موسم كروي آخر طوى صفحته، وموسم آخر يشبه الذي مضى، وواقع الحال يقول بأنه لا شيء تغير اللهم بعض النفحات وبعض الروتوشات التي تؤكد أن هناك إرتقاء نسبيا وتطورا ملحوظا ، لكنه لم يرق للدرجة التي من خلالها يمكن الجزم بأن الإحتراف هو على بعد خطوة منا. الوداد بعد فاصل رعب حقيقي يتوج بطلا والرجاء أضاع الدرع لسوء تقدير بمسؤولية جماعية، والجيش في أسوإ مواسمه على الإطلاق أنقذ نهايته بفوز شكلي على الرجاء، في وقت ظل حال المدربين هو ذات الحال يتراقصون في مراكزهم وكأنهم داسو على ميثاق الشرف وآثروا مبدأ النفعية أما التحكيم فتلك قصة أخرى. حتى وإن إبتسمت الدورة الأخيرة في وجه البطل منصفة وإياه بعد مخاض عسير وشاق، وبعد طول حبس للأنفاس، فإن الأرقام وضآلة العداد التنقيطي (54 نقطة) يعكس أن البطولة هي من بحثت على الوداد، هي من فتحت أحضانها للعناق به، لأنه ذات الأرقام تقول أن الوداد لم يكن الأفضل هجوما (36 هدفا)، ولم يكن الأفضل دفاعا (22 هدفا)، ولم يكن الأقل خسارة (6 هزائم)، بل كان الأكثر فوزا (15 مباراة). الوداد وبعد بداية طيبة، عاد ليتوارى وليضيع سيلا من النقاط، فوزان متتاليان مع الإنطلاقة واقتراب من تحصيل لقب الخريف قبل أن يسلم الشاهد للدفاع الجديدي في اللقاء المذكور في المحطة الختامية لدورة الذهاب. لقب الوداد في النسخة 54 اعتبر مستحقا قياسا بنضال الفارس الأحمر وكفاحه المرير إن جاز التعبير في سبيل إدراك هذا الوشاح برغم أنه كان مؤهلا في العديد الدورات لحسم كل شيء مبكرا قبل أن يدخل مرحلة فراغ طالت وأكرهته تضييع الكثير من الوقت والجهد في صدامات داخلية جوفاء لم يكن لها من داع. واعتبرت محطة الديربي مفصلية وحاسمة في تغيير خارطة طريق البطل، إذ أنها ربما من الحالات التي تنطبق عليها مقولة رب ضارة نافعة، وذلك بحكم تنحي الزاكي بادو جانبا وتركه زمام الأمور لفخر الدين لما فيه مصلحة الفريق وبرغم أن البعض باع جلد الفارس الودادي خلال المحطة رقم 27، حين خسر ضد المغرب التطواني، إلا أن ما حصل بعدها كان أشبه بالمعجزة فوزان وتعادل وخدمة على الجاهز قدمها الفارس الفوسفاطي ومعه الجيش الملكي على وجه التحديد حين استطاعا الفريقان على التوالي تقليم أظافر الرجاء المتصدر الجديد حينها ومسح 6 نقاط من رصيده ومنح أفضلية نسبية للوداد، ولتكون الخاتمة السعيدة ملح أو فاكهة الموسم بالنسبة للقلعة الحمراء، لأن حلاوة الإنجاز وجدت صداها من خلال صعوبة التتويج من خلال مرارة التحصيل والمعاناة الكبيرة وليكون اللقب رقم 12 بمثابة بلسم لكل الجراح ودواء كل الأسقام المزمنة التي طالت جسده. لم يعجب الرجاويين لقب الوصيف وتحصيل مرتبة ثانية لها شأنها في ميزان الشرف وتقديرات النقاد، كما لم يعجب المريدين لشأن قلعة الألقاب والكؤوس ولرجاء الشعب أن يتخلى البطل بتلك الطريقة عن التاج الذي حمله الموسم الماضي. صحيح أن الدفاع الجديدي والوداد هما من تناوبا على الصدارة، هما من تحملا ثقل وهم الريادة قبل أن تنقض عليه الرجاء في الجولة 26 عقب الديربي الشهير وصمدت لدورتين فقط رائدة قبل أن تسلم المشعل للوداد، وهو ما يعني أن النسور لم يجاهدوا بما فيه الكفاية كي يبلغوا النجمة العاشرة، وأنه قياسا بالشكل والشاكلة يظل لقب الوصيف مشرفا ومغريا وجذابا، إلا أنه من يعرف فلسفة الخضراء، من يعرف حقيقة الأمور داخل البيت العريق، يصل لحقيقة واحدة وهي أنه لا عزاء للنسور ما لم يوشحوا أعناقهم بميداليات الإستحقاق. بدأ الرجاء موسمه وهو يحمل صفة البطل، حقق زواجا تاريخيا مع مدرسة برازيلية جسدها لاعب الوسط موزير وبعد أربع دورات تم تسريحه وفي قلب الكاريوكا البرازيلي غصة الإقالة وهو الذي لم يخسر يومها، وقيل أن البرتغالي جوزي روماو وهو البلسم وهو الدواء وهو المالك لمفاتيح البطولة والعارف بأسرارها والقادر على إصلاح حال القلعة وربح رهان الثانية على التوالي، لكن أن يتعادل فريق ما 10 مباريات أي ثلث لقاءات البطولة ويخسر في 6، ولا ينتدب لاعبين من عيار الجودة العالي ويفشل في استقطاب الكبار، فالأكيد أنه ليس مستحقا كي يكون بطلا بشهادة حتى أكثر المقربين من شأن الخضراء. الوصافة الرجاوية التي تقوده رفقة الغريم الآخر لعصبة إفريقية مجيدة لا تعترف سوى بالكبار، هو إنجاز وظاهرة من ظواهر بطولة لم تخرج عن قاعدة احترام منطق السواعد الغليظة. قطعا لا يمكن المرور عن إنجاز الكوكب المراكشي في سنته هاته كواحد من الفرسان الذين أخجلوا أصحاب السيادة الدائمين حتى وإن كان الكوكب فريق كبير وذو شأن غالي ومتعود على اللعب على واجهة البطولة في أكثر من مناسبة سابقة. برصيده الذي قل عن رصيد البطل ب 10 نقاط فقط كان من الممكن تذويبها لو لم تحن المحطات النهائية أشبال فتحي جمال وبشكل يمكن القول على أنه مقنع بدليل حضور جماهير فارس النخيل وبأعداد قياسية في ملعب الحارثي الذي هجروه في السابق. يكون الكوكب أحد فواكه البطولة والرقم الذي خلخل المعادلات وقلب الحسابات والتوازنات وطرح إسمه بمداد ذهبي أرجعه لواجهة الأحداث بلغة التميز. ويأتي الدفاع الجديدي بدرجة أقل رغم أنه احتل المركز الثالث ونافس الوداد على اللقب خلف الكوكب من حيث الألمعية والسبب هو أن الفارس الدكالي انتكس ولم يتطور، تراجع ولم يتقدم، وعاد ليخسر مرتبة بعد وصافة الموسم الماضي. أما بقية الكبار فقد تنوعت أدوارهم ومنهم من رضي بدور الكومبارس ولم يحقق لا الأهداف ولا الغايات، أولهم الجيش الملكي الذي سنأتي لذكره، مرورا بالمغرب الفاسي الذي تم تقديمه خلال بداية البطولة كأحد الفرسان المراهن عليه لإحداث رجة عملاقة ويقلب الطاولة على الجميع، وهو ما لم يفي به، في وقت تذبذ إيقاع وأداء أولمبيك خريبكة، فغابت سطوته السابقة وتضاءلت أسهم فريق مؤسس على هيكلة مضبوطة إداريا ولوجستيكيا، ولولا صحوته الأخيرة لاعتبر موسمه كارثيا، ولأن حسنية أكادير من الفرق التي سبق لها التتويج بقلب البطولة، فإنه وبمرتبته السادسة ونتائجه بعد ذهاب هدافه جيرارد يمكن اعتباره أيضا واحدا من وجوه الكومبارس الذين لم يحققوا المطلوب منهم وإرضاء جماهير علقت عليهم أكثر مما تحقق على أرض الواقع. لا يمكن أيضا المرور عما تحصل عليه الجيش الملكي كواحد من القلاع الحصنية، كواحد من الأندية ذات الشأن والباع الطويل في تاريخ كرة القدم الوطنية، سيما وأن العساكر و6 جولات قبل الحسم لم يكونوا قد اطمأنوا بعد على مصيرهم وعلى حضورهم بين الكبار.. الجيش الملكي وبعد بداية مرتعشة رفقة ماوس وشبح تهديفي غادر وغريب، سيتوصل لحقيقة ضياع الوقت وتضييع الفرص إن هو أبقى على المدرب البلجيكي ربانا له، وهو ما جعله يكره على خيار غير مسبوق في تاريخه بإقالته وإسناد الأمور للإطار الوطني عزيز العامري الذي نجح في تثبيت أقدامه وإرجاع هوية الجيش المفتقدة، هوية فريق استطاع أن يتوج في عرف أنصاره بطلا في آخر دورة وهو يهزم الرجاء دون أن يعني هذا شيئا في ميزان التاريخ والإحصاءات، لأن المرتبة السابعة ب 40 نقطة هي أسوأ حصيلة للفريق في العقد الماضي الذي وللتذكير فقط توج من خلاله الجيش ب 7 ألقاب مختلفة. وغير بعيد عن الجيش، وفي الضفة الثانية من العدوة المقابلة عاشت سلا كآبة فوق الوصف وغبنا لن تمحوه السنون ما لم يستقم وضع قرصان اعتبر ضحية أكثر من شخص وضحية أكثر من اختيار. ضاعت جمعية سلا، فأضاعت تاريخها وأضاعت نجمية لاعبين يساوون الذهب اليوم في سوق الإنتقالات، ضاعت جمعية سلا بسقوطها للقسم الثاني وهي تضع رأس مال مدينة بأكملها تحت مقصة المهانة وذل التاريخ. وليكون نزول هذا الفريق وبذلك الشكل الساذج والمفضوح واحد من ظواهر بطولة بدأتها الجمعية بإيقاع راعد وبإيقاع ضاغط حملها لأعلى الترشيحات قبل أن تهوى لأسفل السافلين. أن يتعاقب على الأندية الستة عشر أكثر من 30 مدربا فهذا مؤشر على حالة التخبط والفوضى، وأن تحافظ 3 أندية فقط على ربابنتها فهذا أيضا علامة من علامات الإفلاس التقني المهول والمريب في ذات الوقت. وباستثناء أولمبيك خريبكة رفقة المريني، الكوكب مع جمال والفتح مع عموتا وكلهم أطر وطنية شكلت الوحدة التي لا يقاس عليها، فإن جميع الثلاثة عشر الباقون غيروا جلدهم وحكموا على أصحاب التكتيك بحزم الحقائب. وحدهما مدربان أجنبيان من أصل الستة الذين بدأوا والذين حلوا بعدهم هم من استطاعوا الصمود وإكمال المغامرة، فيلوني بالكاك، وروماو بالرجاء، أما بقية أصحاب الجواز الأحمر فلم يكتب لهم التاريخ طول مقام في بطولة لا تعترف بالقادم من الضفة الأخرى ما لم يقدم ضمانات الجودة. حتى الزاكي رحل وترجل عن صهوة الوداد وحتى فاخر رقص مرتين واحد بفاس والثانية بنطوان، ما يعني أنه حتى من مر محراب الأسود لم يسلم من آفة الهجر، ومقابل هذه الظاهرة حضرت ظاهرة حفاظ الصاعدين الجديدين على مكانهما مع الصفوة ولو باختلاف الحال بين وداد فاسي قادته كاريزما وجهود رئيسه السبتي ونضاله الدؤوب بإمكانات ذاتية لضمان مكانه مبكرا قبل أن يضمنه فريق رئيس الجامعة علي الفاسي الفهري في الجولة النهائية ولو مع ما رافق هذه الحالة من بوليميك. استطاع الوداد الفاسي الإستفادة من فترة إعداد للمدرب نور الدين حراف وظهرت ثمارها في نهاية المطاف بعد أن أكمل طاليب بذات التوفق والنجاح وما بدأه سلفه وظهر فريق العاصمة العلمية بصورة مثالية جعلته أحد ظواهر الأداء الجميل والسلس والمطلوب، في وقت تعذب عموتا والفتح برغم الإعتمادات المرصودة بشريا وماديا ونجى من المصعد الإعتيادي. لم يخل التحكيم من انتقادات ومن مشاهد منها من اقترب من درجة العادي ومنها من تجاوز هذا الإطار بقليل، وباعتبار إسناد العديد من المحطات الحامية الوطيس لوجوه جديدة لم تكتسب تجربة سابقة، فإنه كان من المتوقع أن تكون هناك فلتات أو انفلاتات، خاصة في المباريات ذات الطبيعة الحساسة والمباريات الملغومة، قبل أن يدخل أصحاب الراية على خط الخروج عن النص وشكلوا مظهرا شاذا رفقة قضاة غاب العدل عن ميزان أدائهم في العديد من الدورات، ولئن كان منير الرحماني في لقاء الخميسات واحد من صور الفوضى والإحتياج التي اقتضت من رئيس الفريق الكرتيلي عقد ندوة صحفية لتشخيص حالاته، فإنه من الرويسي للضحيك، العاشيري فالحرش، الباعمراني واليعقوبي، وعبر كل لقاءات كان هنا الصخب والضجيج دون أن يلغي هذا أن الحكام أبلوا بلاء حسنا، قدموا صورة طيبة وأكدوا أن الخلف قائم وموجود ولا خوف على قضاة الميدان. إستطاع الباعمراني التأكيد مثلا على أنه بحق واحد من الوجوه التي ضاع المغرب في حملها شارة الدولية بما أبرزه من حنكة وحكمة وبرودة دم في التعاطي مع أشد اللقاءات سخونة وبما أكد خلال الديربي ولقاءات وازنة وحساسة بالبطولة، ومعه الوجه الثاني عبد الله الضحيك، فالثالث الحرش دون إغفال الرويسي المثقل بالتجارب والذي استطاع التأكيد على أنه أصبح مختصا في ترك الأعاصير تمر ويدير لها ظهره ليخرج باللقاءات لبر الأمان. أيضا لا يمكن المرور على ظاهرة الإحتفالية بالمدرجات والتباري الشريف بين جمعيات الأنصار والمحبين، وبين كل الفصائل المشجعة لكبريات الفر وصغيرها في سبيل تقديم صورة حضارية، صورة شعب عاشق للعبة، وجمهور مستعد لركوب أقصى تمظهرات وتجليات الإبداع ما حضرت النوايا والبلاطوهات المثيرة. التيفوهات العجيبة، التصاميم الإبداعية، سوريالية المدرجات في تماوج أخاذ وجذاب، مظهر ورسالة موجهة من جماهير كل الأندية، من الأقطاب الكلاسيكية والسواعد المتوسطة للجامعة للتعامل مع هذه الشريحة باحترام، مع هذا الجنس والكائن المسمى جمهورا بنوع من المسؤولية وتوفير ظروف المشاهدة والمتابعة الإحترافية.. هكذا مرت النسخة 54 وخلالها كان التطلع لترك الهواية وملامسة احتراف رصدت له آليات ضخمة، لكن تأهيل العقول، تأهيل المسير وطرد شرذمة المتسلطين وتأهيل للأندية بوعاءات عقارية محترمة قبل تأهيل أي شيء آخر، هواية لازالت تراوح مكانها ووداد بطل لنسخة هاوية أخرى في انتظار الإحتراف الحقيقي، الإحتراف الشامل والمردودي.