لا تخلو أيّ انتخابات في العالم من مفاجآت.والإنتخابات النيابية المغربية التي جرت في السابع من أكتوبر الجاري، ليست استثناءً. كانت هناك توقعات واسعة أن حزب "العدالة والتنمية" بقيادة الوزير الأول، عبد الإله بنكيران، لن يصمد، وأن الحملات الإعلامية الكثيفة التي تعرّض لها على مدى خمس سنوات سوف تقلّل من حظوظه، والحال أنه حافظ على تصدّره وفاز ب125 مقعداً، متقدّماً ب18 مقعداً على نتائجه في انتخابات 2011، وكانت تلك هي الانتخابات الأولى بعد حركة الاحتجاجات في الشارع على إيقاع موجة الربيع العربي، وبروز حركة 22 فبراير، وصدور الإصلاحات الدستورية التي فتحت الباب أمام تشكيل حكومات برلمانية. أما حزب "الأصالة والمعاصرة" بقيادة إلياس العماري، فتبوّأ المركز الثاني ب 102 من المقاعد، متقدماً ب55 مقعداً على نتائج الانتخابات السابقة، وبهذا زاد عدد مقاعده إلى أكثر من الضعف. حزبا "العدالة" و"الأصالة" أعلنا في خضمّ الحملة الانتخابية أن أياً منهما لن يأتلف مع الأحزاب الأخرى في أيّ حكومة مقبلة. وكان عماري قال إن حركته لن تنضم إلى ائتلاف مع "العدالة" إلا في حالتين هما: أن تكون المملكة المغربية في حالة حرب، أو إذا تراجع حزب العدالة عن مرجعياته وارتباطاته. فيما أكد بنكيران، عقب إعلان تصدر حزبه، أن الحزب منفتح على الائتلاف مع جميع الأحزاب باستثناء "الأصالة". وكانت حكومة بن كيران، التي انبثقت عن نتائج الانتخابات السابقة، قد ائتلفت مع حزب "الاستقلال" وحزب "التقدم والاشتراكية" و"الحركة الشعبية"، قبل أن ينسحب "الاستقلال"، بقيادة حميد شباط، من الحكومة بعد نحو 18 شهراً على انضمامه لها. وقد أعلن "حزب الاستقلال"، بعد ظهور نتائج انتخابات، أمس الأول الجمعة، أنه مستعدٌّ للمشاركة في حكومة بقيادة حزب "العدالة"، إذا ما "راجع حزب العدالة أخطاءه، وقام بتصحيحها". لكن الاستقلال مني بخسارة كبيرة في هذه الانتخابات، فقد تراجعت مقاعده من 60 مقعداً إلى 46 مقعداً فقط. والحال أن غالبية الأحزاب قد تراجعت، فحزب "الاتحاد الاشتراكي"، الذي كان يوصف على مدى عقود بأنه "قلعة المعارضة واليسار"، تراجعت مقاعده من 39 مقعداً إلى 20. ويقود الحزب إدريس لشكر. كما مُني حزب "التقدم والاشتراكية" (الحزب الشيوعي سابقاً) بنكسة، إذ تراجع عدد مقاعده من 18 مقعداً إلى 12 فقط. بما يشكل نكسة إجمالية لليسار، على الرغم من مشاركة "فدرالية اليسار الديمقراطي" المشكّلة من ثلاثة أحزاب، وفوزها بمقعدين فقط. بما يجعل مجموع مقاعد اليسار 40 مقعداً. ولم يقتصر التراجع على اليسار، ف"التجمع الوطني للأحرار" تراجع من 52 مقعداً إلى 37 مقعداً، فيما خسر "الاتحاد الدستوري" أربعة مقاعد، وتراجع من 23 إلى 19 مقعداً. بينما كانت خسارة "الحركة الشعبية "أكبر، اذ تراجعت مقاعدها من 32 إلى 27 مقعداً. وبحسبة بسيطة، يتبين أن ستة أحزاب بين اليمين واليسار والوسط خسرت 63 مقعداً، بينما تقدم "العدالة والتنمية" مع حزب "الأصالة" ب73 مقعداً. وبذلك فقد تمكّن هذان الحزبان من قضم المقاعد التي خسرتها بقية الأحزاب. إعادة التوزيع هذه إذ تعكس إرادة الناخبين (بلغت نسبة التصويت 43.6 بالمائة)، فإنها تعكس أيضاً مزاجاً عاماً مستجداً يمنح أصحابه ثقتهم لحزب ذي مرجعية إسلامية بخصوصية مغربية هو حزب "العدالة والتنمية"، ولحزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يُعرف عنه دينامية قيادته، وقربها من دوائر الحكم. وقد حلّ حزب "العدالة" محل أحزاب أخرى ذات مرجعية إسلامية، كما دفع "الأصالة" أحزاباً ذات لون سياسي شبيه به إلى تراجع حاد، مثل "الاتحاد الدستوري" و"التجمع الوطني للأحرار". فضلاً عن حزب "الاستقلال" الذي شهد انحداراً حاداً وكان يتصدر الأحزاب المغربية على مدى عقود. أما اليسار، الذي تراجعت مقاعده من 57 إلى 31 مقعداً، فقد عانى من دعوات للمقاطعة في أوساط بعض اليسار الراديكالي، ومن تأخر فدرالية اليسار في الترشح وإطلاق حملتها الانتخابية، فضلاً عن إرث الفدرالية في مقاطعة الانتخابات السابقة، وضعف نفوذه وهزالة نتائجه في الدائرة الوطنية. وبهذا فإن الاستخلاص الأهم هو أن الحزبين الغريمين، "العدالة" و"الأصالة"، قد حقّقا قفزةً مهمّة قياساً بالانتخابات السابقة، على الرغم من التحدّيات التي تنتظر الأوّل، ولعلّ أبرزها امتلاك غريمه ثقلاً نسبيّاً أكبر داخل البرلمان المقبل.