عُمار وعبد الجليل نادلان لطيفان متفاهمان تماما، نادرا ما يتخاصمان، أولا لأنهما يشتغلان بذات المقهى والباطرون واعر ما كيبغيش المشاكل، وثانيا لأنهما يحبان معا كرة القدم ويوزعان عشقهما على الوداد والرجاء والريال والبارصا، ولهذا لم يحدث أن شهد الزبائن شجارا بينهما كذاك الذي حدث في نهاية هذا الأسبوع، فما إن إنطلقت إحدى المباريات على شاشة التلفزة حتى اهتز الحاضرون نتيجة صراخ عبد الجليل: - يا عمار طلق التيلي كوموند، الله يهديك خلينا نتفرجوا في الماتش· - وتفرج إيلا بغيتي تفرج، واش أنا شاد ليك عينيك، غادي نحيد غير الصوت· - ماغاديش تخلينا نسمعو المعلق؟ - وراه كيغوت، واخا تطفي التلفزة يوصلك غواتو من التيران· يشتكي عُمار وبعض الناس من الصراخ الذي ينطلق من المعلقين خاصة في المباريات الليلية، كلشي كيغوت، لدرجة أن الذين يصادفون مباراة منقولة مساء الجمعة لأول مرة يعتقدون أن الغوات نايض في الزنقة ماشي في التلفزة، وطبعا، المعلقون معذورون، لأنهم يوجدون في قلب الملعب وسط الجمهور الذي يملأ الدنيا صخبا، فلا يسمعون حتى أصواتهم، ولهذا يظنون أنهم بسبب هتافات الجماهير الصاخبة لن يسمعهم المشاهدون أيضا إذا تكلموا بصوت منخفض، وينسون أن أمامهم ميكروفانا حساسا يوصل حتى صوت أنفاسهم إلى الجالسين أمام الشاشة، حتى كيوليو بحال شي واحد طالق "الإم بي طروا" في ودنيه، ملي كيبغي يدوي كيبدا يغوت· - وراه بصح الجمهور كيدير الصداع، وخاص المعلق يغوت باش صوتو يتسمع مزيان· - إيوا، ملي كيبدا الجمهور يخسر الهضرة آش كيوقع؟ - آش كيوقع؟ - المخرج كينقص الصوت ديال الجمهور وكيحصل المعلق أورجوه· لابد أن يقوم أحد بتنبيه المعلقين ليخفضوا أصواتهم ويبردوا الطرح شوية، فكثيرا ما تبح أصواتهم نتيجة لصراخهم، فيعتذرون بلباقة للمشاهدين، كما فعل أحدهم حين ظل يصرخ دون توقف حتى انخطف صوته وصار مبحوحا فقال بلغة فصيحة وهو يلهث: أعذروني، صوتي مشى، صوت طار، والله أنا معذور اعذروني اعذروني لو كنتم مكاني، يا للإثارة، يعني حماس ولا أروع! الأهازيج، شوف شوف شوف الجماهير الجميلة الغفيرة والله لا توصف، صراحة لا أقدر، اعذورني، صوتي مشى من الحماس··· - وا ناري فين هي هاد الجماهير؟ واش التيران فيه ستمية ديال البشر وهو محيّح؟ - مزيان هاد الشي، المعلق الواعر هو اللي كيقدر يزيد من راسو· - راه الزيادة من راس لحمق· - وبان ليك شي معلق عندو العقل؟ - لم يعد أحد يعرف أي جمهور يخاطبه معلقونا الشباب، إضافة إلى الصراخ فهم يكادون يقلدون معلقي الإي آر تي والجزيرة الرياضية، يتحدثون لغة غريبة لا علاقة للمغاربة بها، ولا عهد لهم بها منذ الغزو الفرنسي والغزوين المصري واللبناني فنيا طبعا، يتكلمون لغة جديدة لا هي عربية فصحى ولا مصرية ولا خليجية ولا تونسية بل هي كل هذا المزيج الغريب، لقد توحدت اللهجات العربية في ألسنة المعلقين المغاربة، وضاعت اللهجة المغربية الجميلة التي عشقها المغاربة مع سعيد زدوق، حتى بدأ الناس يترحمون على زمن معلقي دار البريهي· - هوما راه ما كيدويوش مع المغاربة، كيدويو مع الأشقاء لهيه· - وعلاش ما يدويوش معاهم بالدارجة ديالنا؟ - هي بغيتيهم يديرو بحال الحريري ولحمر وزدوق ويبقاو هنا في بلاصتهم؟ - آه، فهمت، هادو باغيني يطيرو· ============== نافذة المعلق الواعر هو اللي كيقدر يزيد من راسو