بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما... بعد ثورات الحريق العربي...؟

عامان ونيّف من الأحداث المريرة و القاسية في وطننا العربي حيث سقط مئات الآلاف من القتلى و الجرحى، و سجل الدم العربي فيها أدنى تسعيرة بفضل تجار الإعلام وطباخي المؤامرات وصناع التزوير، وكل ذلك بقرار أمريكي صهيوني وبتمويل عربي نفطي وكأن الكيان الإسرائيلي الصهيوني عندما طُبخت طبخته عام 1948 كان القدر (الطنجرة) عربياً عميلاً وأن نار الطبخة قد استعرت بالنفط الخليجي، المهم أن خبراء التجميل وصناع الأقنعة، و مصففي الأخبار، كما تصفف الغواني شعرها المزيف قبيل حفلات الرقص والمجون، قد نجحوا جميعاً في إقناع عدد كبير من بؤساء و فقراء العالم العربي، بأن ما حدث في الوطن العربي من قتل أولادهم و تخريب اقتصادهم وزرع العداوات بينهم وبين إخوانهم إسمه ''الربيع العربي''.
أفليس من الهزل والسخرية أن تنقل الثورة ذاتها في مجتمع عربي ثالث السلطة من حزب إلى جماعة، من حليقي الذقون إلى طويلي اللحى، ومن ذوي الشارب إلى حليقيه، ومن رأس حاسر إلى آخر معمم، ودون أن تختلف الرؤوس ومحتوياتها سوى في جرعات التخلف والخديعة وأسمائها؟
أفليس من هزل الثورات العربية المستجدة وسخريتها أن تخلع من بوصلتها ''جان جاك روسو'' مثلاً وتثبت مكانه ''حمد بن خليفة''، أو أن تنزع ''مونتسكيو'' وتلصق مكانه ''سعود الفيصل'' أو تحرق مؤلفات ''ماركس'' و''لينين'' وتمزق فلسفات ''هيغل'' وكانت وغيرهم، لتسترشد وتستنير بمقابلات ''حمد بن جاسم'' على شاشة الجزيرة أو على منبر الجامعة العربية؟
أفليس من هزال فكر الثورات العربية وسخرية الحداثة فيها، أن يرى عرب الجزيرة العربية في هيئات النهي عن المنكر والأمر بالمعروف بمطوعيها وسياطها برلمانات منتخبة لممارسة كل شيء ما عدا الحرية والديمقراطية... وقيادة المرأة للسيارة؟ وهل الفرق عند عرب الجزيرة كبير إلى هذا الحد بين الدابة والسيارة... أم إن الفرق بين المرأة والدابة ضئيل عند حكامهم ولا يكاد يرى؟
المفارقة التي يصعب فهمها أو اللغز الذي يصعب حله أن هذا ''الربيع'' المزعوم لم يقدر له المرور في أكثر بلدان المنطقة قحلا وصحراوية في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وأعني هنا الممالك والمشيخات الخليجية المفصلة على مقياس ومزاج أسر وعائلات مرتبطة مباشرة بالغرب ومصالحه، ما يدعو لطرح عشرات الأسئلة المستفزة حول شرعية هذا الربيع ومبرراته إذا كان ممنوعاً ومحرماً على بعض الشعوب والمثال هنا شعب البحرين والسعودية طبعاً...؟!
لا أحد ينكر أن رحم الأنظمة الدكتاتورية القمعية المستبدة المطاح بها كانت سريعة في تكوُّن هذا الجنين الأميركي المسخ، لتعاود القابلة الأميركية من جديد التعجيل بتوليده بإجراء عملية قيصرية أطلقت عليها ''الربيع العربي''. والمؤشرات الأولية لهذه العملية تشير إلى نجاحها إلى حد ما في كثير من جوانبها، من خلال الإتيان بأنظمة بديلة بنكهة إخوانية إسلامية مطواعة منقادة يسهل التعامل معها، وتفتقد إلى الخبرة في الممارسة السياسية، لديها القدرة على التأثير والإقناع عبر طابور واسع من المفتين والوعاظ الذين سيقع على عاتقهم تبرير مواقف الأنظمة الجديدة وخطواتها المطلوبة أميركياً.
إن الترتيب الأميركي الجديد للمنطقة يقوم على أمرين: الأول: الواجهة الأخوانية الإسلامية الشكلية فقط، لأن في الثوابت الأميركية الصهيونية ممنوع قيام دولة إسلامية حقيقية. الثاني: سيطرة ''الفوضى الأميركية الخلاقة'' في كل قطر بتغذية نزعات الانفصال والتناحر عبر تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي، والتحريض والتأليب وإدارتهما بين التيارين الإسلامي والليبرالي والعلماني على النحو الذي نراه الآن في العراق من تنازع وتشاحن، سواء بين بغداد وأربيل، أو بين مختلف الطوائف الدينية والمذهبية، وفي مصر وليبيا واليمن والسودانين وسوريا والصومال.
وما يجب ملاحظته على هذه السياسة هو أنها في حين تخص الأحداث كلها بنظرة واحدة تقوم على الخوف من تداعياتها المستقبلية على مصالح واضعيها ومبرمجيها، فإنها في الوقت نفسه تتعامل مع كل منها بأسلوب معين تفرضه طبيعتها الخاصة وتطوراتها، مع عدم إغفال أن مجمل هذه الأساليب تصب في خانة هدف واحد هو تأمين مصالح الغرب وإسرائيل. فالحقيقة المرّة أن كل الذي حصل حتى الآن وفي كل الدول العربية هو صقيع عربي وقفزة إلى الوراء بل هي صحوة جاهلية أججت خلافات وفتناً لو قدر لها النجاح فستعيد الشعب العربي برمته إلى المرحلة التي شهدتها أوروبا خلال العصور الوسطى بكل قتامتها وسلبيتها وسيئاتها.
وللأسف لم يصح العرب بعد موت أبو رقيبة عميلاً، وشنق صدام صديقاً، وهروب زين العابدين ذليلاً، واغتيال للقذافي مراً، وخلع مبارك من قصره محبوساً، وأصبح العرب بلا ناموس، وما زال انحطاطهم كابوساً، يتآمرون على بعضهم كما يريد أسيادهم، الذين هدموا سياج الأمة الثقافي الروحي، ونصبوا على حدودها مشانق تحت حجة الديمقراطية، وأصبح العرب في مهب الريح يتسابقون للحصول على مباركة من يد ملطخة بالدم العربي، وهي تهدم أساسه حتى تصدع، وما زالوا حتى اليوم يحكمون بكلمة توجيهية من فم جاسوس صهيوني، ربما عربي الولادة ولو على حساب مقدساتهم وحقوقهم، ولا يفرقون بين من يقاتل عدو الأمة إسرائيل، ويهزمها، ومن يبيع القدس وحق العودة.
فالشواهد كثيرة وماثلة للعيان، إذ أعاد (الربيع العربي) ليبيا مائة عام إلى الوراء، أما (الربيع المصري) فقد أعاد مصر إلى زمن التناحرات الطائفية وثقافة الإلغاء... وما يحدث ما هو إلا مقدمة للواقع الأسود الذي ينتظر هذه البلدان في حال استمرت في إغماض عيونها عما يدبر ويخطط لها من مشروعات التقسيم والتفتيت على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، وليس حال تونس بأفضل من جيرانها، فقد تلاشت الآمال وانتهت ''الثورة'' إلى مجرد رقابة صارمة وتعصب متنام وبطالة...
اِن الاختلاف والمغايرة للحدث العربي المشروع على حالته الخاصة، وديمقراطيته وحريته الخاصة، يسمح بتبويب التحولات وتغيراتها العربية في فئات أو حالات ثلاث: الأولى والتي تُدرج فيها كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، والثانية التي تشمل كلا من البحرين وعمان والأردن والسعودية، والثالثة التي تنفرد للحالة السورية بعينها.
وعلى الرغم من سياسة الاحتواء الأمريكية لهذه ''المنطقة العظمى'' وفقاً لتصنيف ''نعوم تشومسكي''، بما تحتويه من النفط والغاز، وصولاً إلى الثقل الإسلامي ودين الرسل والأنبياء، الأمر الذي يرفع درجة الخطر، في تركها تصنع عالمها وحريتها وحضارتها، كما تشتهي شعوبها، حيث اقتضى الواجب الاستعماري، في ترويضها واحتوائها وقطع شرايينها: العروبية والقومية والتحررية، وصولاً إلى امتداداتها الإقليمية والإستراتيجية، بما فيها، عزلها عن تداعيات ''الخطر الإيراني''، الذي يقاوم، فيتفرد في صنع عالمه، التقني والعسكري، وجيرته وبوابات العبور على حدوده.
والذي يجمع الحالات الثلاث في الوعي الغربي والأمريكي، هو نزعة الاشتغال على تفتيتها جغرافياً وإثنياً، وأخذها إلى عصر البداوة والجاهلية، وتوريثها الزمن الاستعماري، الأسياد والعبيد، ثم تركها منهوبة لحروبها واقتتالها البربري، ورعاية عصر الرجل الأبيض، ونخبوية التدخل الإنساني، وفتات الديمقراطية، ثم تنصيب الأمراء والمشايخ، على الحرية المدسوسة برمال الصحارى، ولهاث جمال الظمأ، إلى النفط والدولار، لكن الذي يفرق حالات الزمن العربي الكئيب، هو اختلاف درجة التآمر، أو الضغط الغربي والأمريكي عليه، والسرعة المتوخاة لسقوط أطراف هذا النظام العربي.
على هذه الخلفية وضمن هذا الإطار العام، وفي هذا السياق التآمري الذي لم يلتقط أنفاسه الكريهة لحظة واحدة استأنف المشروع الصهيو أمريكي سَعْيَه المسعور إلى (ولادةٍ قيصرية) من رحم (فوضى خلاّقة) شاملة لشرق أوسط جديد يشمل مغرب الوطن العربي ومشرقه، وفي الوقت نفسه يفتح طريقاً كانت مغلقة نسبيّاً أمام استعمار جديد للقارة الإفريقية، ولكن هذه المرَّة بحشد إمكانات دول الحلف الأطلسي كافة تتصدرها رموز الاستعمار القديم: فرنسا، بريطانيا إلى جانب (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية، وترفدها كيانات خليجية كقطر والسعودية والإمارات... ببذل ثرواتها وأموالها ورصيدها الأخلاقي الشحيح أصلاً وقنواتها الإعلامية التي استنفدتها مبكراً بالتزوير والافتراء والتجرد من المهنية في حدها الأدنى.
فقد اعتمدت الدوائر الصهيو أطلسية تطبيق سيناريوهات (الفوضى الخلاّقة) بعد تنقيحات تأخذ في الحسبان خصوصيات الدول والمجتمعات المستهدفة. وبما أنَّ الهدف الأكبر من هذا المشروع المعادي هُوَ السيطرة على البلدان العربية واحتلالها ونهب خيراتها. فقد تمَّ من أجل ذلك رصد التناقضات داخل كل دولة ومجتمع بغية تفعيلها وتسعيرها إلى الحدود القصوى مجندين في هذا السياق تشكيلات المعارضة الدينية والطائفية والعرقية والحقوقية والإعلامية والثقافية، وإغراقها بالمال السياسي وتسليمها بأدوات القتل البدائية والمتطورة تقنياً، وبوسائل الاتصال وبالقنوات الفضائية الممولة خليجياً وأمريكياً.
ومن أجل كسر (حاجز الخوف) وخلع (مصداقية) مزعومة على (ثورات الربيع الصهيو أمريكي) في الوطن العربي التي أطلق عليها تضليلاً مصطلح (الربيع العربي) بدأ استئناف تنفيذ المشروع التآمري بإطاحة الرئيس زين العابدين بن علي وحاشيته (الطرابلسيّة) وحزبه الحاكم المحسوبين على فرنسا والمعروفين بإقامة علاقات غير مباشرة مع (إسرائيل) عبر نصف انقلاب عسكري أبقى مصير البلاد في قبضة أمريكية غامضة، وذلك في غمرة مظاهرات عادت الجماهير منها بسلال فارغة، لتبقى البلاد رهينة فوضى تمتطيها قوى حزبية قَدِمَتْ من المنافي الغربية وأُخرى عُرِفَتْ في الداخل التونسي بارتباطها المُسْبَق بالسفارة الأمريكية.
وكذلك كانت ليبيا مطواعة، في عدم الانقلاب على مصالح الغرب وأمريكا، وكان النفط الليبي الذي يسيل اللعاب الغربي عند كثافته واحتياطه ودولاراته، الأمر الذي اقتضى استبدال إدارته وخطوطه وجغرافية منابعه، وصولاً إلى تمزيقه، غربه من شرقه، وتسليمه للثوار القادمين من ''معتقلات غوانتانامو'' والمعارضة التي تنام وادعة في حضن المخابرات العسكرية البريطانية (الشعبة السادسة)، واستبدال الكتاب الأخضر للراحل العقيد القذافي، بمجلدات أبو مصعب الزرقاوي. ففي أتون الفوضى المُدَمّرة التي تعيشها ليبيا فدول من الحلف الأطلسي تضع أيديها على النفط والغاز الليبيين،
فقد تحولت ليبيا في ظل هذا ''الربيع'' المزعوم إلى بلد يعج بالمليشيات المسلحة المتقاتلة فيما بينها، وكثرت فيها التيارات البعيدة كل البعد عن منطق الدولة والحرية والديمقراطية والانتخابات، وأصبح تنظيم القاعدة الإرهابي أحد الوجوه السياسية المهمة في الخارطة الجديدة، وغدت الجماهيرية التي كانت نابضة بالحياة مجرد أرض خراب يقتتل أبناؤها فيما بينهم كما يجري في الصومال، بينما تتقاسم دول الناتو المشرفة على ''الربيع الليبي'' والمساهمة فيه الكعكة النفطية الدسمة.
ويلاحظ أن الدول الخارجية التي إدعت مساعدة الشعب الليبي على إسقاط ديكتاتورية القذافي قد إكتفت بوضع يدها على ثروات ليبيا الطبيعية، خاصة النفطية منها، تاركة القبائل الليبية تتصارع على السلطة والنفوذ دون أن تنجح حتى الآن في بناء ركائز لدولة وطنية عصرية جامعة. وهي تواصل العنف الدموي القبلي المتمادي ضد المواطنين الأبرياء لتبقي على ركائز الاستبداد لعقود إضافية.
أما المشهد في تونس فلا يختلف كثيراً عنه في مصر خاصة مع محاولات حزب النهضة الإخواني بزعامة الغنوشي تطويع المجتمع التونسي المعروف بأنه أكثر المجتمعات العربية انفتاحا وتآلفا بين جميع أطيافه، وتحويله إلى مجتمع متطرف توجهه الأفكار التكفيرية الغريبة عليه، ويشير غضب الشارع التونسي الآخذ بالتصاعد إلى المرحلة التي ستُسقِط النموذج الآخر من حكومات الإخوان المسلمين التي سرقت الثورات التي صنعها الشباب العربي بوعيهم وإيمانهم ورؤيتهم البعيدة عن التطرف.
فتونس لم تكن استثناء مع الأسف في تاريخها البعيد أو القريب من مثيلاتها العربيات ولعلها تقع فيما وقعت فيه بلدان عربية كثيرة من طائفية من صنف جديد أي عوض الانقسام بين سني وشيعي كما العراق أو بين مسلم ومسيحي كما لبنان. فانقسام التوانسة اليوم بين إسلاميين وعلمانيين تحت شعارات فضفاضة وحجج مزورة أدخلت المجتمع التونسي منعرجاً مشحوناً بالمخاطر والمزيد من الهزات يكون فيه كل فعل وكل رد فعل مبنياً على العنف والعنف المضاد خارج القانون وخارج الأخلاق بل وخارج التاريخ.
أما في قاهرة المعز، فقد نجح ''الأخوان المسلمون'' بسرقة جهود ودماء من سقطوا في ميادين مصر خلال معركة خلع ''مبارك''، ثم استولوا على السلطة بتواطؤ أميركي مفضوح وبأدنى نسبة تصويت في انتخابات رئاسية بعد أن قاطعها أغلب المصريين احتجاجاً. ولا يختلف ما تفعله الفئة الحاكمة الجديدة هناك، في جوهره، عما قبلها، بل قد يكون أسوأ منها على ما يرى الكثيرون، ف ''محمد مرسي مبارك'' كما يدعوه معارضوه محقين، لم يألُ جهداً منذ "تمكنه'' من الرئاسة، في محاولة ''تمكين'' جماعته و''عزوته'' من مستقبل مصر، مقتفياً خطى سلفه في سياسته الداخلية والخارجية، بدءاً من المحافظة على قدسية ''كامب ديفيد"، والصداقة مع ''العزيز بيريز''، مروراً بالتفرد في القرار، والاعتداء على القضاء، و''استخدام الميليشيات ضد المعارضة، وتشريع الاستدانة من صندوق النقد الدولي، وإتباع سياسات جذب الاستثمارات الأجنبية، ومحاباة رجال الأعمال على حساب الطبقة الوسطى والفقراء''، وصولاً إلى إقراره دستوراً استبدادياً فرعونياً لم يحلم به سلفه الذي انتفض فقراء مصر وشبابها ضده.
فالشارع والميادين العامة والساحات لازالت تعيش حالة حراك جماهيري، مؤكدة أن ما جرى لم يحقق إرادة وطموحات ومطالب الشعب المصري، وأن الشعب المصري يريد ولادة حقيقية وليس استبدال طاغية بفرعون جديد يضع نفسه فوق القانون، ويعيد مصر إلى حكم الأجهزة وليس إلى حكم الدستور. إن من يحكم اليوم في مصر هي عقلية الحزب الواحد، وبصلاحيات مطلقة للرئيس، وعودة قبضة أجهزة الأمن، وإن جاءت تحت مسميات جديدة مستمدة من لغة الخطاب السياسي الاجتماعي لقوى الإسلام السياسي، والتي تتعامل مع قضايا الشعوب والأمم بمنطق القبيلة والعشيرة، وليس بمنطق الوطن الشامل الجامع، أي أننا نعيش مشهداً مفتوحاً على متطلبات الحزب الواحد ومصالحه وتعاليمه، وهذا الحزب متصالح ومتماهي مع الأوامر الأمريكية، ومع مصالح الغرب الأوروبي، الأمر الذي جعل من غالبية قوى المعارضة المصرية تتوحد في جبهة واحدة لإصلاح المسار السياسي والاستجابة إلى مطالب الشعب وإسقاط الدكتاتورية الجديدة، والتي تخلت عن مجمل وعودها الانتخابية ووضعت مصر كلها، شعباً وتاريخاً وقدرات وتطلعات تحت عباءة الأخوان المسلمين والذين يتفيؤون بالمظلة الأمريكية.
أما في سورية وعليها وهي الأهم طبعاً فكانت ذروة المؤامرة والتآمر وكانت الفضيحة المدوية، فتحت عناوين ''الثورة'' و''الحرية'' و''السلمية'' وباقي مفردات الربيع العربي المزعوم، تم تشكيل عصابات إرهابية مسلحة لا تؤمن سوى بالعنف والقتل والفوضى والتخريب طرقاً لتحقيق أغراضها الدنيئة، وتم دعمها بالمال والسلاح والسياسة وجيرت لها معظم وسائل الإعلام العربية وبخاصة الخليجية لكي تهدم بنيان الدولة الحديثة وتصادر قرارها الحر والمستقل خدمة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، كما تم جمع عدد من المرتزقة والفاسدين السابقين والعملاء والخونة في إطار هيئة ما يسمى ''مجلس اسطنبول'' و''ائتلاف الدوحة'' لكي ينوب بالتزوير عن الشعب السوري ويقرر مصيره، وبموازاة ذلك تحولت مؤسسة الجامعة العربية إلى منصة للتآمر واستدعاء التدخل الأجنبي في شؤون سورية الداخلية، وجمدت عضويتها وفرضت عليها سلسلة من العقوبات الاقتصادية والإعلامية لإخضاعها وتم تجنيد عدد من أدعياء وتجار الدين للتحريض على الفتنة في سورية وتشجيع الإرهابيين والمتطرفين للقدوم إليها تحت شعارات ''جهادية'' مزيفة، وبعد ذلك يأتي من يقول إننا نعيش ''ربيعاً عربياً''...؟!
وفي اليمن أصبحت المخاوف تزداد من أن تصبح اليمن ''يمنات'' عدة، فحمام الدم لم يتوقف، رغم كل الدعاية التي مارستها ماكينة الإعلام الخليجي لتسويق مبادرة مجلس التعاون الخليجي بخروج الرئيس السابق ''علي عبد الله صالح'' من الحكم وانتخاب ''عبد ربه هادي'' كرئيس جديد لليمن الجديد.
وتستمر التهدئة السياسية هشة للغاية في مجتمع قبلي تتنازعه التحالفات العشائرية منذ قرون عدة دون أن تشكل الدولة العصرية ومؤسساتها فيه سوى إطار واسع لم يدخل الوجدان الشعبي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالوعي القبلي المؤدلج دينياً لم ينتج سوى نظام سياسي مفكك، ودولة تتخفى وراء حجاب قبلي أو ديني لم يعد قادراً على إخفاء وجه الطبقة السياسية التي حكمت عبر القبلية السياسية التي تحولت إلى ديكتاتورية حكم عسكري بما ترتب على ذلك من نتائج. فبرزت تحالفات قبلية تستخدم العصبية الدينية لشد أزر الجماعة القبلية.
ولم تعد العصبية القبلية تقوم فقط على وحدة الدم بل باتت لها وجوه عدة، دينية، وقبلية، وسياسية، واقتصادية وغيرها. وتعود صلابة الذهنية القبلية المتجددة إلى قوة الموروث القبلي التاريخي في اليمن، إلى جانب منظومة المصالح المتقاربة بين جماعات قبلية وتنظيمات سياسية مبنية على زعامة سياسية متوارثة. مما يمنع قيام دولة المواطنة العصرية التي يتساوى فيها اليمنيون في الحقوق والواجبات، كما أن الذهنية القبلية ما زالت تعيق التفاعل الإيجابي مع مؤسسات الدولة العصرية، وتمنع قيام دولة المواطنة من وجهة نظر البعض أيضاً.
وتنظيم (القاعدة) يلعب في صف أمريكا ويعطيها ذريعة التدخل الأمريكي العسكري التقليدية، لتعمّه فوضى دامية تَحُول دون استقراره واستعادة عافيته، وهو المطلوب أمريكياً، ذلك أن موقعه الجيو سياسي بين المملكة السعودية وسلطنة عمان والقرن الإفريقي (باب المندب يفصل اليمن عن جيبوتي)، يحوّله في حال نهوضه وطنياً في ظل نظام ديمقراطي تقدمي ذي سيادة، إلى خطرٍ على المصالح الصهيو أمريكية، لذا مُقَدَّر له أن يبقى مُتخلفاً مضطرباً يتغذى بأمصال المعونات الخليجية والغربية.
وكي تبقى شعوب الخليج العربي مكبَّلةً بالخوف، رازحةً تحت وطأة القواعد الأمريكية والأنظمة التابعة لواشنطن وتل أبيب، تَمَّ قَمْع حراك الشعب البحريني وبمساندةٍ صهيو أطلسية شاملة، وَصَمْتٍ من الإسلام السياسي عن تدمير مساجد المنامة، ونوم العالم عن ضحايا الملك. وأدت ممارسات النظام القائم إلى تشجيع وتقوية الخلافات الطائفية، منهيةً بذلك سنوات من التعايش والتآلف ليصبح الجميع يعيشون في دوّامة من القلق والتّرصد للآخر.
في واقع كهذا نحاول اعتراض الوعي القطيعي الذي يُحرِّك الشرائح الثقافية والفكرية والإعلامية التي تُسوِق المشروع الصهيو أمريكي، عسانا بهذا الاعتراض نوقظ وعياً لا يُعَذِّب غير الضمائر الحيّة. فلا حاجة أن يكون المرء مُغرَماً بمتابعة التفاصيل (السياسي منها)، حتى يكون على بيّنة ممّا اتصل بالعراق المسكين، الضحية الأولى ل(التغيير) الاستعماري الذي يُراد له أن يعمّ، ويُعمّم على امتداد الشرق الأوسط والشمال الإفريقي، فيما أُسْمِيَ ربيعاً عربياً.
أما الزمن العربي الذي توقف عن الدوران (السعودية والبحرين، عمان والأردن) فلأن ''أوباما'' الذي يجد الكثير من سحنته هنا، حيث تنعم هذه الأنظمة مؤقتاً برضى الخزانة الأمريكية لشراء عجز أذوناتها السيادية، وحيث الإسلام الذي لا يقبل علانية بتمويل القاعدة (ووضعها تحت الوصاية الأمريكية)، أو السير في ركاب أنظمة الممانعة العربية، لكنه لا يصل حدّ العلمانية مع العسكرة أو مع الدين، كما تركيا مثلاً.
هذه الإمارات والممالك، التي لا تعرف استبداد تحيزها الطائفي وحسب، لأنها تنهال عليه، ضرباً وقتلاً وتدميراً، وهنا لا يصلها الغزو الإعلامي (من بناتها: الجزيرة والعربية)، فلا يفضحها، ولا تصلها الديمقراطيات الغربية، لترسل لها جبهة حقوق الإنسان، فتنام قريرة العين على رماد ضحاياها، وتغطية أقنيتها الفضائية، مخافة لسعة تيارات ثورية مقاومة، وتنأى أمريكا عن مشاهدة القتل العمد على الأرض، وإبادة الساحات التي تزهر بأقدام ضحاياها (دوار اللؤلؤة مثلاً)، لأن تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية المقبلة، وصفقات الأسلحة المقبلة، والتآمر المقبل على الممانعة، يدفع بالديمقراطية الأمريكية، لتنتخب قطر والسعودية وتركيا، لقيادة تحالف إقليمي، يوزع نظاماً إسلامياً معتدلاً، نصفه الإخوان المسلمين برعاية بريطانية، والنصف الآخر فرع ''للعدالة والتنمية'' التركية، الذي يمتد من أنقرة إلى القاهرة، ووصولاً إلى تونس والمغرب العربي. لأنه الإسلام ولأنه النفط، ذخر العرب وذخيرتهم إلى يوم الدين، فلا مناص من أن يشتغل العقل الأمريكي فلا ينام، صدام الحضارات، صراع الحضارات، الحوار المسيحي الإسلامي، الاحتواء المزدوج (الإسلام والنفط)، رائعة رجل الأمن القومي الأمريكي (جورج كنان).
أعتقد أن درس العراق سيظل نافعاً لغير أهله.
فهل يتعظ مثقفونا ومفكرونا)؟!. وهل يفيد بعض القوى اليسارية المنخرطة في مشروع يخدمه (القرضاوي) من مال مشيخة قطر، وهل أفضى حرص (عمر حسن البشير) على تطبيق الشريعة الإسلامية إلى غير فصل جنوب السودان عن وطنه الأم مقابل كفّ (المحكمة الدولية) عن تتبُّعه؟.
للأسف فبعض المثقفين يعرفون الحقيقة... لكنهم فجأة تحولوا من ليبراليين إلى إخوانيين خاضعين إلى فتاوى (القرضاوي) أو إلى مال السلطان... فماذا حصد المثقفون العرب الذين يصفقون لهذا (الربيع العربي) غير تمسك نظام (ثورة اللوتس) المصرية بتشديد الحصار على غزة، ومواصلة (إسرائيل) نشاطها الاستيطاني الذي لا تُعد مواجهته من أولويات (الثوار الجدد)، وغير اعتراف (اليونسكو) بالقدس عاصمة ل(إسرائيل) كزهرة سوداء تفتحت أمام عيون (الألكسو) المغرورقة ابتهاجاً بهذا (القطاف الثوري) المبكر؟ ناهيك عن مجاهرة جامعيين من يساريي (ثورة الياسمين) التونسية، وأعضاء في (الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي) بأنهم زاروا (إسرائيل)! هذا فضلاً عن إرسال المجلس الانتقالي الليبي (الحمام الزاجل) إلى (إسرائيل) يستقوي على الأحرار والشرفاء بليبيا. فرحم الله زمناً كان المثقف فيه يجوع ويعرى ولا يبيع قلمه.
وأخيراً وليس آخر، إنتبهوا أيها الحكام العرب، فلقد أينعت رؤوسكم لإسرائيل صاحبة القيم والأخلاق والديمقراطية الوحيدة، لقد أصبحتم في حال متخلخل يسمح بالفرصة للهجوم عليكم، وتسونامي الدمار والاحتلال والتقسيم لن يستثني بلداً. فإرهاصات ''الثورة'' في تونس ومصر وليبيا... متسربلة بعباءة الدين بصورة أكثر من واضحة، ومتحالفة مع الإبداع الذهني للعسكر، وهو ''إبداع'' مخيب للآمال. فما الذي حصل حتى الآن؟.
أسقطوا صدام حسين وأعدموه، طردوا زين العابدين بن علي، ألغوا مشروع حسني مبارك العائلي، وقتلوا القذافي. لكن النتائج لا تنبىء بأن هذه الوقائع الدموية تشكل بداية عبور إلى ديمقراطية حقيقية. فالبيئة الديمقراطية الحاضنة غائبة، وأنياب الدول الكبرى متحفزة للانقضاض على الخريطة السياسية الجديدة، في ظل شعارات جوفاء. إنه ''الربيع العربي'' المزيف، لا أكثر ولا أقل. وفي اقتناع الكثيرين أن الفاسدين الجدد لا يقلون فساداً عن الفاسدين القدامى. بل إنهم أكثر حقداً وانتقاماً وقدرة على القتل، بعد عقود من القمع اللامحدود.
فنشرة ''جون كيري'' السياسية تخفي أسماء كثيرة وكبيرة من المحيط إلى الخليج. تطل علينا يومياً وتخبرنا بلهجة الآمر الناهي: هذا حاكم فقد شرعيته، وعلى هذا أن يتنحى، وعلى الآخر أن يرحل. ولا نعتقد أن الأصدقاء والحلفاء، وحتى العملاء، قد غابت أسمائهم عن قائمة الإزالة الأمريكية. فلكل منهم ميقاته، طالما أن الوطن العربي، بكامله، تحول إلى ملعب لتسجيل الأهداف الإسرائيلية.
فما الغرابة إن لم نستعد دورنا أن يتفرد مصاصو الدماء بأمتنا العربية بربيعها و صيفها و خريفها و شتائها ؟! الآن و دون تأخير يجب أن نتحرّك نحن و يتحرك معنا أحرار العروبة و البؤساء والفقراء ممن سرق المال الخليجي ثورتهم أو احتجاجهم لنجأر و بأعلى صوتنا مدافعين عن تضحياتنا ودماء شهدائنا مطالبين ببرامج العمل الواضحة والمشاريع الوطنية التنموية الصريحة و التذكير أن الاستعمار الأمريكي الصهيوني والغربي الأوروبي هو سبب مصائبنا، وأن أمراء وشيوخ النفط في الخليج هم حراب المستعمر الموجّهة إلى صدورنا، و أن قضية فلسطين لا تزال هي المؤشر الأكثر مصداقية، لمن يريد أن يأخذ بيد المواطن العربي نحو عزته و كرامته وتطوره و نمائه.
آن الأوان أن نرفع صوتنا أنّ الفاسد مستعمر وأن المتعيّش على خيرات البلاد والعباد بقوة سلطته واستغلال نفوذه مستعمر وأنّ كلّ مسؤول أو موظف برشوته أو خيانة أمانة الواجب الوظيفي مستعمر.
أمام هذا المشهد العربي والذي يعيش شتاءً ساخناً وبعد أن تبين المسار الحقيقي المرسوم للمنطقة، والذي رسمته مصالح الأجندات الخارجية، بات مطلوباً من الأحزاب والتنظيمات والحركات وكل قوى التغيير العربي، كل حسب واقعه المحلي من البحث الجدي والفاعل عن نقاط الالتقاء ولو في حدودها الدنيا، وتشكيل جبهات وطنية، وفق برامج الحد الأدنى المشترك من أجل إنجاز مهامها الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعيداً عن نموذج ''الاسلام السياسي التركي'' الذي يعاني من أزماته الداخلية، و حالة من العداء مع محيطة الجغرافي، وبما يخدم قضايا أوطاننا وأمتنا العربية التواقة إلى مستقبل الشراكة السياسية وتحقيق قيم ومبادئ العدالة الاجتماعية، حيث الوطن فوق الجميع، ويتسع لجميع مكوناته السياسية، هذا هو المشهد الذي نعيشه اليوم، والذي يتقلب على صفيح ساخن في شتاء بارد.
و أنا أعلم تمام العلم أن ما يفعله أعداء العروبة والقومية، هؤلاء العملاء ومن حيث لا يشعرون، يؤسس لشارع عربي قومي علمته الجراح والدماء، أننا جميعاً أمة عربية واحدة وأن الوعد لإسرائيل والالتزام بأمن إسرائيل وسلامة إسرائيل هو وعد من خرج من جحرٍ في جبلٍ أشم لا يمثل إلا نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.