وداعا أميرة القلوب في أعظم أيام شهر رمضان الأبرك، في عشره الأواخر التي تفيض باليمن وبالبركات وفي ليلة القدر التي عظم الله شأنها، قضت إرادة من بيده ملكوت السموات والأرض بأن تسلم صاحبة السمو الملكي الأميرة للاآمنة الروح لبارئها وترحل عن دنيانا التي غمرتها بجودها وكرمها وإنسانيتها. رحلت أميرة الرياضة وأميرة القلوب وتركت فينا جميعا لوعة وحزنا كبيرين، فقد كان المغرب الذي خدمت سموها رحمة الله عليها طفولته وشبابه وأشاعت عليهما من روحها ومن إقدامها، بحاجة إلى مزيد من مبادراتها النبيلة ذات العمق الإنساني وذات المغازي الأصيلة التي هي من شيم المغاربة... رضعت سليلة الشرفاء العلويين حليب الوطنية والإقدام وقد رزق بها قائد مسيرة التحرير المغفور له جلالة الملك محمد الخامس في منفاه بمدغشقر، ومع بلوغها سنة الثالثة وهي في عمر الزهور أسند لها والدها المنعم المغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه رئاسة العصبة المغربية لحماية الطفولة، وكان هذا التكليف المولوي إشارة على أن سموها ستطلق مبادرة البناء الفعلي للمغرب الحديث وقد أكمل جهاد الإستقلال والإنعتاق من خلال الإهتمام بقضايا الطفولة. وفي إلتحام رائع لأنبل المشاعر الإنسانية ستقدم سمو الأميرة الراحلة صورا عن قيم التكافل الإجتماعي ومطاردة البؤس والحرمان وإدماج الأشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصة في النسيج الإجتماعي. كما أنها ستضفي من روحها السمحة على المجال الرياضي الذي عشقته منذ طفولتها، إذ نذرت جانبا كبيرا من حياتها لخدمة رياضة الفروسية إلى جانب زوجها الراحل المرحوم مولاي إدريس الوزاني الرئيس السابق للجامعة الملكية المغربية للفروسية. وتمثلت فقيدة الرياضة الوطنية كل قيم الفروسية في التضحية والبذل والعطاء من أجل إسعاد ملكها ووطنها، إذ منذ أن قلدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس مسؤولية رئاسة الجامعة الملكية المغربية للفروسية سنة 1999 وهي تبدع ما لا يعد من المبادرات التي أغنت هذه الرياضة المتجذرة في الإرث الحضاري والثقافي المغربي والمستمد من إرثنا الإسلامي الكبير، فأضحى أسبوع الفرس حدثا رياضيا وثقافيا من الطراز الرفيع، لا يمثل فقط الجوانب الإبداعية في رياضة الفروسية ولكن يتعداه إلى ربط المغاربة بتاريخهم التليد، بما كان يربطهم من علاقات أزلية مع الفرس، واستحقت سموها على كل هذا الذي أبدعته من قوالب طورت رياضة الفروسية أن تنتخب أفضل مسيرة رياضية إفريقية. ويدين الأولمبياد المغربي الخاص في مولده ونشأته وفي كسبه لرهان العالمية بالكثير من الفضل لسمو الأميرة الراحلة، فكما أنها إجتهدت لتجعل من الفروسية رياضة شعبية تمثل بحق صور عراقة وأصالة المغاربة، فإنها من منطلق إنجذابها بطبعها الشريف إلى الطفولة والشباب وفئات المعوزين، ستبادر سنة 1994 إلى إحداث الأولمبياد الخاص المغربي وستكون لها مساهمة قيمة في تأسيس اللجنة الجهوية للأولمبياد الخاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واستنفرت رحمها الله كل الجهود من أجل النهوض برياضة المعاقين ذهنيا بالمغرب. ويمكن عند رصد كل الذي قامت به الأميرة الراحلة من مبادرات لتطوير الأولمبياد الخاص المغربي والرفع من أدائه أن نلمس طاقة العمل، فأبدا لم تكن سمو الأميرة للاآمنة تساوم في مقدار الجهد البدني الذي كانت تبذله بسخاء كبير وبأريحية قل نظيرها من أجل أن تزرع الإبتسامة على شفاه أطفال محرومين، ومن أجل أن تشرع نوافذ وأبواب الأمل أمام أشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصة، إذ قادهم عطفها وعنايتها إلى أن ينتصروا للإرادة وللإبداع ويحققوا حلمهم في أن يكونوا معطائين وخدومين لهذا الوطن. ليس المغرب، مغرب الأمومة ومغرب الرياضة وحده من ضاع في أميرة القلوب وهي ترحل عنا في زمن يعز فيه الفراق، فعالم الفروسية النبيل وعالم الأولمبياد الخاص فقدا بوفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة للاآمنة قلبا رحيما وعطوفا وعقلا حكيما ومتنورا وفيضا من الحب للطفولة وللشباب وللرياضة. نامي أميرة القلوب قريرة العين، راضية مرضية، فمن أعطى وأوفى فليس له بإذن الله من جزاء ومن مأوى غير الجنة.