لم يعد من المجدي في التحليل السياسي قراءة الاحداث منفصلة عن بعضها خصوصا في واقع جيوبوليتكي بالغ الترابط و التعقيد ،ولذا نقترح تجميعا تركيبا يحاول ملأ الفراغات لفهم توالي المواقف و الاحداث المقترنة بالتحولات الراهنة في عدد من البلدان التي عرفت حراكا شعبيا : - عارضت السعودية و الامارات بدايات الحراك الشعبي في مصر وتونس فآوت احداهما بنعلي و دافعت كلتاهما عن مبارك الى اخر رمق. و شجعتا الحراك في ليبيا و سوريا لتصفية حسابات قديمة مع النظامين ، ثم حاولتا الالتفاف على الثورة اليمنية بالحد من مفعولها عبر الاستنزاف ثم الاحتواء، وتعاملتا بنوع من الاستباق مع ملكيتي الاردن و المغرب تارة بوعد الانضمام الى مجلس الخليج او المساعدة المالية . - بدأ التخطيط لموجة الخريف باستقطاب المتآمرين و مدبري الازمات من كل البلدان : دحلان وعصابته ،شفيق واشباهه ،ثم اتجه الاهتمام الى شراء منافقي الاعلام و السياسة وتتويج ذلك بالتنسيق مع العسكر في مصر باعتبارها قطب الرحى في التأثير الاقليمي و خصوصا بعد ان توافقت الاهداف مع المصالح الصهيونية. - انطلق تنفيذ المخطط الفعلي باسقاط مرسي و محاولة شرعنة الانقلاب الدموي و تسويقه على انه تصحيح للثورة قبل ان يسفر عن وجهه الكالح ويندم المخدوعون و يصمت المتواطئون. -بعد الاطمئنان الى الوضع الجديد كان ضروريا رد الدين للاحتلال الصهيوني على شكل تحالف اقليمي لقص ما تبقى من "بؤر" الرفض للمشروع الصهيو-خليجي ، فكان الهجوم الثاني على غزة بعد ان اوقف مرسي المحاولة الاستباقية الاولى 2012 - بموازاة العمل في نقطة الارتكاز الاساسية ،اي مصر ،لم يهمل المتآمرون الاهتمام بموارد الدعم التي ما زالت تغذي الربيع ، فكانت المحاولة الاساسية مع حليف الاسلاميين اردوغان من خلال مسرحية الفساد و التوضيف البشع لمجموعة غولن ، ثم محاولة استثمار الخلاف في تونس و توظيف الاحداث الامنية و شراء الذمم و انتهاء بالضغط لاخراج النهضة من الحكم عبر النفوذ المالي في البنك الافريقي و العربي و الدولي ، وصولا الى اصطناع عميل في ليبيا و تمويل مرتزقته (حفتر) -بدأ انهيار مخطط الخريف منذ فشل السيسي في اكتساب شرعية جديدة رغم الدعم المالي ، ثم النجاح البارز لاردوغان في البلديات قبل الرئاسيات ، ونجاح التونسيين في تخطي العقبات و التوافق على الدستور ،وبداية انكشاف المخطط في ليبيا الى درجة اضطرار مصر للتدخل المباشر و سرع ذلك في اعادة توحيد الثوار لدحر حفتر - كانت معركة غزة اعلان النهاية للحلف الصهيو-خليجي ، اذ لم تستطع اسرائيل ان تتستر طويلا على حلفائها ، وبلغ اطمئنانها الى الوضع الجديد الذي لم تحلم به قط ، درجة من الهوس و الركون الى تقديرات خاطئة سرعان ما كشفت زيفها الادارة الجيدة سياسيا و عسكريا للمقاومة ،وحاولت الدولتان تغطية عورتيهما دون جدوى لان اسرائيل تفضح كل شيء في اطار حربها الاعلامية . - بين التدخل العسكري المصري الاماراتي الاخير في ليبيا درجة من الاحباط وفقدان الثقة في الحلفاء دفع الى القيام بعمليات رعناء فضحيا البنتاغون نفسه و تبرأ منها . - كشفت هذه الاحداث عن درجة من الغباء السياسي و سوء التقدير و غياب الوعي التاريخي و الدناءة الاخلاقية و الانحطاط النفسي في بعض الانظمة العربية كانت تحاول الاختفاء تحت تدفق السيولة المالية من اجل الارشاء و شراء ذمم السياسيين و الاعلاميين و المثقفين وصناعة واقع جيوبوليتيكي بطريقة العمل في البورصة . - فطنت السعودية و الامارات الى محورية الدور القطري المسنود من تركيا خصوصا على الجبهة الاعلامية التي تمثلها ثم العمل الديبلوماسي الذي حول الدوحة الى ملتقى للمعارضين من كل البلدان ، فسارعت الى محاصرتها بالاتهامات ثم بسحب السفراء ،الى ان بلغ الامر للتهديد العسكري حسب بعض المصادر ،وفرضت عليها شروطا قاسية تتضمن الحد من الخط الاعلامي للقناة و طرد المعارضين والامتناع عن تقديم العون المادي للمغضوب عليهم , وبعد انكسار صخرتهم على حائط المقاومة ، هاهي الوفود الخليجية تحج الى الدوحة معلنة التوصل الى مصالحة تحت الاضطرار دون تحقيق اى من التنازلات المفترضة , - وبقدر ما سيسجل التاريخ لنقطة صغيرة في الجغرافيا قدرتها الاسطورية على تغيير مجرى الاحداث و للانسان المرابط فيها انه كسر كل النظريات الوضعية السالبة للامكان الانساني اللامتناهي اذا كان مسنودا بالقيم ،......سيسجل كذلك صفحات طويلة من العار و الذل والصغار و الخيانة في سجل الاقزام الذين رضوا بأن يلعبوا اسوأ دور اجرامي ضد ارادة الشعوب ،وقريبا جدا ستورق براعم الربيع من جديد .....وكل ربيع و انتم.......