لا يزال البحث في مظاهر التدين المعاصر يكشف عن الكثير من الخبايا التي طبعت بعض الحركات الإسلامية في علاقتها بالثورة الإيرانية وبانتشار التشيع، ويتبدى دور بعض الفاعلين الإسلاميين في جعل بعض من أتباعهم على أهبة الاستعداد للإرتماء في أحضان التشيع، والتأسيس لاختراق مقلق جدا لوحدة المذهب التي يتميز بها المغرب، ومن بين التيارات التي كانت لها حصة الأسد على مستوى الدول الإسلامية في التمهيد أو التشجيع على التشيع، جماعة العدل والإحسان المغربية، قصدا أو بدون قصد. إن مظاهر التشيع التي ظهرت لدى كثير من "المستبصرين" ممن سبق أن انتظموا في جماعة العدل والإحسان، أكدت أن غالبية هؤلاء يعيشون ارتجاجا عقديا بحسب الباحثين والمتتبعين للشأن الديني، حيث أن طابع هذا الارتجاج وميزته تغليب المفاهيم التي تتقاطع في مضمونها مع ما يدعو له الشيعة وما يروجون له من عقائد. ما أدى بغالبية المتشيعين منهم إلى التأثر بالنفس الروحاني الباطني ( البوتشيشي الأصل)، وبالفكر الصوفي للشيخ عبد السلام ياسين( رحمه الله)، الذي يحمل اعتقادات كثيرة منها ما يرتبط بالمشيخة وعلاقتها بصحة التدين، ومنها تلك الطقوسية الخاصة والتراتيل المعتمدة والمبيتات الصوفية بما فيها من ابتداع وغلو …إلخ. وقد كان انبهار مرشد جماعة العدل والإحسان بالثورة الإيرانية جليا وواضحا إلى الحد الذي جعلته يلقبها ب:"الثورة الإسلامية" وكان يعلق بالثناء عليها، فقد كانت أهدافها تتقاطع مع أهدافه الخاصة كمرشد للجماعة، وفي نفس الوقت تلتقي مع ميثاق الجماعة الذي ساهم هو بنفسه في وضعه وفي تنزيله. وتتجسد رؤية الأستاذ عبد السلام ياسين وتصوره للتغيير ومحاربة الفساد والاستبداد، حسب نظرته في نموذج التجربة الإيرانية، وهي في اعتقاده ناجحة بكل المقاييس. وعليه، وبعد ما اطلعت على بعض من مقالاته وكتبه، تبين لي تأكيد ما قيل عن تعاطفه معها ومع التيار الشيعي، وما جاء في كتابه "نظرات في الفقه والتاريخ" خير دليل على صحة ما ذكرناه عنه من تمجيده للشيعة،وفيه يقول عن هذا التمجيد: » كيف انحدرت من أجيال أهل السنة تقاليد الخضوع للحكام أيا كان منذ الانكسار التاريخي، وكيف انحدرت في أجيال الشيعة تقاليد رفض الرضوخ للحاكم. ففي حلبة الصراع الآن ثوارٌ ينادون بثارات الحسين من يزيد العراق يعيشون بألم كما عاش آباؤهم تلك المأساة المحزنة، بل تلك الجريمة النكراء بكل المعايير«(عبد السلام ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، ص 28). ويقول كذلك في وصف تشبث الشيعة بمذهبهم: »تشبثٌ آل إلى تصلب توارثته الأجيال، وعاش في ظل الاضطهاد والاستخفاء والتقية، لكنه تشبث له أصل ثابت عندنا وعندهم من إخبار الحبيب صلى الله عليه وسلم ووصيته«(عبد السلام ياسين، نظرات في الفقه والتاريخ، ص 35). ثم إن دليل تعاطفه مع مظلمة الشيعة ومقتل الحسين (رضي الله عنه) بكربلاء، يتضح في أحاديثه المتكررة عنها من خلال مؤلفاته، حيث يعبر الأستاذ عبد السلام ياسين عن ذلك بأسف وحزن، ويكرره في عدد من صفحات كتاب-"نظرات في الفقه والتاريخ"-، ويتوج ذلك بكثرة انتقاده لخلافة الأمويين والعباسيين وتوصيفه لطبيعة حكمها بالحكم " العاض " و"الجبري"..إلخ.وقد وظف كل ذلك في انتقاد مواقف علماء السنة، من خلفاء بني أمية وبني العباس. من ذلك قوله: »لا نشك لحظة أن الحسين بن علي رضي الله عنهما حين غضب غضبته وقام قومته إنما فعل لاعتقاده أن يزيد فسق عن أمر الله وقاد بغير القرآن وأضاع الصلاة، ……وإن سترت أجيال من علماء السنة كارثة قتل الحسين، أو أدانتها على استحياء، فما يهون من فداحة إخلالهم ذاك في أعيننا إلا وجود تلك النصوص الثابتة الكثيرة الداعية للحفاظ على الوحدة، تأولوا في ظلها سلوك يزيد وأمثاله، وسكتوا عن الذل والإذلال وهم يسمعون بني مروان ويرونهم يصفون السيف دواء لأمراض الأمة، وضرب الرقاب شفاء، ويطبقون . ليضيف،"سمعوا وصدقوا أن عرى الإسلام ستنقض، وأن أول ما ينقض منها عروة الحكم ورباطه. سمعوا أن هلاك الأمة سيكون على يد ( أغيلمة من قريش) ". والملاحظ هنا أن السيد عبد السلام ياسين يقتبس من الحديث وصف حكام الأمويين ب"الأغيلمة" كناية عن صغر سنهم وتقليلا من شأنهم وتحقيرا لمكانتهم. ويقول كذلك: »واجه الإمام الحسين رضي الله عنه وقاتل، واجه زيد بن علي وقاتل، واجه محمد النفس الزكية وإدريس أخوه وإبراهيم ويحيى من بعده وقاتل. و كان هؤلاء جميعا من آل البيت، وكان لأئمة المسلمين أبي حنيفة ومالك والشافعي رضي الله عنهم ميل، بل مساندة فعلية لهؤلاء القائمين.« ومن المفيد هنا أن نذكر ما أورده الأستاذ فريد الأنصاري عن علاقة الجماعة ومرشدها بظاهرة التشيع بالمغرب، ومدى تشبعه بنموذج التجربة الإيرانية،فيما نصه: "بالمغرب كان الشيخ عبد السلام ياسين لا يخفي إعجابه البالغ بالثورة الإيرانية، بل تجاوز ذلك إلى تبنيه لمنهجها العام ومضمونها الفكري إلى درجة التقليد … فكان يقول بصراحة: "نرى أن مستقبل الإسلام رهين باستيعابنا لدرس إيران.( ، البيان الدعوي و ظاهرة التضخم السياسي، (سلسة من القرآن الى العمران )ص/116) وكان يظهر أن تعاطفه الكبير للبكاء الحزين للشيعة الروافض عبر التاريخ، ويبدي نقمته الظاهرة على بني أمية الذين كانوا أول من حاد عن مفهوم "الخلافة على منهاج النبوية"، والذي يشكل العمود الأساس للرؤية السياسية للأستاذ عبد السلام ياسين ومن هنا أيضا عرف سبب إدانته الواضحة للفكر السياسي السني عبر التاريخ. ثم يبين الشيخ عبد السلام ياسين بصراحة سرا من أسرار الثورة الشيعية بإيران وهو يقول :"ثم إن توفيق الله لإخوتنا الشيعة، أن ربطوا غضب الشعب بمثال حي هو مثال الإمام الحسين عليه السلام الذي غضب على حكم يزيد الفاسد و عرفوا كيف يعرضون قضية الإسلام الآن على شاشات الحساسية الشيعية." ويحكي الأستاذ فريد الأنصاري تأثر الأستاذ عبد السلام ياسين برمزية الحسين الثورية، باعتبارها نموذجا للقومة المنشودة تماما على غرار الفكر الشيعي الرافضي. كل ذلك كان له أثر بالغ في تلميع صورة النموذج الإيراني الشيعي، وتسفيه الفكر السياسي السني. وعليه؛ فقد زعم بعض فقهاء الأمصار بأنه كان للأستاذ عبد السلام ياسين ميلا ومساندة للقائمين من آل البيت، موظفا ما تعرض له بعض هؤلاء الأئمة من الابتلاء ومن تم، فقد أصبح جليا أن فكر الأستاذ ياسين الثوري هو تقليد ظاهر للثورة الإيرانية حيث علق الأستاذ فريد الأنصاري بطريقة واقعية على الأمر فقال:" إن الثورة الإيرانية قد صارت نموذجا جذابا لكل إسلامي يمتلك نفسية صدامية." وعلق فريد الأنصاري على الحديث المشهور الذي قال فيه حذيفة: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت"، بما ينفي عنه ما يفهم منه فيما نصه:" هذا حديث مشهور متداول لدى كثير من أبناء الحركات الإسلامية اليوم، ويستدلون به على فساد الوضع السياسي المعاصر ويؤصلون به للثورة ضده والزحف عليه وهو حديث بالنسبة للنظر العلمي الأصولي لا يؤصل لشيء من ذلك(فريد الأنصاري،البيان الدعوي و ظاهرة التضخم السياسي، (سلسة من القرآن الى العمران )، ص 117.). وقد خلص الأنصاري (رحمه الله) إلى كون التفاعل بذلك الشكل أسهم في انتشار هذا التفكير "النموذج" للثورة الإيرانية، وفي إشاعة التعاطف مع الفكر الشيعي حتى على المستوى العقدي… حيث وصل لحد التشكيك في صحيح الامام البخاري. وخلاصة القول أن الثقافة الياسينية المبثوثة داخل الجماعة، قد جعلت القرائح مستعدة لتقبل مبادئ المذهب الشيعي، حيث تداخلت معها مجموعة من العقائد ذات الخلفية الشيعية، وقد مهدت لتلك الثقافة بشكل غير مباشر، أسهم في تحصيل مردود لا بأس به في مسار التشيع المعاصر. .