اختارت الرباط لغة "الصمت" في تدبير "التوتر" بين المغرب ومصر، على خلفية حضور وفد من جبهة "البوليساريو" الانفصالية لمؤتمر البرلمان الإفريقي الذي احتضنته شرم الشيخ من 8 إلى 11 أكتوبر الجاري. وربط محللون مغاربة خطوة القاهرة بالتقارب المغربي الخليجي، الذي جاء على حساب مصر، في الوقت الذي ألغى الفنان المغربي "نعمان لحلو زيارته لمصر احتجاجا على خطوة القاهرة. وعلى الرغم من عدم صدور أي تصريح رسمي من طرف الخارجية المغربية، إلا أن مسؤول بوزارة الخارجية المغربية قال ل"لأناضول"، إن الوزارة اتصلت بسفارة مصر بالرباط، والتي أعلنت عن استغرابها لهذا الحدث، بل أعربوا عن تفاجئهم بهذا الحدث. وبحسب المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن "الرباط اختارت عدم التصعيد، خصوصا أن مسؤول مصري نفى أن تكون مصر هي التي وجهت الدعوة لهذا الوفد". (في إشارة إلى أسامة هيكل، رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب المصري، الذي قال في تصريحات صحفية له، إن البرلمان المصري لم يقم بتوجيه أي دعوات رسمية لوفد جبهة البوليساريو للمشاركة). وقال رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية عبد الفتاح بلعمشي ل"لاناضول"، إن بلاده اختارت عدم التصعيد، خصوصا بعد تصريحات مسؤول مصري في الإعلام ينفي كون القاهرة استدعت البوليساريو. وأبرز أن هذا التوتر شبيه بأزمة يناير من العام الماضي، حيث لم تتجاوز الإعلام، ليتم تطبيع العلاقات من جديد. وأضاف بلعمشي أن هناك فرضيات ممكنة للخطوة التي أقدمت عليها مصر، ويتعلق الأمر برد فعل القاهرة على التقارب المغربي الخليجي، الذي جاء على حساب مصر، أو صعود الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وأوضح أنه على الرغم من تبرير مصر لهذا الاستقبال، إلا أن البوليساريو تعتمد استراتيجية اقتحام بعض الملتقيات الرسمية كلما سنحت لها الفرصة. ودعا بلعمشي الرباطوالقاهرة إلى نهج سياسة التقارب بدل التوتر، لأن هناك العديد من التحديات التي تواجههما. وانتقد مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية "خالد الشرقاوي السموني" مشاركة وفد جبهة البوليساريو في القمة العربية الإفريقية التي نظمت بمبادرة من البرلمان العربي، وبتنسيق مع مجلس النواب المصري، بمدينة شرم الشيخ. وقال الشرقاوي في تصريح ل"لأناضول"، إن استقبال مصر لوفد البوليساريو مؤشر على عودة القاهرة إلى اللعب بهذه الورقة في علاقتها مع المغرب بسبب التقارب المغربي الخليجي، بعد أن حدث توتر سابق بين البلدين عقب زيارة وفد مصري إلى مخيمات تندوف. وطالب الشرقاوي رئيس البرلمان المصري علي عبد العال بتوضيحات مكتوبة لما أسماه "الموقف المخالف للأعراف والقواعد الديمقراطية والديبلوماسية". وحمل الشرقاوي القيادة المصرية مسؤولية احتمال تردي العلاقات الدبلوماسية خلق توتر مفتعل بين برلمانيي الجمهورية المصرية والمملكة المغربية. وطالب الشرقاوي برلمانيي بلاده العمل على الكشف عن ملابسات هذا الفعل المرفوض. وحمل وزارة الخارجية المغربية مسؤولية التقصير الاستباقي وغياب ردود الأفعال الحازمة بما يكفل الدفاع عن السيادة الوطنية وقضية الصحراء خصوصا. من جانبها، اختارت مصر لغة التوضيح لتجنب الأزمة بين القاهرةوالرباط، حيث قال أسامة هيكل، رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب المصري، والمتحدث باسم احتفالية "150 عام برلمان" في تصريح للجريدة المصرية "اليوم السابع"، إن البرلمان المصري لم يقم بتوجيه أي دعوات رسمية لوفد جبهة البوليساريو للمشاركة فى الاحتفال بمرور 150 عام على تأسيس البرلمان. وقال هيكل، إن وفد البوليساريو حضر اجتماعات البرلمان الإفريقي التي تعقد في شرم الشيخ، والبرلمان المصري ليس له علاقة بتوجيه الدعوات للمشاركة فى اجتماعات البرلمان الأفريقى وفاعلياته، وأن مصر ما هي إلا دولة مضيفة، ومن يتولى توجيه الدعوات للحضور هو البرلمان الإفريقى نفسه. وقال روجيه نكودو رئيس البرلمان الإفريقي، في تصريح لنفس الجريدة المصرية، إن علم وفد البوليساريو لم يتم رفعه نهائيا أثناء احتفالية مصر ب150 سنة برلمان، أو في الجلسة الافتتاحية المشتركة للبرلمانيين العربي والإفريقي، لكن تم رفعه فقط فى جلسات البرلمان الإفريقى والاتحاد الإفريقي. وأكد نكودو أن مصر رفضت رفع العلم في الجلسات التي نظمتها، نظراً لعدم اعترافها واعتراف العرب بجبهة البوليساريو، لافتا إلى أنه تفهم موقف مصر ووافق على عدم رفع العلم سواء في الاحتفالية أو الجلسة الافتتاحية المشتركة. وأوضح روجيه أنه تم رفع العلم فى جلسات البرلمان الإفريقي والاتحاد الإفريقي فقط، وذلك يرجع إلى أن جبهة البوليساريو عضو في البرلمان الإفريقي. في إطار ردود الفعل، ألغى الفنان المغربي "نعمان لحلو" زيارة كانت مقررة له إلى مصر على خلفية هذا الحادث. وقال لحلو بصفحته الرسمية على "الفايسبوك"، "لكل أصدقائي في جمهورية مصر العربية، الذين ينتظرون زيارتي يوم 2 نونبر : أخبرهم أنني ألغيت زيارتي، كما أنني اعتذرت للقنوات التلفزية، التي كان مقررا استضافتي بها، وكذلك اعتذرت لجامعة حلوان التي كان مقررا أن ألقي بها محاضرة عن الموسيقى المغربية. وأضاف الفنان المغربي " لقد كانت صدمة كبيرة لكل المغاربة أن يستقبل رئيس مجلس مجلس النواب المصري، الناطق باسم الشعب، وفدا من جبهة البوليساريو الانفصالية. وعليه أتساءل هل هذا الشخص يتصرف باسم الشعب، وإن كان الأمر كذلك، فإنني أطلب من كل الفنانين المغاربة المقيمين بمصر أن يكون لهم موقف ولو بالتنديد، حتى يعلم الشعب المصري كمية الإساءة التي وجهوها لشعب يحبهم". وشهدت العلاقات المصرية المغربية، فاتح يناير 2015، أجواء توتر مفاجئ على خلفية بث التلفزيون المغربي الرسمي، تقريرين وصف فيهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ب "قائد الانقلاب" في مصر، و(الرئيس الأسبق) محمد مرسي ب"الرئيس المنتخب"، في خطوة مفاجئة لم تفسر رسميا من أي جانب خلال اليوم الأول. غير أن تقارير إعلامية مغربية أرجعت هذه الأزمة الطارئة، إلى ما وصفته ب"الاساءات" المتكررة من إعلاميين مصريين للمغرب، و"بعض الأنشطة التي مست قضية الوحدة الترابية للمغرب، ويتعلق الأمر بتقديم كتاب بالجزائر ساهم فيه مصريون، ومس قضية الصحراء".