن المزايدات ، وإعطاء بعد سياسي ودستوري لمعارضة حقيقية لا تنظر بمجهر اسود لكل ما تقوم به الحكومة، بل تعالج القضايا بمنطق المصلحة العليا البلاد . فعلا بلدنا الحبيب يفتقد إلى قيادات سياسية من هذا النوع، وللأسف هي قليلة جدا، بدليل هذا المشهد السياسي المترهل المتوتر الضعيف ، إذ لا نرى إلا دكاكين سياسية لا تشتغل إلا في الأسواق الانتخابية ، ولا نرى إلا منتسبين لها ولم يعيهم الانتقال بين هذه الدكاكين بحثا عن التكسب الانتخابي، وتزكية الدخول إلى السوق فمنهم من امتلأ "قب " جلبابه ومنهم من نزع الجلباب و"دكه" باموال الشعب ، ومنهم من لديه الاستعداد للقيام بالأسوء، وكم من المنتسبين دخلوا السوق واضلاعهم بارزة بقلة ذات اليد، فامتلأت بطونهم وعلت شأوتهم وأصبحوا من علية القوم بعدما كانوا عراة حفاة وجيوبهم مقفرة، فأضحوا يتطاولون في البنيان. إنهم المفسدون و الانتهازيون ومصاصو دماء الشعب وهم كذلك من أبناء المدرسة سيئة الذكر"أنا أولا أحد" فالمفسد لا يريد مصلحا بجانبه ينغص عليه ممارسة فساده بكل حرية دون حسيب ولا رقيب ، ولذلك تجدهم في الاستحقاقات الانتخابية يستعملون جميع الوسائل الدنيئة والمنحطة التي قد تصل حد التصفية الجسدية للعودة إلى فسادهم وأكلهم لأموال الشعب .. بكلمة عند تضعف الاحزاب السياسية الحقيقية وتنقرض القيادات السياسية الناضجة، ويتم تقويض القواعد الديمقراطية ..يتقوى حزب "المفسدين" وتتقوى شوكة لوبيات "التماسيح والعفاريت " وتبقى دار لقمان على حالها ..ونغني جميعا على إيقاع "ما كاين والو "، خدمة لمشاريع عدمية . [email protected]