فرحة العمر لم تكن مباراة بانغي بسيناريوهها الغريب لتغادر المخيلة والأسود يدخلون موقعة تانزانيا الحاسمة، كان هناك ما يشبه الإحساس بأن التاريخ قد يعيد نفسه ويجد أسود الأطلس أنفسهم أمام خصم غير تانزانيا، الحظ العاثر والفرص المهدرة إما لعدم التوفيق وإما لرعونة في وضع ختم الأمان على جمل تكتيكية تصاغ بطريقة جميلة. كان أسود الأطلس يملكون مصيرهم بين أيديهم، لذلك شمروا على ساعد الجد وباشروا مباراة تانزانيا بذات الأسلوب الذي باشروا به مباراة بانغي أمام إفريقيا الوسطى، إنتشار جيد، ضغط متقدم واعتماد صريح على اللمسة الواحدة . ومن البداية أشعرنا منتخب الجزائر بالأمان وهو يوقع بشكل مبكر هدفه الأول في مرمى إفريقيا الوسطى، ولكنه أمان موضوع بين أكثر من معقفة واحدة، فقد كرر الفريق الوطني ولو بصورة مختلفة بعض الشيء ما فعله أمام إفريقيا الوسطى ببانغي، إستحواذ كامل على الكرة، إختصار جيد لمساحات الملعب، وإعمال ذكي للمهارة الفردية والجماعية في توزيع الكرات، ما أرغم التانزانيين على الإلتصاق بمنطقتهم في دفاعية شبه مطلقة. وتوالت الفرص السانحة للتهديف من عادل تاعرابت، من مروان الشماخ وأيضا من بوصوفة وأسامة السعيدي من دون أن يأتي الهدف. وحررتنا نسبيا جملة تكتيكية ذات دقة متناهية عندما توغل أسامة السعيدي في منطقة كان سيدها بامتياز فأسقط كرة نحو رأس مروان الشماخ الذي سجل هدف التحرر من ضغط كبير، فقد كان هناك خصم ثقيل وشرس هو هذا الحظ الذي يعاكس كل الفرص فولدت واحدة أعطت هدفا قيصريا. بالطبع كان الفريق الوطني في قمة توازنه وفي قمة إحساسه بالمسؤولية وأيضا في قمة الصراع مع جبروت الضغط النفسي، بخاصة وأن هذا الجمهور الكرنفالي كان يحلم بعيد شبيه بذاك الذي كان شهر يونيو الماضي أمام منتخب الجزائر.. ولأن الفريق الوطني عجز عن الوصول بواقعية الأداء إلى الذروة فيحسم الأمور سريعا لوجود فارق كبير في المؤهلات الفردية والجماعية، فإن كرة القدم ستقلب له ظهر المجن، من هجوم وحيد ومعزول سيتمكن التانزانيون من توقيع هدف التعادل بطريقة ولا أجمل وأيضا بما يقول أن كرة القدم لا تعترف بمنطق القياسات العلمي، فالفريق الوطني سجل هدفا من سبع فرص سانحة والمنتخب التانزاني سجل من فرصة وحيدة.. ومع عودة المباراة لنقطة الصفر، كان منتخب الجزائر قد أجهز على إفريقيا الوسطى بهدف ثان، ما كان يقول بأن الفريق الوطني سيضمن تأهله إن بقي الحال على ما هو عليه، فهل كنا سنقبل بالمجازفة؟ كان لا بد وأن يقرأ أسود الأطلس جيدا رسالة الشوط الأول، فيختاروا لجولتهم الثانية حبكة تكتيكية مختلفة تعطي للتفوق الميداني الواضح بعدا جديدا وجلبابا تكتيكيا مختلفا، لذلك حرص اللاعبون بتوجيه من غيرتس على أن يأخذوا كامل وقتهم لطبخ الفرص على نار هادئة فلا يصلوا لمنطقة الحقيقة منهكين ومرهقين ومستنزفين ذهنيا، لذلك سنجد أن الجولة الثانية أعطت للفريق الوطني ما كان يريده بأقل فرص ممكنة فقد سجل عادل تاعرابت على طريقة الكبار من كرة ثابثة ونحن من تعامل بنوع من الرعونة من كثير منها، ثم سجل امبارك بوصوفة من كرة سددها نحو الزاوية البعيدة وكان بالإمكان أن تكون الحصة أكبر لو جرى إستثمار الفرص الأخرى بشكل آخر.. وإذا كان لزاما أن نستحضر والفريق الوطني يضع خاتمة سعيدة لمشواره الإقصائي بالعودة مجددا إلى الأدوار النهائية وهو الذي غاب عنها قبل سنتين بأنغولا، فإنه من الضروري أن نربط ما كان بالأمس مع ما هو كائن اليوم، بين فريق وطني متصدع بدأ مشوار التصفيات بتعادل قبيح هنا بالمغرب أمام إفريقيا الوسطى وبين فريق وطني معافى، واثق من نفسه، مشى ملكا نحو غايته، وفي هذا الإنقلاب النوعي ما يؤكد بوجود لمسة للمدرب غيرتس الذي كان صاحب فضل كبير في إخراج الفريق الوطني من غيبوبته بأن نظف العرين وبأن أقصى كل الأورام وبأن طابق اللاعبين مع قدراتهم ومقدراتهم.. وأنا على يقين من أن الفريق الوطني وهو ينجز أول مهمة في زمن الإنعتاق بالتأهل إلى المونديال الإفريقي، سيواصل الإرتقاء بأدائه الجماعي ليكون بعد أربعة أشهر من الآن في قمة أدائه عندما يدخل الأدوار النهائية مراهنا عليه من قبل الجميع لوجود عمالقة كثيرين خارج هذه الأدوار. نفرح بالتأهل عنوانا لعودة الروح، ونسعد بأن الفريق الوطني صالحنا مع الأعياد، ولكن ما ينتظر غيرتس ولاعبينا من عمل يوجب مزيدا من التركيز ومن الإصرار لأن بالإمكان أن يصنع أسودنا أفضل مما صنعوه حتى الآن.