كنت كلما ساقتني الظروف لمشاهدة بوردو الفرنسي، مدفوعا بغريزة الإستمتاع بالمغربي مروان الشماخ، إلا ووقفت بعد الإنتهاء من تلك المباريات أكانت عن البطولة الفرنسية أو الدوريات الأوروبية، إلا ويستفزني ما يكون عليه مروان الشماخ من أريحية مفرطة ومن روح جماعية مزاد فيها إلى الحد الذي يحول الشماخ، وهنا سأستعير مفردة سمعتها ذات مرة من معلق فرنسي إلى ملاك، بينما يفرض وجوده في مركز قناص أو رأس حربة أو مهاجم محوري أن يكون ولو لمرة أنانيا في تعامله مع كرات تأتيه في العمق الهجومي· وكلما جاء مروان الشماخ ليلعب للفريق الوطني إلا واستنسخ ذات الأداء وذات الفكر التكتيكي، حتى أنه في كثير من المباريات يضحي بنفسه من أجل الآخرين، يصبح شمعة تحترق لتضيء الطريق لزملائه، يرتقي عاليا، يصارع أمواجا بشرية، ينحث في صخر دفاعي، كل هذا وفي غالب الأحيان من أجل أن يهيء فرصة هدف لزملائه· وبرغم كل الذي يقدره مدربون تعاقبوا على مروان الشماخ، من إيثار ينفرد دونا عن كل المهاجمين في إظهاره، وهو صفة ملازمة لشخصيته، فإنني سمعت أكثر من عتاب يوجه إليه، بل هناك مدربون طبعوا حديثهم للشماخ بالصرامة، بالوعيد وأحيانا بالتهديد، ولو أنهم في قرارة أنفسهم يعتبرون إيثار مروان الشماخ، ودرجة الصفر التي يصلها في التعبير عن الأنانية شرا لابد منه· قطعا لا يمكن أن نتصور مروان الشماخ غير الذي نعرفه اليوم، أو حتى إن تغير فيه شيء، فما أظن أن ذلك سيصل إلى قلبه رأسا على عقب، ولكن تأخذنا بعض الحسرة مما نشاهده، فمروان يستطيع بلمسة فنية أن يكون رجلا آخر، أن يكون الهداف الأنطولوجي الذي نبحث عنه، إذ يكفي أن يأخذ بعضا من أنانية ليونيل ميسي مثلا في الإيمان بالقدرات الفردية عند مواجهة المرمى، ليكون بذات مقاس الكاميروني صامويل إيطو، أو الإيفواري ديديي دروغبا أو الطوغولي إيمانويل أديبايور، أو المالي فرديريك كانوطي· هذا الصخب في التعبير عن الرفض لما يأتي به مروان من إيثار زائد عن الحد، أظهره مدربه لوران بلان نجم المنتخب الفرنسي السابق في آخر مباراة أجراها بوردو أمام لوريون عن الدوري الفرنسي، وقد أعقبت الخروج الحزين من كأس الإتحاد الأوروبي بعد الهزيمة >الدرامية< بتركيا أمام غلطة سراي، في مباراة شهدت أداء رائعا للشماخ· في مباراة لوريون، وبخاصة عندما انتصفت من دون أن يسجل بوردو أي هدف، وفي مستودع الملابس، جذب لوران بلان إليه مهاجمه الشماخ وقال له بلهجة قاسية: >كن أكثر أنانية، فكر أكثر في نفسك، إن واجهت المرمى لا تتردد، لا ترى أحدا أو شيئا غير الشباك والكرة التي في رجلك··<· من عادة مروان أن يسمع مثل هذا الكلام، ولكنه كلما دخل الملعب إلا وهيمنت عليه طبيعته وأريحيته، إلا أنه هذه المرة، أسكن كلمات لوران بلان في أذنه، فقد كانت بلكنة قوية، ومن حسن الطالع أن مروان دخل الجولة الثانية، وفي أقل من أربع دقائق كان مروان وقد أعمل بعضا من الأنانية >المستوردة< قد نجح في التوقيع على هدف بوردو الوحيد الذي أعطاه ثلاث نقط، وأتاح أمامه فرصة المنافسة على اللقب· وقد وجدت ما يمكن أن يكون قد تغير في شخصية مروان الشماخ وبالخصوص في أسلوب لعبه، في الذي جاءت به الصحافة الفرنسية في أعقاب المباراة، إذ أعاد لوران بلان التأكيد على أن مروان بحاجة إلى لمسة من الأنانية ليخفف من وطأة الإيثار الذي يزيد كثيرا عن حده، فقد قال: >إنه في الملعب كما في الحياة، أريحي، معطاء، لا يفكر في نفسه أكثر ما يفكر في الآخرين، لذلك نجده لا يكافأ كثيرا بالقدر الطبيعي على العمل الكبير الذي ينجزه، صحيح أن ذلك يفيد الفريق، ولكن بإمكان الفريق أن يستفيد أكثر لو أن مروان الشماخ تغير في الإتجاه الذي يزيد من جرعة الأنانية، التي يحتاجها الهدافون بمقدار ليكونوا في دروة العطاء··<· السعادة التي استشعرها لوران بلان في نهاية المباراة بعد الهدف الذي سجله مروان وكان الثامن له هذا الموسم في البطولة الفرنسية، علما بأنه صاحب خمس تمريرات حاسمة، هي ذاتها السعادة التي عبر عنها مروان، بخاصة عندما وجد مدربه يدعوه إلى التفكير أكثر في نفسه· >لوران تحدث إلي مباشرة ودعاني لأن أفكر أكثر في ذاتي، أن أسدد أكثر باتجاه مرمى الخصم، قال لي كل هذا بوضوح، وقد ترسخ كله في رأسي، كدليل قررت أن أسدد أول كرة أتوصل بها مع بداية الشوط الثاني من دون أن أطرح على نفسي أي سؤال، وفعلت، ودخلت الكرة المرمى، وكان الهدف الذي منحنا الفوز على لوريون··<· من الأوجه الإنسانية الفريدة في شخصية مروان الشماخ، دماثة خلقه وترفعه كثيرا عن الحديث عن نفسه، إلا أنه وهو يسجل ثالث هدف في آخر أربع مباريات مع بوردو، يشعر أنه حصل على جرعة من الحظ، وطبعا تمنى أن تستمر معه·· ليست جرعة حظ بالمعنى الضيق للمتداول كتعبير، ولكنها إشارة قوية على أن مروان الشماخ إستوعب الدرس، وتفطن إلى حقيقة غيبها تواضعه وإيثاره وأريحيته، حقيقة أنه ملزم بإعمال بعض من الأنانية مهما كانت غريبة عن شخصه، ليصبح بطبع الأشياء وحتمية المؤهلات، الهداف الذي يسمع له صوت وصدى· ربما كان ضروريا أن يعرج مروان في هذه السن بالذات نحو الضفة التي كانت دائما محرمة في جغرافية تفكيره، ليطرق أبواب أندية ألمعية كبيرة، أكبر بكثير من بوردو التي أعطاها كل ما تستحقها منه، فهو ليس أقل في الموهبة والقدرة على الإبداع والتهديف من إيطو أو دروغبا أو كانوطي أو أديبايور ليحلق صوب الأندية الكبيرة· وأتصور أيضا أن مروان الشماخ إختار توقيتا استراتيجيا ليعرج على فضاء جديد، ويكشف أخيرا عن الوجه الذي نريده منه، فالفريق الوطني بحاجة إلى الشماخ الجديد في ظرفية دقيقة، بشرط أن يكون روجي لومير المدرب والناخب الوطني بذات الجسارة التي كان عليها لوران بلان في تحريض مروان على أن يخرج من جلبابه القديم··