المسخ.. إن إتفقنا على أن المباراة الودية أمام أسود التيرانغا يوم الجمعة الأخير بمراكش مثلت للفريق الوطني ولمدربه وناخبه والمتحكم بلا أدنى تضييق في مصيره محكًا إختباريًا وتجريبيًا من عيار ثقيل بحكم ما أبرزه منتخب السينغال الذي غير جلده بنسبة كبيرة.. إن إتفقنا على أن المباراة لا توظف لغاية النتيجة بقدر ما تهدف إلى قياس الجاهزية، فإننا سنتفق من دون حاجة لحكم قيمة على أن هذا المحك التجريبي توغل بنا عميقا في سراديب الشك والخوف، بل إنه زاد في رسم علامات الحيرة والقلق، هذا إذا لم يكن قد أفقدنا الثقة في قدرة غيرتس على تمثل رهانات المرحلة الدقيقة والصعبة وعلى تحقيق إنتظارات شعب حزن لما رآه مجسدًا في تلك المباراة. فبقدر ما كان منتخب السينغال مطمئنًا إلى النظرة الثاقبة لمدربه السينغالي جوزيف ماري كوطو الذي لا يكلف الجامعة السينغالية عشر ما يكلف غيرتس خزينة الجامعة، وهو يعيد بناء أسود التيرانغا على أسس واقعية وعلى منهجية فنية واضحة لا تقبل بالمزايدات ولا بالدغدغة الكاذبة للعواطف، بقدر ما وضعنا غيرتس أمام مشهد دراماتيكي فضح جوانب كثيرة من القصور في فكره التكتيكي وحتى الإستراتيجي.. وعندما تخلو المباراة على غير العادة من فرص تهديفية ومن بناءات هجومية ومن جمل تكتيكية مصاغة بطريقة جيدة، عندما تضرب التوازنات ويضيع رأس الخيط وتتباعد المسافات بين الخطوط ويفتضح أمر التوظيف الأرعن للاعبين.. وعندما يتبين أن غيرتس إمثتل لأصوات قيل أنها أصوات الشعب والتي دعت إلى إقتلاع الجذور والثوابت والمغامرة بإعادة بناء الفريق الوطني في ظرف صعب ودقيق من دون أن يستحضر الثوابت المهنية والتكتيكية التي لا تنازل عنها، فإنه يعري الوجه الآخر له، وهو وجه قبيح لغاية الأسف، وجه مدرب تحول فعلا إلى بائع للوهم، إلى مدغدغ للعواطف غير آبه بما يعرض له هذا الفريق الوطني إلى نسف وقهر وعجز غريب.. وعندما نحلل عميقا هذه المباراة الودية التي عرضت الأسود لهزيمة هي الأولى لهم هنا بالمغرب أمام أسود التيرانغا، فإننا سنتوصل إلى حقائق صادمة تؤكد فداحة وضعف الحلول ووعورة المسالك التي أخذنا إليها غيرتس عن عمد أو عن غير عمد. من هذه الحقائق أن الفريق الوطني أدخل كرها إلى غرفة العناية المركزة بعد أن فقد في وقت حساس وعيه التكتيكي وهويته الفنية.. ومنها أن غيرتس قرر هروبا من المسؤولية الفكرية التي تحرض على معاكسة كل التيارات بهدف الثبات على المواقف.. قرر أن يجلب للفريق الوطني عددا من اللاعبين المحليين إخلاء للطرف.. فكان أن رمى بهؤلاء في معترك تكتيكي حطم رؤوسهم وأظهر ضعفهم وعدم قدرة أكثرهم على الوصول لدرجة الدولية، ليس هذا فقط بل إنه فجر الفريق بكامله عندما لم يقم جسورًا تكتيكية بين لاعبين يقال عنهم محليون وآخرون يقال عنهم محترفون. ومن هذه الحقائق أيضا، أن غيرتس فاقد للقدرة على بناء فريق وطني بما هو متوفر له بشريا وبما هو مرصود له بسخاء غير مسبوق من إمكانيات مادية ولوجستيكية، البناء التكتيكي الذي يعطي للمجموعة هوية فنية.. ما كان أمام السينغال يوم الجمعة شتات فريق وشتات أفكار وشتات منظومة تكتيكية.. لذلك مهما غير غيرتس من العناصر ومن الظروف، فإن النتيجة ستبقى واحدة، وهي أن الرجل أبعد ما يكون عن المدرب الذي يبدع أسلوب لعب متطابق، يحصنه ضد كل أشكال الإهتراء ويعطيه قوة مكتسبة بتنشيط جيد للمنظومتين الدفاعية والهجومية.. للأسف.. مباراة السينغال أعادتنا سنوات كثيرة للوراء...