مثيرا ضجة كبيرة بقدومه كما أثارها قبل سنة من الآن وهو يدير بظهره لمعسكر الأسود بأكادير مفضلا العودة لفرنسا ومدعيا الإصابة بشكل سخيف، ورافضا خضوعه لتشخيص مضاد من هيفتي، بدا موضوع حضور سفيان بوفحل الشهير ب «بوفال» للعب للمنتخب المغربي وكأنه فتح مبين وعظيم وأهم من موضوع مباراتي الرأس الأخضر. أو أن أزمة كرتنا المغربية وأسقامها المزمنة كلها تختزل في مجيء المنقذ بوفال، وما بلاغ الجامعة وطريقة صياغته التي أحالت على فتح هلامي، إلا عكس لهذه الحقيقة المؤسفة والكاريكاتورية، في وقت كان نفس اليوم يخلد لذكرى مجيدة (التتويج بالكان 1976)، لا يعلم عنها للأسف لا أبناء جيلي ولا الجيل الحالي شيئا، وكلما سقيت لنا روايات تلك الملحمة إلا وتنامى بدواخلنا الإحساس بالوطنية واقشعرت أبداننا لعظمة ما حدث يومها ببلاد الحبشة. جرتني سخرية التعاطي بتمجيد موضوع بوفال وتجاهل صناديد إنجاز 1976، لاستحضار هذا «المونولوغ» الإفتراضي الدال على كثير من الأشياء وبطله الرمزي لاعب المنتخب المغربي بابا برسالة كلها وصايا لبوفال: «عزيزي بوفال، حين كنا نحفر الصخر سنة 76 لم يكن لك بعد أثر بهذا الوجود، ويومها لم نكن نتوفر على دزينة قمصان من كل الألوان كما هو متاح أمامكم اليوم. يومها توجهنا للسعودية للإعداد وسط الرطوبة العالية والحر الشديد للكان ولم يخطر ببالنا أن نتنقل لمنتجعات ماربيا وألغارفي البرتغالية، وجاب الله «التيسير» ببركة هذه الأرض الطاهرة. عزيزي بوفال: من كانوا معي بنفس الفريق كانوا رجالا بمعنى الكلمة، كلهم تربوا ونشأوا بالمغرب، وكانوا يختلطون كل يوم بالبقال وسائق «الطاكسي والطوبيس»، ويستمعون لانتقاد هذا وتعاطف الثاني ومطالب الثالث، ولا أحد منهم اشترط كي يلعب لفريقه الوطني انتظار تجاهل منتخب آخر ليلبي النداء، كانوا يلعبون بالعرق وصدق النية وبأمانة الضمير والإخلاص لشعار الوطن الخالد. لم نتنقل لإثيوبيا في طائرة خاصة، لقد حشرونا كما يحشر السردين المعروض للتصدير ولم يزدنا ذلك إلا عزما وإصرارا على إلتهام وأكل «الغازون» كي نعود بالكأس ومن ثاني مشاركة قارية للمغرب، وكي نرضي ملكا وشعبا وصحافة بادلناها التقدير كما بادلونا الإحترام، وأبدا لم يسمع لتأففنا صوت ولا نحن ضجرنا ببلاد الحبشة لغياب المؤونة ولا نحن لعنا الكرة بسبب قرصات «الناموس» التي تآلف معنا لطول مقامنا وتعرفنا على كل أصناف الحشرات التي انقرض عدد منها ولم يعد له أثر في زمنكم المخملي هذا. إبني بوفال: أنصت لي يرحمك الله وأصغ السمع لعلك تفلح، في فريقنا الوطني المتوج يومها كان نجم كبير لم تلده «ولادة» ولاعب فذ عليك أن تسأل عنه «العم غوغل» ليدلك على بياناته إسمه «فرس»، هو صاحب كرة ذهبية فريدة وأولى للكرة المغربية ولم يروض الكرة بمقابل، «فراس» هذا رفض عرضا من ريال مدريد للبقاء بين حضن والدته التي خيرته بين «السخط والرضا» لرفض العرض وبين حضن تربة بلاده، لا لشيء سوى لأنه زهد في المال والجاه لأجل منتخب المغرب. عزيزي بوفال: فرس والزهراوي والكزار وعسيلة والهزاز وغيرهم ممن كانوا معنا، لم يدعوا يوما إصابة ليهربوا من واجب الوطن، ولم يتظاهروا بمرض وكلما حملوا قميص الأسود كانوا يشعرون بالفخر ويحسون أنه لا فرق بينهم وبين من كانوا جنودا بالصحراء يدافعون عن حمى الوطن. وأخيرا إسمع إبني بوفال يرحمك الله: أنا لما قررت التقدم للأمام بالفطرة لتسجيل هدف التتويج، طلبت الكرة من فرس وقلت له «أنا مزاوك أخويا»، نعم قلت له «خويا» لأننا كنا إخوة بالصدق والإخلاص المتبادل. سنة التتويج يا بني كانت قد أعقبت سنة المسيرة الخضراء، لذلك أنصحك أن تبحث عن قيمة ودلالة هذه المسيرة لتتعرف على حقيقة المواطن المغربي حين يتعلق الأمر بالوطن. يا بني، بإثيوبيا لم نكن نقيم بفندق من 5 نجوم رغم أن كل كومندو الملحمة كانوا أكثر من 5 نجوم.