لم تكن جنازة المرحوم أحمد الزايدي جنازة عادية..الحضور القوي والمتنوع لكافة ألوان الطيف السياسي يعكس حقيقة واحدة، وهي أن الرجل كان من طينة خاصة، وأن الحضور الكبير للطبقة السياسية وللمثقفين ولحشود المواطنين الذين حجوا إلى بوزنيقة في جو مهيب، هو شهادة اعتراف بمكانة الرجل وبعطائه وبنضاله السياسي.. الكلمة التي تكررت كثيرا على لسان أصدقائه ورفاقه ومحبيه هي: الأخلاق.. كل الذين عاشوا مع الفقيد أحمد الزايدي، رحمه الله، أو احتكوا به في المجال السياسي يشهدون له بنضاله المستميت من أجل ربط السياسة بالأخلاق وبالأفكار وبالمبادئ.. جمعتني به بعض اللحظات القصيرة، إذ كان يتحدث بمرارة عن المآل الذي وصل إليه الاتحاد الاشتراكي، وعن طموحه في بناء معارضة سياسية قوية بمنظور مختلف، معارضة تُثمّن الإيجابيات وتصفق لها، وتعارض الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة وتنتفض ضدها.. كان يدرك بحسه السياسي المرهف أن التحولات السياسية الجارية في المغرب تحتاج إلى معارضة قوية لترسيخها وتثبيتها.. كان يحرص رحمه الله على انتقاء عباراته بدقة متناهية، وكان يعتني بلغته السياسية وجعلها لغة أنيقة لا مكان فيها للخطابات السياسية المبتذلة.. خاض الزايدي ورفاقه معركة كبيرة لتخليق جوهر الممارسة السياسية داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، وإرجاعها إلى أصولها الأخلاقية، بعدما لاحظوا بعض السلوكيات اللاأخلاقية التي من شأن التطبيع معها أن تسيء إلى المعنى النبيل للسياسة.. ناضل الزايدي ورفاقه من أجل معارضة بناءة، نابعة من حاجة الديمقراطية الفتية في المغرب إلى معارضة مختلفة عن بعض المعارضات الشعبوية البعيدة عن الأخلاق السياسية، وحاجة التحولات السياسية الجارية في المغرب إلى نوع مختلف من المعارضة يساهم في ترسيخ وتثبيت المسار الديمقراطي بعد الدفعة القوية لرياح الربيع العربي.. كان الزايدي ورفاقه يؤمنون بأن هذا النوع من المعارضة يخدم مصالح الاتحاد الاشتراكي أيضا، وحاجة الحزب، الذي أنهكته سنوات من التدبير العمومي، إلى بناء داخلي وتأهيل فكري وسياسي ليكون في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية.. كشفت الجماهير التي حجّت إلى جنازة المرحوم الزايدي والشهادات التي قُدّمت في حقه، والمتابعة الواسعة للرأي العام لحدث الوفاة، حجم التعاطف الذي كان يتمتع به الراحل، وحجم المتابعة الدقيقة لحركته التصحيحية التي خاضها داخل حزبه إلى جانب نخبة متميزة من أطر الحزب ومناضليه.. وأعتقد جازما أن هذا التعاطف يعكس حجم الآمال المعلقة على هذه التجربة لإنقاذ مستقبل الاتحاد الاشتراكي، بقدر ما يعكس حجم السخط على القيادة الجديدة للاتحاد وعلى طريقة تدبيرها لشؤون الحزب.. لقد كان الصديق رضا الشامي دقيقا حينما قال: «ما كان يجمعنا مع الزايدي هي مجموعة من الأفكار التي سنستمر في الدفاع عنها». تعازينا الحارة في وفاة الشهيد أحمد الزايدي.. أحسبه شهيدا لأن من مات غرقا عند المسلمين وهو ينطق بالشهادتين، فهو – بإذن الله – من الشهداء.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. [email protected]