عندما ينتهي موسم المغرب الفاسي إلى ما إنتهى إليه من أرقام ومعطيات وحوادث منها ما هو عرضي ومنها ما هو حتمي، يكون ضروريا أن نسأل عن طبيعة التغيير الذي جاء به الشاب مروان بناني، وأيضا عن حقيقة الرهانات الكبرى التي بشر بها وهو يأخذ بيد فريق عاش كل سنواته الأخيرة مظلوما من الأهل ومن ذوي القربى، ومذبوحا في كثير من آماله وأحلامه. ما زلت أذكر أول يوم تحدثت فيه إلى مروان بناني، كان ذلك بعد أيام فقط من إنتخابه رئيسا لفريق المغرب الفاسي، وقد وقع على إلتزام أدبي بإحداث ثورة نمطية داخل المغرب الفاسي، لمست من لهجته وحماسته وأيضا من إحتكامه بالمطلق لمنطق الأرقام، ما يقول أن بهذا الشاب سعارا لكسب الرهان، رهان تحويل فريق المغرب الفاسي إلى منظومة كروية قائمة بذاتها، هي من وحي مناخ وفكر وأصالة وعراقة مدينة مثل فاس. صدقا لم أنتبه لما تفوه به مروان بناني في سياق التدليل على جرأته وصدقيته وبنيته في طرد الفقر عن فريق يحسب من الأثرياء، بخاصة عندما قادته فراسة البعض وهي فراسة لم تتأسس على منطق تحليل الفوارق، إلى الجهر بصفقة «فلكية» تقضي بجلب نجوم إتحاد الخميسات الثلاثة بمقابل قيل أنه ناهز المليار، وحرصت أن أكون يوم تحدثت إليه أمينا في إيصال رسالة صغيرة، تقول بأن أكبر معركة يمكن أن يخوضها مروان بناني وهو في مقتبل عمره التسييري، هي معركة عصرنة وتحديث فريق المغرب الفاسي، بما يسرع أولا وثيرة إنتقاله إلى إطار المقاولة الرياضية وبما يؤهله ثانيا لأن يتمثل جيدا مرجعيته وأيضا حضوره داخل قطب كروي وطني كبير.. كان المغرب الفاسي يحتاج في العمق إلى رؤية أولا وإلى فكر ثانيا وإلى جرأة ثالثا، لبناء فريق على قاعدة قوية، وليس هناك بالقطع ما يقول بأن فاس مشتل كبير تنتحر فيه المواهب بشكل سافر.. كان المغرب الفاسي يحتاج إلى إدارة وإلى فريق عمل وأيضا إلى تجانس كبير بين مكونات العائلة، حتى تنجح معركة التغيير، وتمنيت صادقا لو أن هناك فعلا من صرف مروان بناني عن فكرة إنتداب ثلاثة لاعبين بتلك القيمة المالية المبالغ فيها.. وحرضه على إستثمار ذاك المليار في بناء قاعدة أي عمل، قاعدة الثقة وقاعدة الإنطلاق من أساسات الهرم الكروي، لأن ما فعله بناني وهو مستورد من واقع كروي غير واقعنا، لا علاقة موضوعية توجد بينهما، هو أنه رفع سومة لاعبين عاديين في بورصة قيم لا تحتمل تلك الصفقات «الفلكية» بمنظورنا نحن، ثم إنه ضرب بالأساس عمق الثورة التي جاء من أجلها، وما علينا اليوم إلا أن نزن بميزان العقل المجرد من كل عاطفة مقدار الثقة، لنجد أنها ضعفت بل وتقوض صرحها، بعد أن أنهى فريق المغرب الفاسي موسمه في مرتبة لا تتناسب مع الأموال المرصودة والوعود المقدمة، وبعد أن إنتهى به الأمر إلى حال أشبه ما يكون بالكارثي، مجسدا في لاعبين ومؤطرين لم يتسلموا بالكامل رواتبهم الشهرية ومستحقاتهم وأشطرا من منح التوقيع، ومجسدا أيضا في موسم عاصفي عاشه الفريق على إيقاع إضرابات كثيرها إما أجهض وإما جرى تطويقه.. ولأنني على ثقة من أنها تجربة عاشها مروان بناني بمكابدتها ومرارتها ودروسها أيضا، وهو أعلم اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن قوة هذه التجربة في أنه عاشها ولم يسمع عنها فقط، فإن هناك حاجة ماسة إذا ما كان مروان بناني ثابثا على حلمه وجرأته وإصراره في ربح المعركة التي بشر بها، إلى قراءة متأنية لكل هذا الذي حدث، والتأني في القراءة هو إلغاء لأي تطرف من أية طبيعة، فلا تحاكم التجربة على أن أخطاءها من صنع الآخرين أو من صنع المحيط فقط، بل على أن أخطاءها هي في التعامل مع الذات ومع الفريق.. ربما كان مروان بناني يحتاج إلى موسم بكل هذه الدروس القوية والعميقة والمستفادة ليوجه أشرعة مركب الحلم فتستفيد من حركة الرياح لا أن تعاكسها، لذا فإنه من الضروري أن يأخذ مروان بناني كل المعطيات بفكر رجل المقاولة ويحللها ويستثمرها في بناء المرحلة القادمة والتي يجب أن تتأسس على وضوح الرؤية وسلامة المنهج والصدقية أكثر في التعامل مع كرة قدم من طبيعتها أنها لا تستقر على حال، ويكون ضروريا بل ولزاما كشرط للإستفادة وللإستمرار أن يحفظ الثقة من كل ما يزلزلها وينسفها، فالمقاولة الرياضية التي يحلم بها مروان بناني أساسها الثقة، فإن ذهبت هذه الثقة ذهب الحلم كله. أرجو أن يكون مروان بناني قد فهم القصد، فهو بنسبة عالية من الذكاء ليتوصل بالعقل إلى التفريق بين من يوسوس له بضرب قيم الإلتزام مع النفس ومع اللاعبين والمؤطرين ومع الجماهير أيضا إنتصارا لمصلحة لا أرى لها تعريفا، وبين من يدفعه إلى الإلتزام بالإعتدال في محاكمة الأشياء وفي التدرج كأساس لربح معركة التغيير. ------------------- تعودنا أن تكون جموع الرجاء البيضاوي بخاصة في آخر عقدين مؤسسة على التوافق، بإعمال نوع من المداورة بين من يجب إعتبارهم أعضاء ثابتين في مجلس إدارة القلعة الخضراء. يحدث أن تأتي الجموع صاخبة وساخنة ومطبوعة بنقاش حاد، ولكن ما حدث أن حاد النقاش عن سكته المرسومة والموضوعة بإتقان من طرف أعيان الرجاء، فما أكثر ما حولت الأيام وحولت فلسفة الإشتغال أعضاء بعينهم إلى إطفائيين يخمدون كثيرا من الحرائق التي تشب بين الحين والحين، بخاصة في المواسم العجاف التي يخرج منها النسر الأخضر خالي الوفاض.. وإذا ما كان صوت نجل المرحوم وطيب الذكر عبد اللطيف السملالي قد جلجل وكسر رتابة الجموع العامة للرجاء الموسم الماضي، قبل أن يتم إحتواؤه بكثير من الدهاء بالرجوع دائما إلى ما تقتضيه مصلحة الرجاء، فإن جمع هذا الموسم يمثل بحسب رأيي حالة إستثناء كبيرة، إذ أن تقديم الشاب محمد بودريقة لترشيحه أملا في الحصول على رئاسة يراهن بها ومعها على إحداث نقلة نوعية داخل الرجاء إحدى الأضلاع الكبرى لكرة القدم الوطنية، يمكن أن يسدل الستارة على تجربة دامت عقدين من الزمان، جرى فيها التناوب بشكل ديمقراطي ومدروس على رئاسة الرجاء.. وهناك بالطبع منطق كبير في إنهاء هذه التجربة التي قامت على التداول السلمي و"الحضاري" لتدبير الرجاء، أولا لأنها إستهلكت زمنها وثانيا لأنها أنهت دورتها وثالثا لأن هناك حاجة ماسة إلى رؤية حداثية ترتقي بالرجاء تدبيرا واستثمارا وهيكلة إلى مستوى آخر، بخاصة في هذه الظرفية الدقيقة التي تتهيأ فيها كرة القدم الوطنية للخضوع كرها لإرادة التغيير القاضية بالخروج روحا ونصا من جلباب الهواية.. لن أقول أن الرفض الآني للشاب محمد بودريقة هو رفض راديكالي دعاته سلفيون يقولون بضرورة الإحتفاظ على أدبيات ومسلك السلف الصالح، ولن أقول أيضا مع الذين كانوا في عجلة من إصدار الأحكام بأن الرجاء لا تقبل وقد قضت سنوات في إضفاء روح المقاولة على منظومة تدبيرها بعودة مسير الشكارة، ولكن أقول بالإعتماد على فلسفة ومنطق التاريخ، أنه بات ضروريا أن تدخل الرجاء عهدا جديدا وزمنا جديدا بالطبع لا تسقط فيه الثوابت ولا تتم فيه التضحية بالمرجعية ولا ترمى فيه تجارب الآخرين في سلة المهملات، ولكن يستثمر كل هذا من أجل أن يتقوى حاضر الرجاء بشكل يعطيها القدرة على إستشراف المستقبل بذات القوة والمناعة وبنفس القدرة على حماية الموروث، علما بأن عالم كرة القدم لا يستطيع أن يحفظ للأندية حقها في الوجود عاليا لمجرد أن لها تاريخا وماضيا.. أرجو أن تتدبر الرجاء هذه المرحلة وهي بالغة الحساسية والدقة، لتأخذ من الإختلاف ومن التغيير ما يقويها ويزيدها مناعة.