من حقنا أن نحتفل بإنجاز منتخبنا المحلي وهو ينال بأعلى درجات الإستحقاق لقب النسخة الخامسة لبطولة إفريقيا للاعبين المحليين، ومن حقنا أن نغدق على كل مكونات هذا المنتخب ما هو متاح من عبارات الثناء والتقدير، فمع ما بدا لنا جميعا من أن الأرضية تهيأت بشكل كبير لأسود البطولة للقبض لأول مرة على لقب قاري من هذه الطينة، وهي تحضر للمغرب، إلا أن المجموعة ككل تحملت في واقع الأمر ضغطا نفسيا قويا، يتمثل في أن شيئا آخر غير الفوز باللقب سيهدم صروحا ويقوض بنيانا ويصيب البطولة الإحترافية بداء فقدان الأمل في المستقبل. نسعد باللقب القاري، لأنه تلا إنجازين كبيرين إنتهت بهما سنة 2017، إنجاز الوصول لأول مرة منذ 20 سنة إلى نهائيات كأس العالم وانضمام أسود الأطلس لنخبة أفضل خمسة منتخبات في القارة الإفريقية بعد سنوات قضوها في الصفوف الخلفية، وإنجاز الفوز بلقب عصبة الأبطال الإفريقية لأول مرة منذ نحو 18 سنة، ونسعد به أيضا لأنه ثمن جيدا القيمة التي أصبحت للبطولة الإحترافية الوطنية المصنفة بالأرقام والإنجازات في طليعة البطولات الوطنية بإفريقيا، ونسعد رابعا بلقب «الشان» لأنه رفع بدرجات قياسية قيمة المنتج الكروي الوطني، بدليل الأرقام التي تعرض اليوم من أندية أوروبية وعربية لانتداب النجوم المغاربة. نسعد بكل هذا، ولكن في مقابل ذلك، فنحن اليوم في مواجهة الكثير من أسئلة الحاضر وحتى المستقبل القريب، التي ترتبط عضويا بكل هذه الإنجازات وبالمسؤوليات التي تقع على كاهل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومن بعدها على كاهل الأندية الوطنية التي هي أساس ومبتغى كل إستراتيجيات التقويم والهيكلة، وهي أيضا صورة للهيئة التي يوجد عليها الإحتراف المغربي. مؤسف حقيقة أن يضج التاريخ الرياضي وتحديدا الكروي المغربي، بالعديد من الصرخات التي كنا نطلقها تحت أنين وطأة الإخفاقات، والمؤسف أكثر أن يكون تاريخ كرة القدم بتحولاته الكبرى هو تاريخ الإنتكاسات والإقصاءات، بمعنى أن تكون هذه النكسات هي المحرك الحقيقي للتغيير بينما المحرك الأساسي لدول تتقدم علينا بمسافات، هي الإنجازات الكروية التي يحتفل بها بحسب ما تقتضيه الطبيعة والسياقات، ولكن الأهم من كل ذلك أن يستثمر في هذه الإنجازات لتكون قاعدة لاستراتيجية بديلة غايتها الأساسية صيانة المكتسبات وضمان الإستمرارية لتلك الإنتصارات. هذا بالتحديد ما يجب أن يشغلنا اليوم جامعة وأندية، أن يكون الفوز بلقب بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، منطلقا لعمل أقوى عوض أن يكون منتهى لحلقة لا يأتي بعدها أي شيء. لقد قدمت لنا «الشان» كما قدم لنا التأهل للمونديال بعد عشرين سنة من مخاصمتنا لأكثر الأحداث الكروية كونية، وكما قدم لنا تتويج الوداد بلقب عصبة الأبطال، الدليل على أن العملة الوحيدة لأي نجاح هي العمل الجماعي المحترم لأدبيات الإختصاص والملتزم بالشروط العلمية الحديثة والمؤسس على أرضية قوية ومتماسكة. لذلك فإن منتخبنا الوطني المحلي قدم رسالة إلى من يهمهم الأمر، وبخاصة إلى من يقودون الأندية الوطنية التي هي بالأساس قاعدة الهرم ومنتهى كل الإستراتيجيات الموضوعة، رسالة تقول أن غير التتويج بالألقاب والتواجد دائما وأبدا فوق أكبر المسارح الكروية القارية والعالمية، غير هذا هو هدر بشع للطاقات البشرية وجريمة في حق شباب هذا البلد، لذلك فالكل مدعو لأن يرتفع عن الشخصنة وعن الإنتصار لأنانية الذات والكف عن اعتبار هذه الأندية ضيعات مملوكة أو متحفظ عليها. وعندما يكرر رئيس الجامعة فوزي لقجع اليوم ما قاله في أعقاب تأهل الأسود للمونديال، من أن الإنجازات التي لا نستطيع أن نضمن لها الإستمرارية لا يمكن أن تنسب إلا إلى الحظ، فإن هناك حاجة ماسة اليوم لأن يستثمر إنجاز «الشان» على نحو مختلف لما كان يحدث في أزمنة ماضية، بمعنى أن يكون محركا لكل ملكات الإبداع والخلق لتنطلق من معاقلها وتعطي لهذا البلد كرة قدم جميلة وراقية ومتحضرة، تليق بموروثه الفكري والإنساني، لا ما نشاهده هنا وهناك من سفاهات وفظاعات ومزايدات بشعة على قيم لا تباع ولا تشترى.