ما فعلته فينا الكامرون وباقتصاد ذكي في اللياقة البدنية وغيرها من الخصوصيات الفنية المرتبطة باستراتيجية اللعب، يضعنا في حيرة كبيرة لنقرأ أنفسنا في خريطة الكرة ومورفولوجية القوة، التي لا نملكها على الأرض·· ما فعلته الكامرون بالمنتخب المغربي هو نسخة طبق الأصل على الأرض لما أضاعه المغرب أصلا بالكامرون، لكن بوجوه مخالفة عن التي قدمت الإستقالة بالأرض·· وما هو بديهي أن وجوه البطولة المغربية حتى في عز ما اختير لا تملك القدرة على أن تكون بمواصفات الخصم في القوة والهيئة والخبرة وغيرها، وأكثر ما لعب بداية من الزروالي وأولحاج وعدوة والشيحاني وبنجلون لا يملكون مؤهلات كبيرة لمواجهة القوة السمراء (باستثناء العلاوي) بمثل التنازل الغريب الذي رسخ منتوج البطولة كهوية منهزمة، وهو ما كنت ألح عليه كثيرا في موضوعاتي التقييمية لغياب قاعدة النجوم الكبار وممن يصنعون الفارق في أي فريق كان·· ولست هنا منتقدا لأداء الوجوه التي لعبت مع المنتخب المغربي، بل منتقدا لسياسة الأندية التي لا تصنع الأجيال التي تحمي المنتخب من الهزات العنيفة، ومنتقدا لغياب القاعدة البشرية رغم أنها موجودة في ما يفوق 30 مليون مغربي، وما اختير بالمنتخب الوطني من البطولة هو زبد جوهري لأفضل ما لدى الأندية رغم أنها في نظري وجوه عادية ولا تملك أي كان منها معيار نجوم الأمس القريب، وما وصل إليه المنتخب مؤكدا أن صورة الكرة المغربية ضعيفة ومريضة في العمق رغم وجود المال في غياب الرجال داخل الرقعة· وما يشعرني بالإحباط أصلا، أن اللاعب المغربي في مورفولوجيته متناقض الهوية، إما أنه فنان ويفعل كل شيء بالأنطولوجية، ولكنه ضعيف البنية، ويسهل إسقاطه كما تسقط ريشة طائر، وإما أنه صلب وطويل القامة وقادر على المقاومة، ولكنه ليس فنانا في كل الأوضاع، وهذا هو ما حصل أصلا في لقاء المغرب والكامرون بعدما تلاشت عضلات الخط الدفاعي وتهاوى كليا أمام بنية إيطو وويبو وإمانا وغيرهم في الدفاع والوسط مقارنة مع بنية المنتخب المغربي التي لا يناقشها أي عارف بخبايا الفارق الجسدي قبل الأدائي والقتالي، وباستثناءات قليلة شاهدنا العلاوي وتاعرابت كبنية لائقة هما من كانا دائمي الحضور في غياب المساندة الحقيقية لوسط ضعيف في التوجه الإستراتيجي والقتالية الجاهزة، وليس لدينا وسط بنائي قادر على تفعيل والإبداع والخلق مثل (الظلمي والتيمومي، أمان الله، وغيرهم) لكون هرماش والأحمدي والشيحاني يلعبون في محور الإرتداد المطلق، وإيجاد وصناعة النجوم الوسطية في الأندية المغربية غير متوفر على الإطلاق لميزان غياب قناعة الأظهرة الدفاعية، ومتوسط الدفاع وحتى الهجوم الذي يكتسحه الأفارقة بشكل غريب داخل البطولة الوطنية· وكل هذه الإشكالات الغامضة التي تحدثت عنها لأكثر من مرة، لا يعيرها المدربون من الصغار إلى الكبار أي اهتمام يفضي بناء اختيار من هو أولى بأي دور مثقوب بالمنتخب· وهي مشكلة قائمة بالذات بكل الأندية التي تملك رقميا لاعبين في كل دور دون أن نجد من بين 32 مدافعا أيمنا و32 مدافعا أيسرا وهكذا دواليك في الوسط والهجوم أي نجم على الإطلاق نشعر أنه أقدر على احتواء الثقب ودون بديل يذكر في عنصر المنافسة على الدور، ما يعني أن إيجاد مدافع أيسر أو أيمن في البطولة من الطراز العالي هو في عداد المفقودين أصلا، ونفس الأمر ينطبق على كل الأدوار العملاقة بميزان اللاعب الكبير، وليس اللاعب العادي الذي يلعب في نظري دور الإحتياط أو الطوارئ بالأندية حاليا·· والدروس أعطتنا المثال الحقيقي بالمنتخب المحلي الذي أقصي أمام ليبيا وسيعود لاحقا في شهر مارس ليلعب كأسا إفريقية ثانية بنفس العصيان الكبير·· المشكلة إذن هي في الأندية والمسيرين والمدربين، والتأطير القاعدي ولا يمكن أن نفكر في منتخب كبير ونصنعه مطلقا في ظرف سنة أو سنتين من البطولة لأنه غير موجود للإستحقاقات القادمة، وربما سيختار مع رجل المرحلة المقبل بميزان الترابط الحقيقي مع المحترفين الأحق بحمل القميص الوطني لكون ظرفية 2012 تحتم من الآن تعجيلا سريعا باختيار مدرب كبير ذو شخصية قوية وطاقم فني جدير بالمهمة بتدبير الأفق بالعقل والحكمة وقوة السيطرة على المحيط، وجل اللاعبين الذين يتمارضون أو يعتزلون أو··· أو ··· وفي نظري، لا أعتقد أن 2012 هي الأفق بقدر ما ينظر إلى 2014 ميزانا قويا لإيجاد قاعدة جديدة من 18 عاما إلى 22 سنة مشكلة من البطولة والمحترفين دون أن نلقي اللائمة نهائيا على المحترفين لأنهم دائما أبناء المغرب، ولهم شرعيتهم كنجوم قادمة، من الجيل الحالي (بوصوفة، تاعرابت، هرماش، بنعطية، الأحمدي، حجي، الشماخ، الحمداوي وغيرهم، إضافة إلى الوجوه الصاعدة من مونبوليي آيت فانا، الكوثري واللائحة طويلة)· وهذه الدلالة بحاجة إلى مدرب مسيطر على اختياراته بصرامة (لعب ولا سير فحالك) إلى جانب الثاني في اختيار وجوه من البطولة بكل أقسامها، وليس الإقتصار على بطولة الصفوة·