آه من نقطة الصفر! ليس لأي الحق في أن يغتصب حق شعب في أن يفرح بفوز منتخبه القومي حتى لو كان ذلك على حساب منتخب موزمبيقي مصنف في خانة المنتخبات المستضعفة، فالفرح بالهيئة التي يأتي بها ليس إلا صورة من تعاسة عاشها هذا الشعب ملتاعا ومتحسرا على أن فريقه الوطني أخلف الوعد وما عاد ينتج إلا الكوارث. ما قرأته متداعيا من قلة مصابة بنوبة العدمية وهي ترادف قهرا بين متناقضات لم يكن له أصل في الذي سمعته وشاهدته وتحسسته خارجا بصدق وبعفوية من قلوب كثرة شعرت وكأن الفوز على الموزمبيق أزال من على صدرها جبالا من الغم والهم، فما قرأته من القلة المريضة يريد أن ينزع من الشعب فرحة ويطفئ جذوة سعادة تضيء ليل العذاب الطويل، وما سمعته وشاهدته وتحسسته من الكثرة المواطنة شلالات من العواطف إنفجرت من الصدور التي جرى فيها اليأس والحزن.. طبعا للمغاربة كل الحق في أن يفرحوا ويهللوا بالفوز العريض الذي أحيى ما كان رميما في الفريق الوطني، من حقهم أن يتفاءلوا خيرا، لأنهم كانوا أحد صناع هذه الملحمة، فهم من إنتفض بعد الخسارة المذلة بمابوتو أمام الموزمبيق، هم من أحس بلدغة الأفاعي، وهم من أطبق على الجامعة حتى سارعت إلى إقالة البلجيكي غيرتس، وهم من صرخ بأعلى الصوت لوضع الثقة في المدرب المغربي. ومن حق هذه الصحوة على الناخب الوطني السيد رشيد الطوسي وعلى الجامعة وعلينا كإعلام أن نستثمرها على الوجه الصحيح، أن لا نعامل فوزنا على الموزمبيق بما عاملنا به الفوز على منتخب الجزائر قبل ما يزيد عن السنة، أن نراه بداية لعمل طويل وشاق يفرض أن نكون صرحاء مع أنفسنا ومع كل الجماهير، فلا نبيعها الوهم ولا نغلطها.. كنت متحمسا للفوز على الموزمبيق، ليس هذا فقط، ولكن أيضا للتأهل لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بجنوب إفريقيا مطلع العام القادم، لأنني وأظن أن رشيد الطوسي وكل المغاربة يقتسمون معي هذا الحماس، أعتقد كما يعتقدون أن وجود الفريق الوطني بنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2013 يعطيه الحافز المعنوي والدافع التقني ليعيد تشكيل نفسه بالصورة التي تمهد لأن يكون بمشيئة الله بعد ثلاث سنوات أي مع مطلع سنة 2015 عندما نستضيف النسخة الثلاثين لنهائيات كأس إفريقيا للأمم مؤهلا بقوة الشخصية للفوز باللقب القاري.. القصد إذا أن تكون دورة جنوب إفريقيا مهيئة لما سيعقبها من مراحل، سيكون رائعا لو أن الفريق الوطني ذهب فيها لما هو أبعد من الدور الأول، ولكن الأساسي أن تقدم دورة 2013 النواة الصلبة للفريق الوطني الذي سيدافع بقوة عن حظوظه في إعتلاء منصة التتويج سنة 2015، وأن تساعده أيضا على العودة مجددا إلى تصفيات كأس العالم 2014 والتي تبقى من دورها الثاني وقبل الأخير أربع جولات، بمقدورها أن تلغي فارق النقطتين الذي يفصلنا اليوم عن فيلة الكوت ديفوار.. إن ما كان من حماسة مفرطة في تقدير قيمة أي إنتصار يحققه الفريق الوطني هو ما أورث حالة التخبط التي عشناها بخاصة على عهد إريك غيرتس والتي كلفتنا سنتين كاملتين أنفق خلالهما ما أنفق من أموال باهضة وكانت النتيجة ما سجلناه من تراجع رهيب، لذلك فإن ما نبديه من رفض للدغة ثانية من نفس الجحر لا بد وأن يقابله عمل في العمق يستثمر الفوز على الموزمبيق بطريقة إيجابية، بأن يأخذ منه ما بثه من حماس في محيط الفريق الوطني، وما غمر به المغاربة من سعادة، ليكون حافزا على الثبات على المواقف، والموقف الحالي يقول بضرورة مواصلة العمل بنفس الطموح وبنفس العلمية وبنفس الحماس، من دون تضخيم ومن دون بيع للأوهام تحت أي سبب. ومهمة أن نحتفظ بالإتزان وبالإصرار على العمل في العمق بنفس الأريحية، ليست مهمة رشيد الطوسي وحده، بل هي مهمة كل مكونات العائلة، الجامعة كوصي وآمر بالصرف، الإعلام كموجه وكناقد والجماهير كطاقة لإنتاج الدعم والصبر. هي إذا طريق من ألف ميل قطعنا فيها خطوة فقط، وأرجو أن نحتفظ بإصرارنا على السير البطيء والواثق والمنتظم، لأن غيره يعيدنا لنقطة الصفر وآه من نقطة الصفر هاته..