بعد الحرب الإيطالية التركية التي دارت بين سنتي 1911 و 1912 احتلت روما ثلاث مقاطعات في شمال أفريقيا وهي ولاية برقة وطرابلس وفزان مكونة حدود ليبيا، وذلك في نطاق تقاسم القوى الاستعمارية الغربية لأجزاء من أفريقيا الشمالية. خلال الاحتلال الإيطالي تمت إبادة جزء كبير من السكان وإحلال مستوطنين إيطاليين مكانهم. أثناء الحرب العالمية الثانية كانت ليبيا مسرحا لأحد أعنف المعارك أساسا بين القوات الألمانية الإيطالية بقيادة المارشال إرفين روميل، والقوات البريطانية الأمريكية بقيادة الجنرال برنارد مونتغمري. في نهاية الحرب ومن سنة 1943 وحتى 1951، أصبحت ليبيا تحت إحتلال الحلفاء. الجيش البريطاني أدار إقليمي برقة وطرابلس، في حين أدارت فرنسا محافظة فزان. أقامت الولاياتالمتحدة قواعد عسكرية ضخمة في ليبيا وأهمها قاعدة هويلس الجوية الواقعة على بعد بضعة أميال شرق طرابلس والتي جلت منها خلال عقد الستينات من القرن العشرين. يوم 24 ديسمبر 1951 أعلنت ليبيا استقلالها تحت اسم المملكة الليبية المتحدة، لتصبح دولة ذات نظام فيدرالي ملكي دستوري وراثي وتحت حكم الملك إدريس. في 1 سبتمبر عام 1969، نظمت مجموعة من القيادات العسكرية بقيادة ضابط الجيش البالغ من العمر 27 سنة معمر القذافي انقلابا ضد الملك إدريس، وصف بإسم ثورة الفاتح من سبتمبر. صناعة الفوضى بعد كل هذه التحولات والمراحل الانتقالية لا يمكن الإدعاء أن الدول الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة لم تكن تعرف أدق الأمور فيما يخص ليبيا شعبا ودولة، وأنها عندما قررت التدخل عسكريا سنة 2011 تحت لواء حلف شمال الأطلسي لدعم خصوم نظام العقيد القذافي وإسقاطه لم تكن تملك نظرة مستقبلية لما سيطرأ من تطورات. خلال السنوات الثلاث التي تلت تدخل حلف "الناتو" لم تعرف ليبيا الاستقرار، وعاشت في ظل فوضى شبه شاملة. ولا تزال ليبيا بلا جيش نظامي واضح المعالم والقيادات ولا دستور جديد بعد سنوات على حرب حلف شمال الأطلسي، كما أن برلمانها يعاني من خلافات داخلية ومشاحنات سياسية حادة. وكثيرا ما تتقدم الكتائب المتنافسة القوية المؤلفة من المقاتلين السابقين وغيرهم بمطالب للدولة التي ما زالت تعاني الفوضى فترضخ لهم. ولهذه الفصائل تحالفات فضفاضة مع قوى سياسية إسلامية وغير إسلامية متنافسة تتصارع من أجل السيطرة والنفوذ. وقد ضاق الكثير من الليبيين ذرعا بالنزاع البرلماني السياسي الذي يؤخر الانتقال إلى الديمقراطية وأصبحوا يبحثون عن الاستقرار، وهو ما يفسر المظاهرات الشعبية الكبيرة التي عرفتها عدة مدن ليبية خلال شهر مايو 2014 تأييدا للجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي أعلن عن شن عملية "الكرامة" في 16 مايو لتخليص البلاد من الإرهاب وحركة الإخوان التي تسعى للسيطرة على الدولة وتصفية خصومها. حسب وكالة رويترز سارت في العاصمة الليبية طرابلس ومدينة بنغازي شرق البلاد يوم الجمعة 23 مايو، تظاهرات داعمة للواء خليفة حفتر، في حراك أطلق عليه منظموه تسمية "جمعة الكرامة"، فيما عبرت قيادات المجتمع المدني في العاصمة عن رفضها انتشار الميليشيات الموصوفة بالإسلامية في المدينة، ووصفته بأنه محاولة ل "ترويع المواطنين". وتفاوت عدد المتظاهرين بين مئات في ميدان الشهداء في طرابلس وآلاف في ساحة المحكمة في بنغازي. وقال مراقبون إن مشاركة المئات من سكان العاصمة في التظاهرة أمر معبر ويشكل تحديا كبيرا للميليشيات، ذلك أن كثيرين آخرين من المتعاطفين مع حفتر، فضلوا العزوف عن المشاركة بعد تهديدات مبطنة بتكرار أحداث غرغور بطرابلس حين قتل 13 مدنياً وجرح 130 آخرون برصاص ميليشيات مصراتية خلال تظاهرات للمطالبة بخروج المسلحين من العاصمة في نوفمبر من 2013. وحمل المتظاهرون في طرابلس، الذين قدر عددهم بحوالى ألفي متظاهر، يافطات تأييد للجيش والشرطة في مواجهة الميليشيات ورددوا شعارات مؤيدة لحفتر. وقدم رئيس المجلس المحلي لطرابلس الكبرى سادات البدري استقالته من منصبه، احتجاجا على انتشار الميليشيات في المدينة، بعد استدعائها من جانب رئيس المؤتمر الوطني "البرلمان" المنتهية ولايته نوري بوسهمين، للتصدي لأنصار حفتر وحماية مقر المؤتمر الذي واصل تحدي مناهضيه، رافضا نقل صلاحياته إلى الهيئة التأسيسية المنتخبة. وأعلن صالح المخزوم النائب الثاني لرئيس المؤتمر تمديد ولاية المجلس إلى ما بعد الانتخابات المقررة في 25 يونيو 2014، وهو ما اعتبر محاولة للهروب إلى الأمام، في وقت يشكك كثيرون في إمكان إجراء انتخابات في ظل التوتر القائم. دور الإخوان حفتر أكد إن الإخوان هم سبب اضطراب المنطقة العربية وأضاف: "إن الشعب الليبي لم يحصد أي خير خلال العامين الماضيين من حكم المؤتمر الليبي العام"، وأضاف خلال مداخلة هاتفية: "إن الجيش الوطني الليبي لا يحصل على أي دعم من أية دولة، وتدخله في الشأن السياسي كان تلبية لنداء الشعب". وشن حفتر هجوما على جماعة الإخوان، معتبرا إياهم مصدر الأضرار في مختلف الدول، على حسب تعبيره، وأكد على ضرورة تأمين الحدود المصرية الليبية، وإحباط كافة التحركات الإرهابية المنتشرة على الحدود، قائلا: "الحدود مع مصر لا بد أن تظل آمنة". وأكد اللواء حفتر أن هذا ليس بالانقلاب العسكري، لأن زمن الانقلابات قد ولى، مشددا أن تحركه ليس تمهيدا للحكم العسكري، بل وقوف إلى جانب الشعب الليبي. وحسب تقديرات اللواء المتقاعد، فإن عدد "المتطرفين المسلحين" في ليبيا يتراوح بين 5 آلاف 10 آلاف فرد. يوم السبت 24 مايو أعرب الناطق باسم قوات اللواء الليبي، العقيد محمد حجازي، عن استعداد القوات لإنشاء منطقة عازلة مع مصر، بشكل مؤقت، بهدف محاصرة "الجماعات الإرهابية". وذكر حجازي حسب وكالة الأناضول "نوافق في هذه المرحلة الصعبة على إنشاء منطقة عازلة، ولدينا استعداد لهذا بشكل مؤقت، لحين محاصرة هذه الجماعات الإرهابية، والتضييق على تحركاتها". وأضاف حجازي أن إنشاء منطقة عازلة سيكون بالاتفاق والتشاور مع السلطات الليبية والتنسيق مع الجانب المصري. وبشأن ما إذا كان تم مناقشة اقتراح إنشاء منطقة عازلة بين البلدين مع الجيش المصري، اكتفى حجازي بالقول "هناك أمور سرية لا يصرح بها". وزير الدفاع السابق والمرشح الحالي للرئاسة المصرية المشير عبد الفتاح السيسي عبر عن رؤيته حيال الوضع في ليبيا التي تشكل جزءا كبيرا من خريطة الإرهاب المنتشرة في المنطقة، قائلا في حوار متلفز إن للغرب دورا في صناعة هذا الوضع مشيرا إلى أن مصر لن تسمح للإضطرابات المسلحة في ليبيا بتهديد الأمن القومي لمصر فليبيا أصبحت تمثل تهديدا أمنيا كبيرا مع تسلل المتشددين عبر الحدود الطويلة بين البلدين والتي يبلغ طولها نحو 1115 كيلومترا. وقال إن الليبيين يريدون بناء دولة تستوعب الجميع لكن هذا لن يحدث في ظل وجود صراع مسلح. وتحدث السيسي عن التهديدات الأمنية عموما وقال إن مصر قادرة على مواجهة الإرهاب. وأضاف أن من المهم وضع استراتيجية شاملة لتحصين عقول وقلوب المصريين والعمل على تغيير الخطاب الديني الذي يسيء للإسلام في إشارة واضحة إلى الأفكار التي يتبناها المتشددون في سيناء. وكان تقرير اصدرته الأممالمتحدة عام 2013 قد أفاد أن أسلحة كثيرة تتدفق من ليبيا بسهولة إلى مصر عبر الحدود منذ الإطاحة بالقذافي. وأضاف التقرير أن تهريب الأسلحة يشكل تهديدا للأمن المصري ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن الأسلحة تصل في نهاية الأمر إلى سيناء حيث يتمركز متشددون. وعقد الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، الخميس 22 مايو، اجتماعا مع رئيس الوزراء إبراهيم محلب، ووزراء الدفاع والإنتاج الحربي، والداخلية، والخارجية، ورئيسي المخابرات العامة والمخابرات الحربية، حيث تناول اللقاء مستجدات الأوضاع ذات الصلة بالشأن الليبي، وانعكاساتها المحتملة على مصر، فضلاً عن سبل تأمين حدود مصر الغربية مع ليبيا، وفق ما قاله الناطق باسم الرئاسة المصرية، في بيان صحفي. وشدد حجازي على أهمية تأمين الحدود مع دول الجوار، قائلاً إن الحدود مع دول الجوار تمثل "عمقا استراتيجيا بالنسبة لنا، وسيكون هناك تنسيق مع الجهات المعنية في تأمين الحدود، ولاسيما الشرقية". الفراغ على حدود ليبيا قالت مجلة المونيتور الأمريكية، إن مصر تواجه تهديدا متزايدا من الفراغ غير المحكوم على الحدود الليبية. وأوضحت الصحيفة أن الفراغ غير المحكوم، وهى المناطق التى تتبع سياديا السلطة الحاكمة من الناحية الاسمية، إلا أنها خارج نطاق سيطرتها، وفى طريقها لتصبح إحد السمات المميزة للشرق الأوسط فى مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكى والربيع العربى. ومن الأنبار فى العراق وحتى المنطقة الكاملة التى كانت تعرف فيما قبل باسم ليبيا، فإن قوة الدولة قد ضمرت أو اختفت. وتشكلت مكانها ميليشيات مسلحة تسليحا جيدا، بما خلق فراغا للسلطة ملأه الجهاديين وتجار السلاح والمخدرات وحتى المتاجرين بالبشر. وتعد الصحراء الغربية على الحدود المصرية الليبية هى أحدث المناطق التى تنضم لتلك الأماكن غير المحكومة. وقال مسئول مصرى مطلع للصحيفة إن الصحراء الغربية تصبح بشكل متزايد منطقة غير محكومة. ولو لم يحدث تغييرا فى الاتجاه، فلا تكون لأحد السيطرة على الأرض خلال عقد من الزمان. ورأت المونيتور أن هذا التنبيه يسلط الضوء على الصحراء الغربية المتقلبة على حدود ليبيا إلى جانب سيناء وأجزاء متزايدة من بر مصر نفسها، حيث تواجه سلطة الدولة تحديا من القوة المسلحة. وبينما لا تزال القاهرة بعيدة عن تعريف المناطق غير المحكومة، فإن هذا التعريف قد ينطبق على حدود مصر الشرقية والغربية، فى سيناء والحدود الليبية. عملية الكرامة الخبير العسكري عبد الله الكبير وهو مقدم متقاعد من الجيش الليبي وشارك في حرب عام 2011 ذكر لوكالة "فرانس برس" أن "الحشد والتأييد الذي حصدته عملية كرامة ليبيا جاء لهذا الكم الكبير من الذين راحوا ضحايا الاغتيالات خلال المرحلة الماضية دون أن تحرك الدولة ساكنا. وأضاف إن "الجميع رأى في حفتر وقواته حبل النجاة الأخير الذي من الممكن أن يخرج بهم إلى بر النجاة من الموت في عمليات الاغتيال الممنهج". وأضاف أن "عددا ممن تناقشت معهم حول العملية يرون أن وطأة العسكر أخف حدة من شبح الاغتيالات الذي بات يؤرقهم لذلك انضموا للعملية من دون أدنى تردد على أمل الخلاص وبناء دولة القانون والمؤسسات وعدم صناعة دكتاتورية أخرى. وأشار إلى أن "حفتر انتقى أنصاره العسكريين لمحاربة تيار أيديولوجي ديني بعينه ليزيحه عن المنافسة وإلا ما المعنى في انضمام كتائب ليبرالية إلى قواته في مواجهة الإسلاميين ككل رغم إدانة معظمهم للإرهاب؟. وإضافة إلى القوات الخاصة، انضم ضباط عديدون في مختلف مدن ليبيا إضافة إلى ساسة وقبائل إلى حفتر الذي أكد أن عمليته "ليست انقلابا ولا سعيا إلى السلطة وهدفها محدد وهو اجتثاث الإرهاب" من ليبيا. وطالب حفتر "المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا بتشكيل مجلس أعلى لرئاسة الدولة يكون مدنيا يتولى الإشراف على مرحلة انتقالية جديدة"، مؤكدا في تصريحات صحفية أنه "لا رغبة لديه مطلقا في الترشح لمنصب الرئيس، ولكن إذا كانت هناك إرادة ورغبة من الشعب سأترشح، لأن هذه هي إرادته، وهو الذي يختار من يحكمه". وفي السياق، أعرب الناشط السياسي سالم الأوجلي عن "أمله في ألا تفشل قوات حفتر في هذه العملية لحفظ ما تبقى من كرامة لليبيين". وقال "إذا خسر حفتر المعركة سنبحث عن بلد آخر يمكننا العيش فيه لأن بلدنا سيكون تحت وطأة الإرهاب". وقال الأوجلي "نعلم أنه ليس لنا جيش مثل الذي في مصر ونعلم أيضا أن حفتر ليس وزير الدفاع المصري السابق عبد الفتاح السيسي الذي يحظى بدعم مؤسسة منضبطة قوية وغير منهارة، لكن على القبائل الليبية مساندة حفتر في عمليته هذه إذا ما أرادت العيش بكرامة، فإسقاط حفتر إذا ما استفرد بالحكم يعد أسهل من اجتثاث الإرهاب من ليبيا بعد أن تغلغلت جذوره". وأوضح أن "قانون العزل السياسي أبعد شخصيات كارزمية كان من الممكن أن يلتف حولها الشعب لكن تيارا بعينه استثنى نفسه بهذا القانون وأقصى جميع خصومه ليستفرد بالحكم ويوصل البلد إلى ما هي فيه"، في إشارة إلى تيار الإسلام السياسي. قاعدة لنشر "الفوضى الخلاقة" تفيد تقارير لمصادر رصد روسية وأوروبية أن واشنطن وفي نطاق مشروعها لشرق أوسط جديد، كانت تدرك أنها بتدخلها العسكري في ليبيا بقيادة حلف الناتو، ستخلق وضعا يمكنها من التحرك عبره ومن خلاله لإعادة ترتيب الأوضاع في جزء كبير من شمال أفريقيا من الساحل المتوسطي وحتى الحدود الجنوبية لمنطقة الصحراء الكبرى وذلك بفضل ترسانتها الضخمة من الأسلحة الموروثة عن عهد القذافي وحدودها الشاسعة. ويقول خبير عسكري روسي أن واشنطن أرادت تحويل الساحة الليبية إلى محرقة يمكن توجيه نيرانها إلى الهدف الذي يحدده المخططون في البيت الأبيض بدون التورط بشكل عسكري مباشر وتحت عذر غطاء عدم التمكن من التحكم في الفوضى القائمة وهو ما سيسمح بتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة التي وضعها المحافظون الجدد في واشنطن. ويشبه الخبير الروسي بين الوضع الليبي وما آلت إليه الصومال بعد اسقاط نظام الرئيس الصومالي محمد سياد بري سنة 1991. ويضيف أنه كما حدث في مصر ودول عربية أخرى أقامت واشنطن تحالفا مع حركة الاخوان وعملت عبرهم على التحكم في المشهد الليبي، وقد تركت لنفسها إمكانية تقسيم ليبيا لاحقا إلى ثلاث دويلات مما يسهل استغلال ثرواتها النفطية وغيرها. وشدد على أنه بعد إسقاط نظام الرئيس محمد مرسي زادت أهمية ليبيا في المشاريع الأمريكية لأنه عبر ترابها يمكن إشاعة عدم الاستقرار في مصر وتحريك ما يسمى بجيش مصر الحر عبر خط حدودي يزيد طوله على 1100 كم. يبلغ عدد سكان ليبيا 6597 مليون نسمة وهو ضئيل مقارنة بمساحة البلاد التي تبلغ نحو 1759540 كيلومتر مربع، وتعد السابعة عشرة على مستوى العالم من حيث المساحة، ورابع أكبر بلدان أفريقيا مساحة، كما أنها تملك أطول ساحل بين الدول المطلة على البحر المتوسط يبلغ طوله حوالي 1955 كم. يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب تونس والجزائر، والجنوب الغربي النيجر، ومن الجنوب تشاد والسودان ومن الشرق مصر. أين الغد المشرق كتبت صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية خلال الثلث الأخير من شهر مايو في مقال لمحررها لشؤون الشرق الأوسط باتريك كوكبيرن، ان ليبيا أصبحت قاس قوسين أو ادنى من الانقسام والحرب الاهلية فيما تقضي الدول الغربية وقتها في انتظار الفرصة المناسبة لها لحصد أحسن المكاسب. إن الهجوم المفاجئ للعميد حفتر في كل من بنغازي وطرابلس والذي سنده جزء كبير من السكان يظهر قدرته على جمع دعم أكثر من التكريم الذي يمكن لأي شخص آخر ان يغدقه عليه من بين القوات المسلحة الليبية والميلشيات. بل انه تمكن من استخدام الطائرات والمروحيات المقاتلة ضد مراكز معارضيه. من الواضح ان نبذه "للارهاب" ولجماعة الاخوان المسلمين سيكسبه الدعم داخليا من فئات كبيرة من الشعب الذي مل الفوضى وإنعدام الأمن وسلطة المليشيات وخارجيا من ومصر والسعودية والإمارات. فهل تحذو ليبيا حذو مصر؟ أم ستقوم الأطراف المختلفة بالتحول من المواجهة إلى الحرب الأهلية، كما في سوريا؟ هناك مشاهد لكلا الحالين في الوضع الحالي في ليبيا، ولكنه يختلف تماما لان الدولة تفتت منذ الإطاحة بالقذافي عام 2011، ولم تتمكن المعارضة قط من ملء الفراغ الذي خلفه وراءه. وأصبحت السلطة أساسا في أيدي ميلشيات متنافسة، واهمها تلك التي تتجمع في الزنتان ومصراتة، ويقدر عددها ب250 الفا، بينهم ما لا يتجاوز ال30 ألفا قاتلوا ضد القذافي. ورغم انهم يقبضون رواتبهم من الميزانية العامة، فان ولاءهم يظل لقادتهم ولمناطقهم على وجه التحديد. وهناك مراكز قوة عديدة: البرلمان، وسلطته تبدو مهتزة بعد تأجيل الانتخابات الجديدة، وحكومة غير فاعلة استرضت الميلشيات حيث انها لا تملك القوة لمواجهتها، والجماعات السياسية الاسلامية والمجموعات الاسلامية المتشددة، والمنادين والمعارضين للفيدرالية، والجماعات والمصالح. وقد تسبب عدم ترابط اللاعبين العديدين في السياسة الليبية، إلى انتشار الفوضى، إلا أن تنوعهم بحد ذاته يعني ان اي طرف حتى الان لا يملك القوة الكافية للمخاطرة بقتالهم حتى النهاية. غير ان هذا يمكن ان يطرأ عليه تغيير، نظرا لدور حفتر شبه الانقلابي كحافز مع عناصر يائسة تختار جانبا وتندد بمعارضيها بقوة متزايدة. الا ان كلا من حفتر واعدائه ليس لديهم الثقة بقوتهم، وبينما يتحدثون بصوت عال فانهم اكثر حرصا بشأن ما يجرؤون على القيام به. كانت كتيبتا القعقاع والصواعق من الزنتان قد استولت على البرلمان الليبي بالنيابة عن حفتر خلال الثلث الأخير من شهر مايو، لكنها ما لبثت ان انسحبت. واستدعى رئيس البرلمان قوات درع ليبيا المركزي من المصراتة للدفاع عن البرلمان، وقد وصلت تلك القوات إلى طرابلس ولم تقع أي اشتباكات. وتقوم الحكومة الليبية بمطالبة جميع الميلشيات بمغادرة العاصمة. اما في بنغازي فان النضال المعقد بين الفصائل المختلفة لا يزال يستعر على مستوى قتل الافراد: ففي مايو عثر على قائد المخابرات العسكرية حمزة المحمودي مقتولا مثلما حدث لقادة عسكريين آخرين قبله. وهناك شعور بان الأزمة قادمة، غير ان انقلاب حفتر يجعل الموقف الحالي اقرب ما يكون إلى لبنان، حيث هناك العديد من مراكز القوة ولكن ليست هناك حكومة مركزية قوية، أكثر منها من أن تكون مثل مصر أو سوريا بما لديهما من ماض بوجود حكومة مركزية قوية. وفي ليبيا، كما هو الحال في ما سمي بدول الربيع العربي، فإن الأمل بغد مشرق تهاوى في السنوات الثلاث الماضية. وساطات وتدخل التطورات الأخيرة في ليبيا تهدد بإفشال مشروع "الناتو" ولهذا تتحرك الولاياتالمتحدة ودول أوروبية عبر عدة قنوات لمنع إنهيار ما يسمى بحركات الإسلام السياسي، وذلك بنفس الأسلوب الذي قامت به في مصر صيف سنة 2013 بعد تصاعد الحراك الشعبي ضد حكم الإخوان. يوم السبت 24 مايو 2014 نبهت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى خطورة الوضع في ليبيا، وعبرت عن "قلق بالغ" من أعمال العنف المتكررة في البلاد. في نفس الوقت اصدر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قرارا بتعيين مبعوث خاص إلى ليبيا. وجاء الإعلان عن الخطوة بعد ساعات من تأكيد الولاياتالمتحدة تعيين مبعوث لها فيما تقول أنه محاولة لترسيخ سياسة الحوار بين الفصائل المتناحرة. صحيفة الغارديان البريطانية ذكرت ان اختيار الحكومة وقع على جوناثان بويل، الدبلوماسي السابق والمساعد الشخصي لرئيس الوزراء الأسبق توني بلير، الذي يوصف بمهندس المصالحة الغربية مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي. وعقد بويل بالفعل اجتماعا استكشافيا، في ابريل، مع رئيس الحكومة الليبية ومجموعات مختلفة من المسلحين في طرابلس، بحسب ما صرحت وزارة الخارجية يوم الجمعة 23 مايو 2014. واعلنت الولاياتالمتحدة تعيين ديفيد ساترفيلد، السفير السابق الذي يتمتع بخبرة واسعة في منطقة الشرق الأوسط، مبعوثا لها إلى ليبيا. وعبرت دول غربية، من بينها فرنسا وألمانيا وايطالية وبريطانيا بالاضافة إلى الولاياتالمتحدة، في بيان مشترك الجمعة، عن قلقها العميق إذاء تطورات الأوضاع على الأراضي الليبية. وقالت "نقف جميعا إلى جانب الليبيين ومحاولة اجراء مصالحة تهدف إلى استكمال عملية الانتقال السياسي بدعم من الاممالمتحدة"، وحذرت تلك القوى من "انتشار الفوضى والانقسامات والعنف والإرهاب" إذا ما فشلت المصالحة. يذكر أن بويل كان يشغل منصب كبير الموظفين في "داونينغ ستريت" اثناء الاستعدادات لغزو العراق عام 2003. الوساطة لم تقتصر على لندن وواشنطن فقد ذكر مصدر ليبي مطلع لوكالة فرانس برس أن برنارد ليفي الذي كان يصطلح على تسميته ب"مهندس ثورات الربيع العربي" قبل ثلاث سنوات، قام يوم الخميس 22 مايو بزيارة قصيرة إلى ليبيا استغرقت ساعتين، ونزل ليفي في مطار معيتيقة، الذي يخضع لسيطرة المجلس العسكري بطرابلس، تحت قيادة المقاتل السابقة في الجماعة الإسلامية عبد الحكيم بلحاج الموالي للحكومة الحالية، وقد التقى أعضاء في الحكومة، وقدم مبادرة لإنهاء الأزمة والحرب الناشئة. وجاء الاعلان عن ارسال مبعوثين غربيين إلى ليبيا عقب محادثات غربية عقدت تزامنا مع مؤتمر اصدقاء ليبيا، الذي شهدته العاصمة البريطانية خلال شهر مايو. وقالت مصادر ان المباحثات عقدت بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري ونظرائه في كل من بريطانياوفرنسا وألمانيا وايطاليا، وتم الإتفاق على عمل المبعوثين كفريق واحد. يشار إلى أنه في نطاق الحملة التمويهية الأمريكية بشأن ما يحدث في ليبيا، ولتأليب الرأي العام العربي نشر وقع "ديبكا" الاستخباري الإسرائيلي يوم الجمعة 23 مايو ما قال أنه تقرير يفيد إن الولاياتالمتحدة تستخدم عضلات وكالة الاستخبارات المركزية لإعادة الانخراط بهدوء عسكريا في سوريا وليبيا عبر ما سمته خريطة التحالف الأمريكي الإماراتي المصري لغزو هذا البلد. دفاع مراقب إخوان ليبيا بموازاة مع ما يوصف بالوساطة الغربية، نفى المراقب العام لجماعة الإخوان في ليبيا بشير الكبتي اتهامات الإرهاب التي يوجهها لجماعته اللواء خليفة حفتر، واتهمه بمحاولة نسخ ما حدث في مصر بإعلانه تجميد عمل المؤتمر الوطني العام. وتوقع عدم تمكن أي طرف في الصراع الراهن من حسم الأمور عسكريا لصالحه على الأرض، وشدد على أن الحل يكمن في حوار وطني لا يستثني أحدا، لكنه أشار إلى أنه في حال رفض أحد الأطراف هذا الحوار "فعلى الأغلبية التكتل ضده". وأكد استحالة انتصار حفتر لأن الشعب الليبي كله مسلح، مشيرا إلى وجود ما بين 22 و25 مليون قطعة سلاح منتشرة في الشارع. وعن تكرار حفتر تصريحاته التي يتعهد فيها بتقديم كبار مسؤولي المؤتمر الوطني والحكومة وجماعة الإخوان للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي خلال فترة توليهم السلطة، قال "نحن جزء من الشعب وإذا كان هناك قانون في البلاد وثبت على أي شخص من الإخوان أو من غيرهم أنه مارس الإرهاب فليقدم الدليل على ذلك وليقبض عليهم نحن ليست لدينا مشكلة في ذلك". واعتبر أن وضع تيارات الإسلام السياسي كلها تحت مظلة جماعة الإخوان ليس صحيحا، مشيرا إلى وجود من يكفر الإخوان داخل التيارات الإسلامية، "ويرى أنهم انحرفوا عن المسار وتبنوا الخط الديمقراطي، وتيار آخر يرى أن الإخوان متساهلون خاصة في موضوع الشريعة". وعزا الكبتي حالة الانفلات الأمني وما شهدته البلاد في الأيام القليلة الماضية إلى غياب ما وصفها بالقوة الرسمية الممثلة للشرعية في البلاد، واعتبر أن ذلك دفع البعض للجرأة على أجهزة الدولة. وأشار إلى وجود خلافات أساسية بين القوى التي تحاول تجميد عمل المؤتمر الوطني، وقال "أي أنه من الممكن أن يتفقوا على هدف إسقاط المؤتمر ثم بعد ذلك تبدأ الخلافات في ما بينهم ويقع نوع من الانشقاق مرة ثانية ولا ننتهي". في نطاق مساندة الإخوان في ليبيا دعا الدكتور يوسف القرضاوي المقيم في قطر وعدد من أنصاره ضمن ما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الليبيين إلى مواجهة "من يريد اسقاط الشرعية" في بلادهم "بحزم" في إشارة إلى اللواء خليفة حفتر. وقال "نطالب الشعب الليبي بالوحدة والمصالحة الوطنية، والحزم مع من يريد إسقاط الشرعية وإثارة الفتنة". وندد البيان الذي نشره الموقع الإلكتروني "للاتحاد" ب"استخدام السلاح خارج اطار الحق والشرعية القائمين على إرادة الشعب الحرة، ما يهدد الأمن والسلم داخل ليبيا وربما في المنطقة بالكامل". فيما يبدو أنه رد يوم الأحد 25 مايو قال رئيس الوزراء الليبي الأسبق، محمود جبريل، إن ليبيا أصبحت المعقل الأخير لتيار الإسلام السياسي المتطرف، داعيا الليبيين إلى دعم عملية الكرامة. وقال محمود جبريل لبرنامج "بانوراما" على قناة "العربية"، بخصوص عملية الكرامة، إنه يرحب بعودة الجيش الليبي إلى الساحة، لأنها "عودة للسيادة الليبية"، مؤكدا أن "الشرعية الوحيدة هي التي يجب أن تحترم شرعية الشعب الليبي". وأثنى جبريل على اللواء خليفة حفتر، وقال إنه شخص وطني وواعٍ ولا يتوقع منه أن يقود عملية عسكرية لأغراض شخصية، كما أرادت أطراف تصويرها. وأوضح محمود جبريل أن الليبيين تعاطفوا مع عملية الكرامة، وقالوا كلمتهم الجمعة الماضية من خلال الخروج في مسيرات داعمة للعملية، كما أكد أن الجيش الليبي تحرك عسكريا دفاعا عن النفس وبعد مقتل 500 قائد عسكري ليبي في عمليات إرهابية قامت بها الجماعات المتطرفة لتتمكن من بسط سلطتها دون منازع. كما أشار محمود جبريل إلى وجود مقاتلين من 12 جنسية يقاتلون في ليبيا، كما حذر من مخاطر تدخل أجنبي، لا يستثني خاصة مصر والجزائر بسبب الأخطار المحدقة على أمنهما القومي. التدخل العسكري المساندون لعملية "الكرامة" يحذرون من أن الولاياتالمتحدة تعد الأرضية لتدخل محتمل لقواتها لمنع تبدل موازين القوى على الأرض. وكانت وكالة "رويترز" قد نسبت إلى مسئولين أمريكيين يوم الاثنين 19 مايو إن الولاياتالمتحدة زادت عدد مشاة البحرية بحوالي 250 جندي والمقاتلات التي ترابط في صقلية، وطائرات هجومية بدون طيار. وأضاف المسئولان إن نحو 60 جنديا آخر من مشاة البحرية وأربع طائرات أخرى من طراز أوسبري يجري إرسالهم إلى القاعدة البحرية الجوية سيغونيلا في صقلية من قاعدتهم في أسبانيا. وأضافا المسؤولان اللذان طلبا ألا ينشر اسمهما إنه بذلك يصل إلى نحو 350 العدد الإجمالي لمشاة البحرية المنشورين في صقلية على سبيل الاحتياط إلى جانب القوات الموجودة من قبل. ويجعلهم وجودهم في إيطاليا قريبين من ليبيا ويساعد على تسريع الاستجابة. وأفاد مسؤول أمريكي إن القوات في سيغونيلا على درجة عالية من الاستعداد. ومشاة البحرية في سيغونيلا جزء من وحدة استجابة في الأزمات. مصادر رصد روسية أفادت أنه إذا لم تتدخل القوات الأمريكية بشكل علني في ليبيا تحت إي غطاء تبريري، فإنها يمكن أن تقدم سندا للقوات المناهضة لحفتر عبر مدها بمعلومات أساسية للوصل إلى النصر. [email protected]