تورام والوزيرة نوال قد تتساءلون ما الذي يجمع بين الإثنين، وما الخيط الرفيع الرابط بينهما، لا هذا ولا ذاك، بل أن ما يفرق بين اللاعب الدولي السابق ليليام تورام والعداءة العالمية السابقة أيضا والوزيرة الحالية نوال المتوكل يستحق أن يدرس، ويجدر به أن يقدم كمقاربة مرجعية، وكإطار مثالي للمحاكاة والتقليد لرياضيينا خاصة الذين بلغوا مستوى العالمية ولو على قلتهم، بما كشف عنه اللاعب الفرنسي من حس نبيل، من شعور قوي بالمسؤولية ومن أخلاق عالية تنم عن ثقافة افتقدها كما قلت رياضيونا فانعكست بالسلب على مستوى الفكر والتدبير لديهم، وجعلت معظمهم تطويه سجلات النسيان ويُقَلَّب مع دفاتر الزمن بلا حسيس ولا تأثير ولا صدى يُسمع لديهم أو عنهم· ما يفرق بين تورام ونوال وإن كان ليس هذا هو بيت القصيد، هو أن الأول كان ينصب الحواجز الدفاعية للخصوم والمهاجمين، وينجح في جعلها تصطادهم الواحد تلو الآخر، في حين أن نوال كانت متخصصة في القفز على هذه الحواجز، لا يهم نجاحها من عدمه في تخطيها دون أن تسقطها، المهم كان هو الوصول للخط النهائي أولى كي تطوق عنقها بالذهب· هذه الحواجز ظلت تلاحق الإثنين في حياتهما، بعد نهاية الممارسة، ففي الوقت الذي وضع تورام عضو المجلس الأعلى للإدماج منذ 2002 بينه وبين العمل السياسي غير النبيل، كما قال حواجز عالية ورفضه لبس أكثر من لون حزبي تكفل له منصبا وزاريا رفيعا، واصلت نوال لغة القفز على الحواجز، فانخرطت في العمل الحزبي عبر إطار لبس اللون وليس النضال كما قال به تورام في جلسة الصراحة والوضوح مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: >من الطبيعي أن أرفض العمل الحزبي لأنه لدي نظرة خاصة للموضوع، فأنا أعتبر السياسة عملا نبيلا<· الفرق بين تورام ونوال أيضا هو أن الأول بنى مجده عبر إطار دول المعسكر الشرقي سابقا، لأن الدولي الفرنسي صنع إليادة النصر لتاريخية وإسمه مع العمالقة عبر هزم إحدى أقوى ممثلي المدرسة الشرقية في مونديال 1998 وهو المنتخب الكرواتي بعد تسجيله لهدفين عالميين في نصف النهائي وبلوغ فرنسا المحطة النهائية التي غاب عنها لحصوله على إنذارين، في حين نوال أيضا صنعت مجدها على حساب ممثلي أوروبا الشرقية وهذه المرة بغيابهم عن فعاليات أولمبياد لوس أنجلس بعد المقاطعة الشهيرة والتي جعلتها ملكة زمانها· وأخيرا ما يجعل بون الفرق شاسع ومتسع بين ليليام تورام والسيدة نوال المتوكل، هو أن الأول تعهد إذا ما أسعفه الوضع في أن يلغي عن ساكنة الأحياء الهامشية كل مركبات النقص التي تشعر بها، عبر توفير منشآت رياضية في المستوى وتليق بساكنتها، في حين أنه في الولاية الوزارية الحالية لنوال تَمتَ استهلاك كلامي وخطاب النشوة بالإنجاز المتمثل في تشييد المركب الرياضي بسيدي مومن ليس بمبدأ تقريب "الملاعب من المواطن" ، ولكن وفق نسق >تصدير الشغب للمواطن" بعيدا عن سطاد دونور والمدار الحضري· وأيضا تورام رفض الإستوزار لغياب الوازع الأخلاقي النبيل، رغم أن جلسة مركزة جمعته بساركوزي ودامت 5 ساعات وبحضور سكرتير الإليزيه كلود جليون، لأنه باختصار الدولي الفرنسي السابق أراد الإنتصار لمبادئه ، حيث قال أن خلافات عميقة في وجهات النظر بينه وبين إستراتيجية عمل ساركوزي وبعض وزرائه تمنعه من قبول المهمة، وأضاف تورام الذي كان ذات يوم أشد المعارضين لبعض الأفكار العنصرية لوزارة داخلية ساركوزي بتشديد الخناق على المهاجرين لجريدة لوموند: >المجال السياسي مجال نبيل، لابد من تعلم بعض الأشياء وتوسيع علاقاتي الشخصية مع بعض الجهات والأقطاب بما يخدم أبناء الشعب ككل، لأني أعتبر المنصب أداة وليس وسيلة<·· هذه الجملة الأخيرة كانت مؤثرة ورفعت من شعبية تورام وجعلته نجما للأغلفة والمجلات الفرنسية برفض ناذرا ما يحدث لتقلد منصب وزاري يفتح ولوج عالم السياسة من أوسع الأبواب، بل أن ما قاله كان معبرا وملخصا لواقع الفرق:>عالم السياسة لا يؤمن بها تصنعه الأقدام، بل بالقدرات الفكرية والملكات العقلية وأنا لست مستعدا الآن<· هذا عن تورام الذي فضل مواصلة الإنخراط في العمل الإنساني على إغراء الوزارة، أما عند غيره فإن الأولوية لما صنعته الأقدام ذات يوم وليس الأقلام، وذلك هو حقيقة الفرق لو تفهمون·