بشائر الخير نتفاءل بما قدمه الفريق الوطني في مباراته الودية أمام منتخب جمهورية التشيك الأربعاء الماضي من إشارات دالة على أن هناك تحولا عميقا في التركيبة البشرية وأيضا في القدرة على صنع الأداء المميز· نعم، وكيف لا نتفاءل، وقد بدا للجميع أن تلك المباراة كانت ومضة ضوء في ليل الإنتظار الطويل، وقبس نور يرفع عنا عثمة القلق والإحباط واليأس· ولكن مع تفاؤلنا، هل يجب أن نفرط في الإنبهار بهذا الذي شاهدناه من الفريق الوطني أمام منتخب تشيكي، نعرف مرجعيته وموروثه وأيضا قيمته داخل نسيج كروي أوروبي عميق في احترافيته؟ أنا معكم في أن الفريق الوطني قدم لنا ما يكفي من ضمانات على أنه بصدد كتابة صفحة جديدة، على أنه بصدد تحيين كل الآمال في الإرتقاء بالأداء الجماعي ليكون بأفضل صورة، بل لأن يكون بصورة هلامية، لطالما أن تحقيق حلم الوصول إلى كأس العالم في وجود خصوم من عيار ثقيل يحتاج إلى أداء قريب من الأنطولوجية· صحيح أننا وقفنا خلال مباراة التشيك على العناصر المحفزة على الأمل والوثوق، وصحيح أيضا أن ما قدمه الفريق الوطني بالعناصر الثابتة أو بالعناصر الجديدة، يؤشر على أن هناك ميلادا جديدا، ولكن هل يكفي كل ذلك لأن نتصور أن فريقنا الوطني بلغ الصورة المثالية التي يجب أن يكون عليها في هذه المرحلة بالذات، لطالما أننا سنبدأ مسيرنا الإقصائي العسير نهاية شهر مارس بمواجهة منتخب الغابون·· أتصور أن هناك فارقا كبيرا بين أن تبرز فرديات رائعة (الحمداوي، الأحمدي، تاعرابت والعرايشي)، تبشر بظهور موجة جديدة وبميلاد منتخب كروي كبير، وبين أن تبرز روح الفريق بجماعيته، بتناسق خطوطه وأيضا بقدرته الجماعية على التحكم في الإيقاع وعلى التعاطي بكامل الإحترافية مع المباريات على اختلاف درجاتها·· وقد كان رائعا فوق الإنبهار ببعض الفرديات التي أطربتنا جميعا، أن الفريق الوطني استطاع أن يجبر منتخب جمهورية التشيك لآخر ثلاثين دقيقة من عمر المباراة على التراجع إلى الوراء، ما أظهره في صورة منتخب مضغوط عليه، ولم يجد بديلا عن الركون جماعيا إلى الدفاع لصيانة مرماه، أمام فورة هجومية مغربية، وأمام إيقاع متسارع وسيطرة ميدانية على كل المواقع الإستراتيجية· فإذا ما نحن إستثنينا والحارس كريم زازا يرسم للمرة الثانية على التوالي، بعض المخاوف التي مازالت حراسة المرمى تبرزها، بخاصة مع عجز زازا عن السيطرة على الكرات المحلقة باتجاهه، فإن خط الدفاع، بخاصة عند بناء العمق، تحسن أداؤه بعودة طلال القرقوري الذي تستطيع مرجعيته أن تحميه من أخطاء مجانية، كما أن خط الوسط الإرتدادي المشكل سواء من خرجة أو السفري، أو من خرجة والأحمدي أعطانا الثقة في أن العمل الموكول لهذا الخط لحفظ التوازن ينجز على الوجه الأكمل، وإن نحن وصلنا إلى وسط البناء وخط الهجوم، توقفنا عند وفرة بل غزارة العناصر إلى الدرجة التي نعترف بها أن الإختيار سيكون صعبا للغاية·· إفتقد الفريق الوطني في هذه المباراة لمروان الشماخ، لطارق السكتيوي وأيضا لمروان زمامة ومع ذلك شعرنا مع ما كان موجودا من عناصر أن بناء جبهة الهجوم بحسب ما يتيحه نظام اللعب الذي تم اختياره كان أمرا مرهقا، فقد ركبه روجي لومير بداية من امبارك بوصوفة، نبيل باها، نبيل درار ومنير الحمداوي، ثم كان التنقيح بحسب ما تفرضه مباراة ودية أمام منتخب بقيمة التشيك، فأدخل تاعرابت ويوسف حجي، واغتنى الأداء بشكل مثير للدهشة، ما يقول أن المتاعب التي سيواجهها روجي لومير في بناء خطه الهجومي ستكون كبيرة·· نأمل وقد بقي لنا نحو شهر لنصل إلى مباراة الغابون التي سنفتتح بها المشوار التصفوي، أن يكون كل لاعبينا معافين، وفي أفضل حالاتهم البدنية وأيضا في قمة تنافسيتهم، كما نأمل أن يكون روجي لومير بما تراكم له قادرا على أن يوجد أفضل توليفة ممكنة يتأسس عليها هجوم مرعب، يستطيع بكامل الأريحية أن يؤدي ما هو موكول له من مهام بحسب نظام اللعب هجوميا ودفاعيا، فقطعا نحتاج في مباراة الغابون إلى هجوم فعال، منسجم وبقدرة جماعية على لعب كل الأدوار التي ستفرضها المباراة· --------------- أعجبني ما وصل إليه نبيل الحمداوي خلال المباراة الأولى له مع الفريق الوطني من هوس، وهو يسعى إلى تسجيل هدف يعتبره الأغلى بين الأهداف التي سجلها حتى الآن، فالرجل إلى الآن هو هداف الدوري الهولندي الذي نعرف أنه الأغزر أوروبيا من حيث التهديف· ما كان عليه الحمداوي من سعار ومن حيوية، وأيضا من مجازفة في البحث عن الهدف، يقول بأنه كان في سعادة لا توصف وهو يستعرض مهاراته أمام جمهور بلده بقميص منتخب بلده·· ذات الشعور أحس به تاعرابت الذي كان يضع القميص الوطني لأول مرة على ظهره، وأتصور أنه من الصعب علينا نحن بالذات أن نتصور ما يكون عليه من إحساس، لاعب جاء إلى المغرب ليحصل رسميا على وثيقة الميلاد وهو الذي ولد وتربى في بلاد الغربة·· هذه المشاعر الجياشة التي تفيض بالحب للبلد الأصلي، لموطن الآباء والأجداد، هي ما نتحسسها عندما يأتي هؤلاء اللاعبون بكل المهارات الفنية الساكنة فيهم، ليمتعوا أبناء بلدهم· هذه المشاعر التي يصعب أحيانا وصفها، هي ما يجب أن توقفنا عن جدال عقيم وغير مبرر، خضنا فيه طويلا، فرقنا فيه بين لاعب مغربي يمارس محليا وبين لاعب مغربي تكون ولعب أوروبيا·· إنها عملية بليدة، غير مواطنة تفرق بدون وجه حق بين أبناء البلد الواحد، مع أن المنطق يفرض أن يشكل منتخب البلد من العناصر الجاهزة التي قد تختلف الفضاءات التي تلعب بها، ولكنها تتوحد في الهوية·