كوتشينغ قاتل ذهبت كأس عصبة الأبطال الإفريقية مترنحة ومغلوبة على أمرها لنادي الترجي الرياضي التونسي، وفتحت أبواب مونديال اليابان على مضض لفريق الدم والذهب، ووضعت قلادة البطل على صدور سكنها الخوف حتى كاد يفرغها من أوكسجين الأمل.. بالقطع لا أقول جازما بعدم أهلية الترجي التونسي ليكون بطلا لأبطال إفريقيا، ولا أبخس إنجازه التاريخي، ولكنني مصر على القول بأن الوداد هو من قدم الكأس القارية على طبق للترجي، هو من أدخله جنان المونديال وهو من وضع التاج على رأسه، ليس لأنه فوت على نفسه فرصة تحقيق سبق إستراتيجي هنا في الدارالبيضاء عندما رضي بالخروج متعادلا من دون أهداف، وليس لأنه عاني تحت الإكراهات من غيابات وازنة وقد سقطت لعنة الإصابات على رأسه، وليس لأنه لعب لأزيد من 50 دقيقة منقوصا من لاعب، ولكن لأنه رفض أن يطابق نفسه مع طبيعة المباراة، لأنه فشل في تدبير شوطها الثاني بشكل ذكي، ولأن مدربه دوكاسطيل لغاية الأسف قلل من شأن لاعبيه، وبالغ في تقدير قدرات الترجي، فعطل للأسف حاسة القراءة العميقة وأسقط من يديه أسلحة فتاكة في عز المعركة التكتيكية.. لا يمكن أن نسقط كل التبريرات الموضوعية التي يمكن أن يقدمها دوكاسطيل في صورة ذرائع يحتمي بها لتبرير فشله في الوصول إلى اللقب الإفريقي، فقد كان صعبا عليه أن يواجه غيابات وازنة لكل من أيوب الخاليقي ومحسن ياجور، لطالما أن الشاب ياسين بونو كان في الموعد وغطى نسبيا على غياب نادر لمياغري، وكان صعبا عليه أن يتدبر التصرف الأخرق لمدافعه لمسن وهو يحصل على بطاقة إقصاء في لحظة عصيبة، ولكن مقابل كل هذا لا يمكن أن نغفر لدوكاسطيل إصراره على البقاء متلحفا بغطائه الدفاعي وعلى الإبقاء على كل الذروع الواقية، برغم كل الذي أظهره الترجي الرياضي التونسي في الجولة الثانية من وهن وخوف، حتى أنه عاد مجزوعا إلى منطقته الدفاعية يدافع أحيانا بعشرة لاعبين ولا يبني إلا في فترات متقطعة مرتدات مقطوعة النفس قطع الشاب بونو دابرها بشكل بطولي.. هالني مثل الكثيرين أن يكون دوكاسطيل قد رفض هدية نبيل معلول عندما وقف إما عاجزا أو راضيا أمام إنكماش لاعبيه وتراجعهم المهول إلى ثلث الملعب للدفاع بضراوة عن هدف الفوز واللقب، فقد توضح خلال الجولة الثانية أن لاعبي الوداد كانوا متسيدين للكرة حتى لم يعد ممكنا أن نتبين ما كان الوداد يقع تحت تأثيره من نقص عددي، صحيح أن الوداد لم تكن له خلال الجولة الثانية فرص واضحة كالتي كانت لفابريس في الجولة الأولى، إلا أن ما عطل إنتاج هذه الفرص هو أن دوكاسطيل أساء "الكوتشينغ" في الفترات الحرجة، فقد كان الوضع يوحي بنوع من المخاطرة أو المجازفة، كأن يضيف مهاجما آخر يشد عضد فابريس، إلا أن دوكاسطيل قابل ما كان يفعله نبيل معلول عندما حشد كل صوامعه الدفاعية، بأن أقدم على تغييرات لم تقدم أي جديد يذكر، فإما أنها تغييرات لمركز بمركز وإما أنها تغييرات متأخرة ولا جدوى منها كما كان الحال مع باسكال الذي لم يفهم أي منا الغاية من إدخاله في آخر ست دقائق من عمر المباراة. شخصيا عندما رحبت بالتعادل الأبيض الذي إنتهت إليه مباراة الذهاب بالدارالبيضاء، وقلت بأنه لن ينال شعرة من حظوظ وآمال الوداد في التتويج، فقد كنت مع إدراكي التام بالإنضباط الكبير للاعبي الترجي عند تنفيذهم للنهج الموضوع، أن للوداد مهارات فردية خارقة يمكن أن تخرج لاعبي الترجي من توازنهم النفسي وتحرقهم بملعبهم وأمام جماهيرهم بشهاب الضغط، لولا أنني وإياكم إكتشفنا هناك في رادس مدربا لا يحسن قراءة ما يأتي به خصمه، وما يستطيعه لاعبوه وما يوجد من ذرر في دكة بدلائه.. طبعا لا أنصب دوكاسطيل مسؤولا وحيدا عن ضياع اللقب الإفريقي، فقد كان هناك مسؤولون آخرون عن الإخفاق، من قبل أن لا يكون للوداد حارس مرمى ثالث مسجل في اللائحة الإفريقية، ومن قبل أن لا تكون الإنتدابات التي أنجزت الصيف الماضي قد خضعت لمنطق التوازن، فلا يستحيل مثلا أن يجد الوداد بديلا حقيقيا للسقاط المنتقل للإحتراف بفرنسا، ولا يستحيل عليه أيضا أن يجهز بديلا حقيقيا للاعبين غيبتهم الإصابة مثل أيوب الخاليقي ومحسن ياجور.. وإذا كان لزاما أن لا نبخس الوداد حقه في التهنئة على وصوله إلى المباراة النهائية لعصبة أبطال إفريقيا بعد تسع سنوات من الإنتظار، حيث سقط الرجاء في سيناريو متشابه أمام الزمالك المصري، فإن التشوف بتفاؤل وبثقة إلى المستقبل يفرض أن نوجه كل الأندية المغربية المقبلة على المشاركة في المنافسات الإفريقية إلى تقدير إمكانياتها الذاتية، البشرية على الخصوص والحصول على ما يكفي من زاد معنوي وعتاد بشري لمواجهة كل مخاطر الرحلة، وأول هذه الأندية المغرب الفاسي الذي سيبدأ نهاية هذا الأسبوع الفقرة الأخيرة في ملحمة الكاف من تونس عندما يواجه النادي الإفريقي. --------------- وضع غيرتس نفسه بين المطرقة والسندان كحال أي مدرب يرتبط مصيره ومصير عمله بالنتائج، أما السندان فكان هو ضرورة إخضاع قطع الغيار للمحك الإختباري الصريح الذي يكشف عن حدود إمكانياتها للقول بأهليتها أو عدم أهليتها، وأما المطرفة فهي الهزيمة التي إن سقطت أحدثت طنينا قويا أربك المعنويات وضرب النفسيات.. وإن كان غيرتس قد حاول التقليل من آثار الهزيمة أمام أوغندا بالقياس مع ما أجابت عنه المباراة من أسئلة ساخنة، إلا أن العنوان الأبرز لثاني مباراة يخوضها الفريق الوطني أمام أوغندا ويخسرها كما كان الحال مع الأولى قبل 33 سنة هو أن غيرتس ربما نجح في وضع يده على الفريق الأساسي وعلى النواة الصلبة، إلا أنه ما زال بعيدا عن أن يكون قد بنى مجموعة يتماثل فيها الأساسيون مع البدلاء، مع أن كأس إفريقيا للأمم باتت قريبة منا.