لا شيء على الإطلاق يلزمنا بأن نلجم الفرح في دواخلنا، بعد هذا الذي حققه الفريق الوطني أول أمس الثلاثاء، وهو يتوصل إلى ترويض فيلة ما وجد لهم حيلة منذ 23 سنة، وأكثر من ذلك يحقق بألمعية كبيرة تأهله للدور ربع النهائي لكأس إفريقيا للأمم بعد أن تكررت خيبة الخروج من الدور الأول في النسخ الأربع الأخيرة التي شاركنا فيها. الفرح مشروع ولو أنه لا يجب أن يحرض على الإشباع، فهذا الفريق الوطني كنا من المراهنين عليه برغم ما صادفه من إكراهات وهو يرحل إلى الغابون مقصوص الأجنحة بفعل ما تكالب عليه من إصابات، وإن كان لنا أن نفاخر بما أنجزه حتى الآن، فلنا الحق في ذلك لأننا عشنا مظلمة رمت بنا في القعر، فما عرفنا لردح من الزمن ومضة ضوء تفتح الأسارير وتزهر في قلوبنا المعذبة الأمل. صحيح أن هذا الفريق ما زال بمقدوره أن يفعل الشيء الكثير في هذه الكأس الإفريقية التاريخية ليخلد من خلالها نفسه، إلا أن روعة ما تم إنجازه تدعو فعلا لأن نقف وقفة مع النفس لنتذكر من إختار أن يوزع على الناس الأمل ومن إختار أن يزرع فيهم الشك ويسوق لهم الوهم، من ظل مقتنعا بأن هذا الفريق الوطني الذي يحمل آمال الشعب، لا بد وأن يصان ويحفز ويؤمن الكل بمقدراته، لا أن يجلد ويباع جلده وهو حي يرزق بأبخس الأثمان. سئلت حتى والفريق الوطني يخسر مباراته الأولى أمام الكونغو الديموقراطية، من أين آتي بشحنات الأمل والتفاؤل والثقة أيضا بأن هذا الفريق الوطني سيصبح لنا مصدر سعادة، والحقيقة أنني كنت في ذلك أستند على شحنات عاطفية قوية تحرضني على صيانة الأمل، وكنت أتوكأ على قناعة كاملة بأن هذا الفريق الوطني سيزهر وسيقصي كل الإحباط الذي ترسخ بعد الخسارة غير المستحقة من فهود الكونغو الديموقراطية، لقد قدم الأسود أنفسهم بصورة لا يمكن أن تخطئها الأعين العارفة بأسرار كرة القدم، كان هناك لاعبون معافون نفسيا ومتحفزون ذهنيا ومنضبطون تكتيكيا وكان وراء هؤلاء اللاعبين مدرب يحترف صناعة الضوء وسط كتل الظلام ويخبر جيدا كيف يكون صيد الفرائس في الأدغال من صقور وفيلة، وخلف اللاعبين والمدرب كان هناك رئيس جامعة يقاوم بضراوة كل رياح التشاؤم التي تضلل وتشتت التركيز، لذلك كان الفريق الوطني متطابقا بالكامل مع مقدراته الفردية والجماعية وهو يصطاد الصقور أولا ويروض الفيلة ثانيا ويحقق ثالثا ما رجفت قلوبنا من أجله لسنوات. أدرك جيدا أن للفريق الوطني موعدا آخر مع التاريخ يوم الأحد القادم عندما يواجه في الدور ربع النهائي متصدر المجموعة الرابعة، وأن حالة الفرح العارم والمشروع ستتراجع عندما يشمر الأسود على سواعد الجد لتحضير النزال القادم، وأدرك أن هؤلاء الأسود الذين باتوا فخرا للوطن ما زالوا جائعين، لذلك سنكون معهم بقلوبنا وجوارحنا لنواصل السفر التاريخي في كأس إفريقيا للأمم، لعلها تكون ملحمة جديدة للمغرب بمونديال القارة.