"رمضان"، هكذا اختاره الله ليكون شهرا لا كالشهور، شهر بلون البياض، دورة تدريبية سنوية يتربى فيها العقلاء البالغون،يفترض أن تتصالح النفوس فيه مع ذواتها وتتخلص من أمراضها الخُلقية من انتهاك للأعراض وكلام ساقط وقول الزور وكل السلوكات المنحرفة، ومن لم يهجر هذه السلوكات فقد فضل أن يُجهد نفسه جوعا وعطشا. قُدِّر لرمضان أن يكون شهرا للقرآن وللخيرات والقربات ومحاسبة النفس، فلا يستغرب أن يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم على من أدرك رمضان ولم يغفر له بأن لا غفر الله له. إذا كان هذا قدر رمضان الأبيض، فقد اخترنا له أثوابا أخرى غير ثوبه، وصوره الإعلام المرئي نمطيا وجعله في متخيل الناس مرادفا للفكاهة والمرح وشهرا للفرجة والسمر والسهر، شهر الشهيوات وما لذ من الأطعمة، شهر الاستهلاك بامتياز، وحين يقترب موعد حلوله تُرَكِّز كل الروبورتاجات على الأسواق ووفرة المواد الغذائية، فتحول رمضاننا إلى شهر الاستهلاك المفرط والغلاء الفاحش والاسراف في الأكل، والأصل فيه أن نتعلم فيه معاني الصبر ومجاهدة النفس والاقتصاد في المعيشة. ويا ويح المسكين الذي يكابد غلاء الأسعار ولا يرى فيه إلا شهر أزمة وتكَلُّف خاصة عندما أصبح يتزامن مع العطلة الصيفية والدخول المدرسي والعيد. لقد أصررنا على تلوين رمضان بألوان شتى غير لونه، جعلنا لياليه وردية بسهرات حول طاولات الورق والقمار، ومواعيد حميمية وجنسية تنتظر فقد رفع الأذان ومنها من لاتنتظر، حتى اختار له البعض أن يسميه بشهر النفاق لتناقضات الليل والنهار بل وظهرت دعوات تدعو إلى الإفطار فيه علنا. شهر التسامح والرحمة، تحول إلى شهر السباب والتخاصم والشجار لأتفه الأسباب (الترمضينة)، نقضي فيه كل يوم ونحن نعد العد العكسي لانقضائه وكأنه ضيف ثقيل، ونحن لاندرك أن رمضان فرصة محظوظ من أدركها، فرصة للتائبين ومناسبة قد لاتتكرر الموسم القادم بسبب الموت أو المرض، رمضاننا تحول إلى شهر للخمول والكسل وكثرة النوم ونقص من ساعات العمل داخل الادارات والشركات عوض أن يكون شهرا للانتاجية والمردودية والجد والمثابرة. مَثَلُ الذي يدرك رمضان ولا يُرى أثر الشهر على سلوكه ومعاملاته مثل الحمار الذي يحمل الأحمال الثقيلة، لايميز فيه بين الذهب النفيس أو الحجر الثقيل، فالكل بالنسبة له ثقل على ثقل، فلا يجدد حياته انطلاقا من هذه المحطة الغالية من عمره. ومع كل هذا وذاك مازال بعض الناس يحسنون استقبال هذا الضيف ويشمرون عن سواعد الجد كل ماحل رمضان، يجددون حياتهم وينجحون دنيويا في ترتيب أوراقهم المبعثرة. وأنت عزيزي القارئ، هل لونت رمضان بغير لونه أم استقبلته أبيضا صافيا؟