شهد شمال المغرب أسبوعًا ساخنًا بعد 5 شهور من الغضب الشعبي المستمر، حيث تجددت الاحتجاجات ضد تهميش الحكومة لمطلبهم في توفير فرص عمل تضمن لهم حياة كريمة؛ مما أسفر عن إلقاء القبض على ما لا يقل عن 20 ناشطًا سياسيًا وإصدار أمر باعتقال زعيم الحراك الشعبي ناصر الزفزافي الذي ترك الحسيمة عقب صدور قرار الاعتقال، لتعلن الحكومة عن موقفها المتخاذل من حراك الريف. الزفزافي: مقاطعة أدت لمصير مجهول
شهدت مدينة الحسيمة الجمعة الماضية حدثًا يعد الأول من نوعه، فقد قرر عدد من المصلين الانسحاب من بعض مساجد المدينة، احتجاجًا على وصف الأئمة للاحتجاجات الشعبية التي يشهدها شمال المغرب منذ شهور فيما وصف الحراك الشعبي بأنها «فتنة»، وهو ما دفع بعض المصلين لترك المساجد وقرر آخرون التظاهر وسط المسجد وخارجه لرفض ما يعد توظيفًا سياسيًا للدين. وكان من بين الرافضين لخطبة الجمعة 26 ماي الجاري، زعيم الحراك ناصر الزفزافي، وهو ما تسبب في مشادات مع خطيب المسجد، اندلعت على إثرها احتجاجات وهو ما تكرر في مساجد أخرى، بإقليم "كيوكيداران" و"إمزورن". وألقى الزفزافي كلمة وسط المسجد وقال إنهم يريدون محاربة المطالبين بالحياة الكريمة بالخطاب الديني من خلال منابر المساجد، ووجه خطابه لإمام المسجد قائلاً: «أقول لك كما قال عمر بن الخطاب: إن رأيتم مني اعوجاجًا فقوّموني»، مطالبًا أن لا تتحول المساجد لأماكن للهجوم على المخالفين للسلطة في الرأي. وقد صدر بعد ذلك قرار باعتقال الزفزافي بتهمة وقف صلاة الجمعة وإهانة الخطيب، مما تسبب في اندلاع الاحتجاجات الواسعة، وشهدت شوارع المدينة لليوم التالي في 27 ماي 2017 مظاهرات جديدة ألقي القبض على بعض المحتجين على إثرها. وقد تضاربت الأنباء بشان مصير الزفزافي، وما إذا تم القبض عليه من عدمه، وخاصة بعد إعلان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاسئناف بالحسيمة، انه أمر بفتح بحث في موضوع إقدام الزفزافي بعرقلة حرية العبادة داخل مسجد «محمد الخامس بالحسيمة»، فيما قالت أخبار أخرى أن الزفزافي خارج الحسيمة بعد قرار القبض عليه، وأنه متوارٍ عن الأنظار.
احتجاجات الشمال: الأوضاع الاقتصادية كلمة السر لم تكن الاحتجاجات الأخيرة في الحسيمة سوى استكمالاً لمشهد الاحتجاجات المستمر في المغرب، منذ شهر أكتوبر عقب تعرض الشاب محسن فكري لعملية طحن بشاحنة لجمع النفايات بميناء الحسيمة، عقب مصادرة السلطات لصناديق سمكه ورميها في ذات الشاحنة بدعوى أنها محملة بأسماك ممنوع اصطيادها. وعلى طريقة بو عزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر، خرج الآلاف من الشباب في المدينة احتجاجًا على ما حدث لذلك الشاب محسن فكري، وخاصة بعد زيارة وزير الداخلية لتقديم واجب العزاء لذوي ذلك الشاب.
وعلى مدار 6 أشهر ظلت الشعارات الاجتماعية هي المطلب الأساسي للمحتجين، فمنطقة الريف بشمال المغرب تعرف بأنها من أكثر المناطق ارتفاعًا في نسبة البطالة وخصوصًا بين الشباب، كما أن المنطقة لا تشهد رواجًا اقتصاديًا أو مشاريع تنموية، وهو ما يرفع مقابله المحتجون مطالب للحكومة بالوفاء بوعود التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما ترد عليه الحكومة بأنها حريصة على اتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذ مشاريع التنمية. وخلال 6 أشهر من الاحتجاج ظهر ما يعرف باسم «حراك الريف»، والذي يستمر في تنظيم أشكال احتجاجية متعددة كان آخرها إضراب ومسيرة الخميس 18 مايو 2017، في واحدة من أكبر المسيرات التي تم تنظيمها، لمطالبة الدولة بتوفير الاحتياجات الاقتصادية للريف. وقد طالبت أصوات مغربية الحسيمة أن تهدأ بعد إعلانها مطالبها الاجتماعية، وخاصة أن هناك مناطق أخرى في المغرب أسوأ منها حالاً، وأنه على الدولة أن تقترب من المواطنين والمسارعة في تلبية احتياجاتهم حتى لا تتسع رقعة الاحتجاجات.
الحكومة الجديدة: هل يتراجع المغرب عن الإصلاحات الديمقراطية؟
فى 20 فبراير من العام 2011 وعقب نجاح ثورتي تونس ومصر وسقوط نظامي الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك، خرجت مظاهرات المغرب فيما عرف بحراك 20 فبراير، وهي الدعوات التي انتشرت بذات الطريقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رافعة مطالب العيش بكرامة وحرية، وخرج عشرات الآلاف في الشارع المغربي. لكن النهاية المغربية جاءت مختلفة عن ما حدث في مصر وتونس، ففي التاسع من مارس من ذات العام أصدر الملك محمد السادس استجابة مختلفة عن نظيريه في مصر وتونس، وقرر الإعلان عن حزمة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية، وأطلق عملية صياغة جديدة للدستور، تبعها انتخابات حقيقية أفرزت عن برلمان عكس الاختيار الشعبي. ويشمل الائتلاف الحكومي قادة حزب العدالة والتنمية صاحب التوجه الإسلامي في يناير من العام 2012، وهو ما تبعه هدوء في حركة الاحتجاج لتضرب المغرب مثالاً حقيقيًا في طريق الإصلاح الاجتماعي والسياسي بما حافظ على استقرار المشهد. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد سنوات من تلك الإصلاحات يلوح في الأفق تراجع تدريجي في المشهد المغربي، ففي مارس من العام الجاري قرر ملك المغرب تعيين شخص آخر من حزب العدالة والتنمية بدلاً من عبدالإله بنكيران زعيم الأغلبية، وهو ما وصف بالانقلاب الناعم. ووفقًا لبلاغ من القصر الملكي المغربي قال: بمقتضى الصلاحيات الدستورية لجلالة الملك بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وحرصًا من جلالته على تجاوز وضعية الجمود الحالية، فقد قرر أعزه الله أن يعين رئيس حكومة جديدًا، شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية. جاء قرار الملك بعد أكثر من 5 شهور من المفاوضات التي قادها بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية، عقب الانتخابات التي أعلنت نتائجها في أكتوبر 2016، والتي حصد فيها العدالة والتنمية 125 مقعدًا، إلا أنه نظرًا للنظام الانتخابي لا يمكن لحزب أن يقوم بتشكيل الحكومة منفردًا، ولجأ بنكيران للأحزاب التي سبق التحالف معها وهم حزبا الاستقلال والتقدم والاشتراكية. ضمن هذا التحالف 183 مقعدًا وهو رقم لا يكفي لتشكيل الحكومة التي تتطلب 198 مقعدًا على الأقل؛ لذا سعى بنكيران للتجمع الوطني للأحرار الذي أنقذ حكومته السابقة، إلا أن المشاورات بينهما تأجلت بسبب الانتخابات الداخلية في الأخير والتي شهدت صعود رجل الأعمال ووزير الفلاحة عزيز أخنوش، والذى شكل تحالفًا يسمى «البلوكاج» بهدف عرقلة تشكيل الحكومة. وعقب قرار الملك كانت هناك محاولات لإعلان الانسحاب من الحكومة أوقفها بنكيران بتوجيهات لأعضاء الحزب وقياداته بعدم التعليق على القرار، واستمرت المشاورات حتى أبريل الماضي، حتى تم التوافق على تشكيل الحكومة، وقرر الملك محمد السادس تعيين الحكومة في 5 أبريل 2017، برئاسة سعد الدين العثماني، وتكونت من ستة أحزاب بقيادة حزب العدالة والتنمية. احتجاجات مستمرة، واعتقالات بين صفوف المتظاهرين، وشمال يعاني من التهميش والوضاع الاقتصادية بالغة السوء، ومظاهرات تواجه بمزيد من العنف من قبل الأجهزة الأمنية، وحكومة تشكلت بعد 5 أشهر، وسط محاولات من البعض لتهدئة الأوضاع وهروب الزفزافي أحد أهم قادة الحراك، يلخص المشهد المغربي المحتقن، مما يعتبر اختيارًا صعبًا للديمقراطية في المغرب تجيب عنه الأيام المقبلة. نقلا عن إضاءات