من الإجماع إلى الإبداع على إستيحاء كان أعضاء المكتب الجامعي الذين جرى إنتقاؤهم من قبل السيد علي الفاسي الفهري يوم أنيطت به مهمة قيادة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قبل ثلاث سنوات ونصف السنة بإعمال معايير كثير منها تبث عدم نجاعته، على إستيحاء، كانوا يطلون بين الفينة والأخرى ليقولوا أن غيرتس ليس من صنيعهم، لا هم عرفوه ولا هم فاوضوه ولا أخذ حتى برأيهم يوم جرى الإرتباط معه بعد الذي كان من مخاض دل على أمرين إثنين، أولهما أن القرار صدر عن غرفة سرية ليس للأعضاء الجامعيين الحق لدخولها وثانيهما أن من أخذ القرار وعض عليه بالنواجد جعلنا نصبر على لدغة النحل عسى أن ننعم زمنا بعسل غيرتس.. لذلك يسعد الأعضاء الجامعيون سواء الذين إختفوا قصرا وعادوا تلبية لنداء الواجب أو الذين يحضرون بميزات عديدة، بأن يكون قد عهد إليهم إختيار المدرب الجديد للفريق الوطني والذي سيخلف المتخلى عنه غيرتس في قيادة مركب به ثقوب كثيرة.. عندما دعي هؤلاء إلى الإجتماع/الأزمة حضروا على عجل وأجمعوا على تأييد حكم صدر قبل إلتئامهم بالإنفصال عن غيرتس، وتجاوبوا مع مطلب سيق إليهم، العودة إلى المدرب المغربي. وقد سرني جدا أن يكون الأعضاء الفيدراليون قد أخذوا حقا كان ضائعا منهم، أن يقرروا في مصير الناخب الوطني وأن يتحملوا أمام الشعب وأمام التاريخ مسؤولية هذا الذي إختاروه ليكون رجل المرحلة وأن يكونوا في كل ذلك قد حكموا ضمير المواطنة قبل ضمير العقل، لأن ما سيأتي بعد ذلك هو من صميم مسؤوليتهم، هم من سيساءلون عنه، وهم من سيحاسبون عليه.. ولئن كنت متحفظا على تشكيلة اللجنة التي عمل نائب رئيس الجامعة عبد الإله أكرم على رآستها للإستماع للمدربين الأربعة المقترحين للمرحلة وأيضا على طريقة إشتغالها والتي تقول بأن الأمر لم يخضع لإحترافية كاملة، ما إنعكس بالضرورة على ما تضمنه تقريرها النهائي، فإنني أستغرب أن يكون بلاغ الجامعة الذي صدر في بضع سطور بعد إجتماع المكتب الجامعي الذي إختار رشيد الطوسي مدربا وناخبا وطنيا جديدا، قد تحدث عن الإجماع في إتخاذ القرار وعن إستحضار المهنية والقناعة الثابتة عند تسمية رشيد الطوسي مدربا للفريق الوطني.. يجري الحديث عن إجماع والواقع وحتى المنطق يقولان بأن من بين الأعضاء من تحمس للزاكي ومنهم من رأى فاخر الأجدر بركوب التحدي، فلماذا نلعب إذن بالكلمات؟ وبفرض أن رئيس الجامعة لم يكن بحاجة إلى اللجوء تنزيلا لأصول الديمقراطية إلى التصويت لترجيح كفة رشيد الطوسي على كفة الزاكي بادو، لأن من الأعضاء من غيروا موقفهم درء لكل ما قد يفرق بينهم، إلا أنني مصر على تكييف منطوق الإجماع على الطوسي، هو من منظور الجامعة إجماع على مهنية الإختيار وإجماع على الثبات على المبدإ وأيضا إجماع على إستحقاق صفة صناع القرار، هذا بفرض أن يكونوا هم الصناع الحقيقيون للقرار.. وأبدا لا يعطي هذا الإجماع المعبر عنه الحق للمكتب الجامعي في فرض أي نوع من أنواع الوصاية على رشيد الطوسي، أنا لا أقول بأن يرمى الطوسي وحيدا في نار المسؤولية بلا سند وبلا مرافقة وبلا رقابة معقلنة لا تكسر قواعد الإختصاص، ولا أقول أن يترك الرجل وحيدا في معترك حارق، ولكن أقول أن يكون من أجمعوا على الطوسي مدربا وناخبا وطنيا قد إعتدوا ضمنيا بكثير مما قدموه لنا دليلا على واقعية ومنطقية الإختيار، فما قالوا أنه ضعف من حظوظ الزاكي عندما إشترط العمل برؤية 2015 لا بد وأن يحضر روحا ونصا في العقد الذي سيربط الطوسي بالجامعة، فمن باب تحقير الإطار الوطني القول بأن رشيد الطوسي سيختبر في مباراة الموزمبيق، وعلى ضوء ما سيكون بعدها سيحسم في الإبقاء عليه أو الإعتذار له.. لا نحن ولا الرأي العام الرياضي الذي قال بنسب يعرفها الكل رأيه، سنقبل بأن يكون رشيد الطوسي حائطا قصيرا يقفز عليه الجميع وبأن يكون لعبة بأيدي من يتوهمون أنهم هم الصناع الفعليون للقرارات المصيرية.. مؤكد أن مباراة الموزمبيق يوم 13 أكتوبر القادم ستكون لرشيد الطوسي وللكوماندو الذي يختاره وللجامعة ولنا جميعا لحظة فارقة ومفصلية نتطلع جميعا لأن ننجح في عبورها بسلام، ولكن ليس من الحكمة ولا من العدالة القول بأنها لحظة على ضوئها سيتحدد مصير رشيد الطوسي، حتى لو أن الرجل عبر أمام اللجنة أولا وأمام الرأي العام من خلال حواره مع "المنتخب" المنشور في الصفحة الرابعة ثانيا عن أريحية كبيرة وعن تقديس الواجب الوطني، فما من شيء يقول بأنه على إستعداد لتقديم تنازلات عن ثوابت في فكره وفي فكر كل المدربين الناجحين، لأنه بذلك سيكون قد كتب أخر سطر في صفحته كناخب وطني من قبل أن يكتب حتى بدايتها. إن كانت الجامعة قد إختارت الطوسي إعمالا لمعايير قلت أنني أتحفظ على بعضها، وفي طليعتها معيارا الكفاءة والمطابقة فعليها أن تكون موقنة تمام اليقين بأن هذه الكفاءة والمطابقة اللتين على أساسهما كانت المفاضلة وتم الإختيار لا تسمحان أبدا بأن يكون الطوسي لينا حتى يعصر وبأن يكون على إستعداد لتقديم تنازلات من أي نوع، وإلا فإنه سيكون قد خرج عن نفسه، عاكس روحه وحكم على فكره وطموحه بالإختناق.. -------------------- عندما قلنا في عدد سابق أن الجامعة تستعد لإعادة الزاكي إلى الفريق الوطني فإننا لم نكن في ذلك نهذي أو نشكل جبهة ضغط أو نقلل من حظوظ الإطار الواثق بقدراته رشيد الطوسي، ولكننا كنا نحتكم ليس بالضرورة إلى ما برز في وسائل التواصل الإجتماعي من إجماع على عودة الزاكي ولكن إلا ما أسره لنا أعضاء جامعيون بعضهم كانوا بداخل اللجنة التي إستمعت للمدربين الأربعة وأنجزت عنهم تقارير رفعت إلى رئيس الجامعة. والذين يتمتعون بذاكرة قوية ولاقطة، سيتذكرون أننا سنة 2006 بعد الإنفصال بالتراضي عن الفرنسي فيليب تروسيي وتنصيب الإطار فتحي جمال مدربا مؤقتا، كتبنا أيضا أن الزاكي سيعود بنسبة 99 بالمائة لتدريب الفريق الوطني، وما كنا لنجرؤ على الحديث عن عودة الزاكي لعرين الأسود بتلك القطعية، لولا أن عضوا جامعيا مبرزا كان قد إتصل بالزاكي وقال له أن تعيينه من جديد مدربا للفريق الوطني مسألة وقت ليس إلا، بل ووجهه إلى سرعة الإجتماع بالإطار فتحي جمال لإعداد لائحة الفريق الوطني الذي كان مقبلا وقتها على مواجهة منتخب بلجيكا وديا ببروكسيل. وكان ذلك، إذ وضع الزاكي اللائحة واختارت الجامعة أن يشرف فتحي جمال على الفريق الوطني في تلك المباراة التي عرفت فوز أسود الأطلس برباعية، ليكون الإرتباط بعد ذلك بالمدرب الفرنسي روجي لومير المقال من الجامعة التونسية لكرة القدم والبقية تعرفونها بكل تأكيد.. ---------------- كانت كأس العالم للشبان بماليزيا سنة 1997 والتي حضرها أشبال الأطلس بعد تتويجهم بلقب كأس إفريقيا للأمم التي إستضافتها فاس ومكناس والتي حضرتها مواكبا ومستمتعا باحتضان جميل من مؤسسة كوكاكولا المغرب، مناسبة لا لأتعرف على الإطار رشيد الطوسي، لأنني عرفته قبل ذلك، ولكن لأن تتعمق هذه المعرفة وتمتد إلى تضاريس فكر رجل يملك حماسا كبيرا لمهنة التدريب ويضع بإحكام أهدافه ويعبئ كل حواسه من أجل أن يصل إليها الواحد بعد الآخر.. وأستطيع التأكيد على أن رشيد الطوسي يجمع بين الحس الأكاديمي الذي يفرض علمية التعاطي مع الأشياء وبين الحس الإبداعي الذي يبرز خصوصية الرجل، فالمدربون يتشابهون في الصفة وفي المحصول العلمي ولكنهم يختلفون في المنهج وفي الرؤية وفي طرق التعبير عن الكاريزما وأيضا في صنع الحلول لأكثر الإشكاليات تعقيدا.. ومخطئ من يتصور أنني معترض على إختيار الطوسي ناخبا وطنيا، لما أبديه في العادة من حماسة عاقلة لعودة الزاكي التي لها ما يبررها، فرشيد إختار قبل عشرين سنة طريقه، وقد مشى فيه حينا من الدهر متسلحا بالإيمان وبالطموح، وإن كان قد وصل الآن إلى قمة الهرم، فليس لأي كان الفضل فيه بعد الله، إلا لجهده ولإخلاصه.. وهو وحده من يقرر كيف سيتعامل مع هذه الإنعطافة التاريخية في مشواره المهني.. إنه يعرف أننا كنا وما زلنا وسنظل معه، لا نسأل من ذلك سوى أجر خدمة الوطن..