قد يكون ما خرج به غاري نيفيل أبرز انعكاس لما عاشه عشاق كرة القدم في مونديال روسيا. غرد الدولي الانكليزي السابق قائلا "هذه الدورة من بين الأفضل التي شاهدتها على الإطلاق، روسيا تنظم المونديال على أعلى مستوى...". كانت نهائيات النسخة ال21 التي اختتم دورها ثمن النهائي الثلاثاء، على موعد مع كل شيء: من إثارة الى مفاجآت وأهداف بالجملة (العديد منها في الثواني القاتلة)، وصولا الى الاحتفالات المتواصلة للبلد المضيف الذي خالف التوقعات ببلوغه ربع النهائي على حساب المنتخب الإسباني الذي كان من أبرز المرشحين للفوز باللقب. ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو والكرات الذهبية العشر التي تشاركاها في الأعوام العشرة الأخيرة أصبحوا خارج النهائيات بخسارة الأرجنتين والبرتغال في ثمن النهائي أمام فرنسا (3-4) والأوروغواي (1-2) تواليا. كانت النهائيات على موعد مع مفاجأة مدوية قبل الأدوار الاقصائية حتى، بتنازل المنتخب الألماني عن اللقب الذي أحرزه قبل أربعة أعوام، بخسارته في مباراته الأخيرة في دور المجموعات أمام... كوريا الجنوبية صفر-2. خروج ميسي (31 عاما) ورونالدو (33 عاما) لم يترك فراغا في النهائيات، بصعود نجم لاعب لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره بشخص الفرنسي كيليان مبابي الذي كان سببا بخروج الأرجنتين من ثمن النهائي. بحسب مجريات المباراة والنتيجة النهائية التي أودت بميسي خارج كأس العالم، بدا وكأن نجم برشلونة الإسباني يمرر شعلة النجومية لجيل جديد، على غرار غريمه في ريال مدريد قائد البرتغال رونالدو الذي ودع المونديال في اليوم ذاته بالخسارة أمام إدينسون كافاني والأوروغواي (1-2). سرعة مبابي قضت على حلم ميسي بإحراز لقب أول في مسابقة كبرى مع المنتخب، وثبتت موقع فرنسا ضمن المرشحين الجديين للقب ثان في تاريخها، بعد أول على أرضها عام 1998 بقيادة زين الدين زيدان. أصبح نجم باريس سان جرمان أول لاعب شاب منذ الاسطورة البرازيلية بيليه عام 1958، يسجل هدفين على الاقل في مباراة اقصائية بالمونديال. لخصت صحيفة "صنداي تايمز" الانكليزية صراع الأجيال على العشب الأخضر: "تنح جانبا يا ميسي، لقد ولد نجم عالمي جديد في كأس العالم". اختير مبابي أفضل لاعب في المباراة التي أصبح خلالها أول لاعب في هذا العمر يسجل هدفين، منذ ثلاثية بيليه في مرمى فرنسا في نصف نهائي مونديال السويد 1958، حين كان لا يزال في السابعة عشرة من العمر. وقال مبابي "أنا سعيد جدا، هي مدعاة للاطراء ان أكون ثاني لاعب بعد بيلي، لكن علينا ان نضع الأمور في اطارها: بيلي يمثل فئة أخرى". وتلقى مبابي تهنئة من بيليه نفسه عبر "تويتر"، وتمنيات بالتوفيق في المباريات المقبلة "باستثناء ضد البرازيل!". برز لاعبون آخرون كانوا خارج الحسابات في المونديال الروسي، مثل حارس مرمى روسيا ايغور اكينفيف (32 عاما) ونظيره الكرواتي دانيال سوباشيتش (33 عاما)، بعدما صد الأول ضربتين ترجيحيتين لإسبانيا والثاني ثلاث ضربات ترجيحية للدنمارك، فكانا صاحبي انجاز التأهل لربع النهائي. نأت البرازيل بنفسها عن المفاجآت وقدمت أداء تصاعديا عزز مكانتها كأبرز المرشحين للفوز باللقب للمرة السادسة في تاريخها، كما حال نجمها نيمار الذي بدأ النهائيات بعرض متواضع أمام سويسرا (1-1)، لكن سرعان ما وضع خلفه الاصابة التي أبعدته 3 أشهر عن الملاعب، وسجل في مرمى كوستاريكا (2-صفر) ثم قاد بلاده الى ربع النهائي بالتسجيل مجددا في مرمى المكسيك (2-صفر)، دون أن يتخلى عن مبالغته في السقوط أرضا ما جعله محط انتقاد مدربين وسخرية مشجعين عبر وسائل التواصل. الاستعراض والاثارة كانا على الموعد. تجلى ذلك بأفضل صوره خلال مباراة بلجيكا واليابان في ثمن النهائي حين تقدمت الأولى بهدفين نظيفين واعتقدت أنها في طريقها الى ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخها. استفاق "الشياطين الحمر" من سباتهم في الدقائق العشرين الأخيرة، وباتوا أول منتخب يحول تخلفه في الادوار الاقصائية بفارق هدفين الى فوز خلال الوقت الأصلي منذ 1966. العام المذكور شهد تتويج انكلترا بلقبها الوحيد في كأس العالم، وهي عادت في المونديال الروسي الى ربع النهائي للمرة الأولى منذ 2006، والأهم انها تصالحت مع ضربات الترجيح للمرة الأولى في كأس العالم بعد ثلاث محاولات فاشلة، وذلك بالتغلب على كولومبيا. في 56 مباراة أقيمت حتى الآن، سجل 146 هدفا، بمعدل 2,6 هدفين في المباراة، علما ان معدل مونديال البرازيل 2014 بأكمله كان 2,67. وسيكون الدور ربع النهائي على موعد مع المزيد من الاثارة بعدما وقعت فرنسا على نفس مسار الأوروغواي التي تواجهها الجمعة في نيجني نوفغورود، والفائز منهما سيكون على موعد في نصف النهائي مع الفائز من المواجهة الأخرى المرتقبة بين البرازيلوبلجيكا. أما في القسم الثاني، فيلتقي المضيف مع كرواتيا، والسويد مع انكلترا السبت. ما يجعل النهائيات ال21 أكثر حيوية هي الاحتفالات الروسية المتواصلة مع بقاء المنتخب في مسابقة دخلها وهو الأدنى تصنيفا بين المشاركين ال 32، لكن ذلك لم يمنع رجال المدرب ستانيسلاف تشيرتشيسوف من مفاجأة العالم وبلوغ ثمن النهائي للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. تواصل الحلم الروسي بإقصاء اسبانيا ونجومها من ثمن النهائي بضربات الترجيح، وبفضل دهاء تشيرتشيسوف الذي أقفل المنافذ على أبطال 2010، ويأمل المضيف أن يواصل مفاجآته حين يلتقي كرواتيا ونجومها. والسؤال المطروح: هل سيجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه مجبرا على الحضور السبت الى مدرجات ملعب فيشت الأولمبي في سوتشي لمؤازرة لاعبيه، بعدما اقتصر حضوره حتى الآن على المباراة الافتتاحية؟