بدأ المخرج جياني إينفانتينو ينسج خيوط مسرحيته المقبلة، بالتواطئ مع مسرح الفيفا الذي لا يمل من بث عروضه المسرحية والسينمائية المخزية، بأبطال وممثلين مختلفين لكن بنفس الحبكة والسيناريو والمبتغى. نحن المغاربة أصبحنا نشكل الإستثناء بين جميع دول العالم، لأننا جزء من هذه المسرحيات التي نعتبر من بين أحداثها، وأيضا لأننا ضحيتها ونتفرج عليها، لكن دون أن نستفيد من الدروس أو ننسحب بعزة، أو نقدر على فضح ما يُعرض من قبل هذه الإمبراطورية الديكتاتورية. الفيفا لم تتأخر كثيرا وشرعت في إعداد ممثليها لفيلم مونديال 2030، وبدأت رحلتها من أوروبا ب«كاستينغ» وهمي تجس فيه النبض، وتغري بعض الدول بإمكانية قدرتها على إستضافة كأس العالم بعد نسخة أمريكا الشمالية، وهي التي ألّفت مسبقا الشريط المقبل وحددت ملامح البطل، لكنها تبحث له عن ضحايا وضيوف شرف وطريقة يخرج منها رابحا للمعركة المُرتبة. وسائل إعلام إسبانية قالت الأسبوع الماضي أن إسبانيا إقتُرح عليها من قبل الفيفا التقدم بملف مشترك لإحتضان مونديال 2030، وطُلب منها أن تكون مؤازرة من الجارين الغربي البرتغال والجنوبي المغرب، لكنها تحفظت قليلا وأعطت الأولوية للتنظيم الأوحادي قبل المشترك، هذا إن وافقت طبعا على التقدم بملف ترشيح. ما قيل في الواجهة وما نشرته بعض المنابر أن إستقبال رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ورئيس جامعة الكرة المحلي لويس روبياليس لرئيس الفيفا إينفانتينو جاء لتدارس إمكانية تنظيم كأس العالم 2030، لكن الحقيقة الخفية هي تحركات إسبانيا في الآونة الأخيرة لتوطيد علاقاتها مع الفيفا واليويفا، وخدمة أجندتها للعودة بقوة للساحة القارية والدولية كبلد تظاهرات ومسابقات ومؤتمرات كروية ورياضية. إسبانيا لا تعرف معنى العاطفة ولن تقول للمغرب مرحبا لتشاركه تنظيم أكبر مسابقة، وإنما تبحث عن الربح الفردي والأوروبي، وتخشى المس بصورتها ولا تنجذب للمغامرة مع بلد إفريقي، وهو ما كشفت عنه صحف فرنسية ذكرت بأن إسبانيا تريد تنظيم الأورو أولا وليس المونديال، وأنها تضغط وتحاول إستضافة أورو 2028 بعد رجوع التنظيم الأوحادي، وتضع كأس العالم 2030 كخطة بديلة، مع إعطائها الأسبقية لأجندتها لكي تكون مستضيفة وحيدة، قبل التفكير في البرتغال كحل أول والمغرب كحلٍ ثان. وعودة للسيناريو المحبوك من طرف الفيفا فهو السير نحو منح المونديال لأمريكا اللاتينية بمناسبة الذكرى المئوية، فالأوروغواي التي إستضافت أول دورة سنة 1930 ستعود بنسبة كبيرة جدا لتنظيم المونديال بعد قرن، وهذه المرة سترافقها الأرجنتين والشيلي أو كولومبيا، ولا هامش للمناورة وتكسير المداورة بين القارات، ونسفِ مخططات الإتحاد الدولي الذي صرح العديد من مسؤوليه سابقا بأن الإحتفال وعرس المئوية سيكون بمهد البطولة. وحتى في حال شعرت الفيفا بالتهديد الأوروبي وواجهت حملة جماعية من دول القارة العجوز لتعود إليها الكأس بعد الجولة الأمريكية، فإن المرشح الأكبر للإحتضان هو إنجلترا التي تضغط وتشن حملة رهيبة على إينفانتينو وجهازه الوصي، وتطالب بسحب التنظيم من قطر 2022 ومنحه إليها. ولأن الطلب مستبعد فالمسؤول الماكر وفريقه قد يرضخون للضغوطات ويلجؤون لإرضاء الإنجليز كخيار ثانٍ بعد أمريكا اللاتينية عام 2030، فيما رؤية الكأس الذهبية في محور المغرب وإسبانيا والبرتغال أشبه بالكذبة التي يمكن أن نصدقها. الفيفا تنافق ورئيسها يبتسم للجميع ويخفي السم لضحاياه، ونحن نواصل بإصرار و«نية الأبرياء» الرغبة في تنظيم كأس العالم رغم الصفعات والإنكسارات والتحالفات المتكررة التي نتعرض لها، وأخشى جدا أن نسقط في الفخ مجددا ونصدق بسذاجة أن الفيفا ستحقق حلمها في مئوية المونديال، لكن للإبقاء على الأمل، قد نتفاءل قليلا بإحتضان نسخة 2034، على الأقل نكون قد صدقنا مع أنفسنا وتعلمنا الدروس، وأنجرنا ولو نصف المشاريع الضخمة التي قدمناها للجنة «تاسك فورس» كمجسمات في رسومات.