الدرس العربي أيا كانت البطولة العربية التي تألق فيها المنتخب المغربي المحلي رغم ضعف مردودها الفني وغياب أقوى المنتخبات العربية إلى جانب غياب القوى الجماهيرية، وأيا كانت دلالات البطولة ذاتها التي تختلف جوهريا عن بطولة كأس إفريقيا، بضعف كبير وكبير لأبرز المنتخبات التي يقودها مدربون عالميون كالسعودية تحت إمرة مدربها الهولندي رايكار، والعراق بقيادة النجم العالمي زيكو... فالمقارنات تختلف أصلا لأن المنتخب المغربي في أزمنته الذهبية كان لا يشارك كثيرا في البطولة العربية المتناقضة في تنظيمها كمحك رئيسي إن اعتبرنا فشلها التاريخي من عام 1963 إلى الآن لم يصل سقف عشر دورات فقط بتقاطع زمني بين كل دورة قياسا مع البطولة التي نظمت عام 1966 مثلا وتوقفت بعدها إلى غاية 1985.. كما أن المغرب لم يشارك في منافساتها إلا في مناسبتين عامي 1998 ( خرج من الدور الأول) وتأهلت الإمارات بفارق الأهداف، وعام 2002 الذي تألق فيها بوصوله إلى دور نصف النهائي وخسر أمام السعودية بهدفين لصفر أي في عز تألق الكرة السعودية.. والمقارنات أيضا تصح لأن البطولة العربية الحالية هي أضعف بطولة قياسا مع غياب عيارات المنتخبات العربية (الجزائر، تونس) وحتى مصر الممثلة بمنتخبها الأولمبي.. ووصول المنتخب المغربي المحلي إلى النهائي أتى بقناع السيطرة على الضعفاء مع أنه يكتشف البطولة العربية لأول مرة وبالتنافسية المطلقة والتناغم الجماعي، كعنصر إيجابي في تملك المباريات في الرجل حتى وإن كانت على حساب منتخبات ضعيفة، وما يهمنا ليس النبش في ضعف البطولة، بل في قيمة تفاعل المنتخب المحلي طيلة المنافسات بالكتلة الإختيارية في جميع المباريات وبالأداء الرائع في سرعة اللمسة والتقارب بين الخطوط والتوظيف الجماعي للخط الهجومي رغم أنانيته وغياب الحرفية في التعامل مع الفرص الممنوحة، وهي عوامل إيجابية زكت المنتوج المغربي في أولى أزمنته الإحترافية مقارنة مع الإحتراف بالخليج العربي، كما قدمت جيلا كان يبحث عن دوليته وإيقاعه التعبوي بالتناغم الروحي للجماعة.. صحيح أنه حتى مع ضعف البطولة، كانت هناك أخطاء وهفوات في الخط الهجومي، لكن الربح الأكبر يظهر في نتائج تراكم المباريات التي استفاد منها المحليون بتوابل دولية مسبقة (المراني، الزكرومي، السليماني، بملعلم، الصالحي، بنجلوين، غريب، رفيق، البحري، عصام بادة)، أي أن توليفة جاحوح والسعيدي والمناصفي (رغم كبر سنه) والملحاوي وزيد كروش وخضروف وسفيان كادوم، قدمت الدليل على أن اللاعب المحلي مهضوم الحق في الحلم الدولي، لكنه بحاجة إلى معسكرات شهرية مع أن الدولية كما قلت مطروحة أصلا في المنتخب المحلي من خلال الوجوه التي شاركت مع المنتخب الأول، ولو أن أصل هذا المنتخب كان يفترض فيه أن يكون من رعيل 21 أو 22 عاما لاكتشاف صناع القرار في أضعف البطولات العربية، وليس المشاركة بهذا الجيل الذي يسير بعضه نحو سن الثلاثين مع استثناءات قليلة وقليلة.. صحيح أن الاختلاف بين الإحتراف المحلي والإحتراف الأوروبي يكمن في الثقافة التكتيكية والتكوين الأكاديمي، لكن بناء على منتخب البلاد لا يتطلب الإستشهاد بالبطولة العربية.. كمثال على أنها صنعت لنا منتخبا في قالبها الضعيف، بل يتطلب قدرة ناخب على توحد الإختيار الهادف الذي يصب في روح الوطنية أولا بلا محاباة وروح الفريق وروح الإنتصار، وروح فهم كل اللغات بالمحيط، ويتطلب خلق مناخب تواصلي وعلائقي مع مدربي الأندية الوطنية لحث الدوليين على التنافسية المطلقة بداية من القاعدة المفروض فيها أن ينشأ اللاعب دوليا بالإحتراف لا بالهواية. وخلق معسكرات شهرية كما كان سائدا في الزمن الذهبي.. إذ تاريخ المنتخب المغربي مثلا مع الموزمبيق يشهد له بالنصر في أدغال إفريقيا بالثلاثية من صنع احترافي محض ومزواج بين المحلي والمحترف بأوروبا، وأكثر من شارك في كأس إفريقيا1998 كان من صلب البطولة المغربية لكن بواقع حضورهم بأوروبا في أقوى الأندية العالمية، مع لفيف من المحترفين وقتها (حجي، العزوزي، الخطابي، واكيلي) وهو ما يغيب حاليا مع المنتخب المغربي المحلي الحلقة المناقضة لجيل الأمس، والمهضوم احترافيا على الصعيد الأوروبي قياسا مع ما هو موجود بالبطولة العربية بقناع منتخب مغربي من منتوج البطولة.. الدرس العربي منحنا تأشيرة ارتياح لبعض مكونات المنتخب المحلي، ونريده أن يستثمر قدراته ليكون في قيمة الأحداث الكبرى حتى يثبت أحقيته العالية إن هو راعى حلمه الدولي، وقدم رسالة قاسية للمحترفين المؤمنين بحب الوطن، لكن بشروطهم الخاصة، وهي غير مقبولة على الإطلاق. ويفترض أن يكون اللاعب المحلي آنيا ولاحقا هو الورقة المعاكسة للدولية شريطة أن يفكر في الإحتراف بأوروبا مادام يستلهم نفسه من روح العالمية والكرة الراقية بأوروبا.. لا أن يستسلم لنزواته المادية بالخليج ويفكر ذاتيا بالمنتخب وبمقارنات مختلفة بين أوروبا والخليج.