أحسسنا بولادة ثانية بعد الفوز التاريخي على الجزائر نملك أفضل جمهور على مستوى العالم أعتز بوطنيتي وانتمائي للمغرب مشدود بوثاق لن تنال منه الشائعات لن يركبني الغرور بما ألامسه من إشادة لأن طموحاتي تتجدد كل يوم نحتاج لقراءة واقعية بعد أسبوع أسطوري من الإحتفال
قد يصلح اللاعب ليكون نموذجا لليائسين.. قصته درس كبير للذين يركبون العدمية فيغتالون أحلامهم حتى قبل أن تولد.. في الضاحية الصغيرة بفرنسا كليرمون عاش المهدي بنعطية إحباطات بالجملة، وكل مرة كان يلامس في نفسه القدرة على ركوب صهوة التحدي، كان يصطدم بمن يسفه فيه القدرة على تشييد جسور الإنطلاق هاته. مارسيليا التي كانت أقرب إليه من حبل الوريد لم تقدر موهبته حق قدرها، وكل فرق الليغ 1 أدارت ظهرها لمدافع من طينة العمالقة، قبل أن يختار التمرد والتحليق بأشرعة التحدي بعيدا لحيث الجنوب وبالضبط بإيطاليا أين يولد الكبار. بنعطية يعيد فلسفة الإنتصار الأنطولوجي المحقق بمراكش أمام منافس استثنائي، يتحدث عن قيمة الفوز وكيفية استثماره ويعرج لنقطة أثارت فيه ردة فعل قوية تتعلق بالشائعات المرتبطة بإعلام جزائري رافض للتصديق أنه ضاع في فتى يتكلم كما يتنفس بالمغربية. تابعوا قصة الفوز الملحمي بلسان نجم الليلة الأسطورية الأول المهدي الذي انتظرناه، وبنعطية عطية السماء للأسود. - المنتخب: قد تكون التهنئة أقل بكثير أو لا تستوفي قيمة النصر الكبير الذي تحقق أمام الجزائر، أي لفظ ترى أنه يلائم قيمة ما تحقق بمراكش؟ المهدي بنعطية: أظن لأنها كلمة تهنئة لكن في مدلولها الشامل الذي يعني كل الشعب وليس الجمهور المغربي فحسب، لأنه منذ اللحظة الأولى أيقنا أنها مباراة مطبوعة بنفحة خاصة مغايرة عن كل اللقاءات التي خضتها شخصيا رفقة المنتخب الوطني.. لقد كان فوزا بطعم خاص وانتصارا ولا أحلى، لم يكن سهلا أن تتقبل حجم التفاعل الذي لامسناه بعد المباراة، كما لم يكن واردا أن نحبط عزيمة جمهور متحمس ظل طيلة أسبوع المواجهة يجدد بطارية التعبئة بلا كلل ولا ملل. - المنتخب: تجزم أنت إذن بالطبيعة الإستثنائية للمباراة؟ المهدي بنعطية: هذا لا شك فيه، وهي حقيقة بادية للعيان وللجميع ولا يمكن إنكارها، عادة لقاء بهذه الخصوصيات ويحمل طبيعة الديربي يكون مشحونا بمؤثرات خاصة فما بالك إذا كان منتخب الجزائر طرفا فيه، أقول هذا ليس للرمز لأشياء خاصة، لكن لعكس أشياء لإبراز الشعور الذي ظل الجميع يحس به منذ لقاء عنابة وهو رد الإعتبار بعد خسارة أعود لأكرر أننا لم نكن نستحقها.. إذن الثأر بمفهومه الرياضي كان حاضرا خلال المواجهة، وحين تنضاف جزئية بهذا الثقل لمباراة من هذا النوع فالأكيد أنها تصبح غير عادية بالمرة. - المنتخب: هل كان طيف لقاء الذهاب حاضرا برغم إنصرام كل هذه المدة؟ المهدي بنعطية: بطبيعة الحال وإن كان مسموحا لي أن أتحدث عن وضعي الخاص فشخصيا لم أطو صفحة هزيمة عنابة إلا بعد التأكد من انتصارنا بأربعة أهداف.. هذه الأمور يحس بها اللاعب الذي أيقن أنه ضاعت منه أشياء بالشمتة. - المنتخب: هل كنتم تتوقعون مباراة بالسيناريو الذي انتهت به وبتلك الحصة؟ المهدي بنعطية: مطلقا لا، الأمور سارت على النحو الذي إرتضيناه، لن أكون مبالغا وكاذبا وأجزم بأن الحظ لم يكن له دوره هنا، ليس على صعيد الإنتصار، لكن في الأجواء التي خلقها والتي كانت كلها لصالحنا، بدءا من مكان المواجهة والذي كان لوحده كافيا ليحفز المجموعة ويترك وقعه على الكل وانتهاء بالحضور القياسي والكبير للجمهور المغربي، وحين دخلنا ساعتين قبل اللقاء للإستئناس بالطقوس الموجودة تقوى لدينا الشعور بأنه أعظم جمهور في العالم ويستحق منا مكافأة على النحو الذي يليق به. - المنتخب: الإنتصار وبالأربعة، هل أشفى الغليل نسبيا خاصة وأنك قلت بأن صورة الذهاب لم تبارح مخيلتك؟ المهدي بنعطية: الطريقة أهم بكثير من النتيجة، لأنه في كرة القدم من الممكن أن تفوز لكنك تحس بأنك أخذت شيئا لا تستحقه وسرقته من المنافس، لقد كانت الطريقة والتفاعل مع الجمهور إضافات أعطت للإنتصار قيمة أكبر وهذا لا يتكرر كل يوم.. ستبقى اللحظات محفوظة بالذاكرة زمنا طويلا. - المنتخب: ناذرا ما شاهدناك تعبر عن فرحتك بتلك الطريقة؟ الأولى عند تسجيل الهدف والثانية بحمل العلم الوطني بعد المباراة، هل كنت بصدد إرسال رسائل معينة؟ المهدي بنعطية: رسائلي أوجهها عبر الملعب بالإخلاص في الدفاع عن القميص الوطني والإستماتة في التأكيد على أنه اختيار القلب والعقل وكل الأشياء.. حملي للعلم الوطني كان عفويا ولست في حاجة كي أرفع راية المغرب لأؤكد أني مغربي حتى النخاع، أنا كذلك لأن ما يشدني لهذا الوطن لا تحركه شائعات يروجها من لم يتقبلوا الأمر الواقع. - المنتخب: تقصد الإعلام الجزائري، لقد ظلت أقلام تنقل على لسانك تصريحات مزعجة أحيانا؟ المهدي بنعطية: شخصيا لم أتشرف بزيارة الجزائر سوى مرة واحدة وقد كانت لخوض لقاء ذو طبيعة خاصة ولم يكن الوقت متاحا أمامي للإنخراط في أي حديث هامشي كما لم يكن واردا أن أسقط في متاهة البوليميك الذي يريده بعض من صحافييهم، لذلك تفاجأت بما تم نسبه إلي وأيقنت بأنه كان موجها لزعزعة استقراري، فكان لا بد من إدارة الظهر لهذه الموجة. - المنتخب: هل لأن أمك من الجزائر، أم لاعتبارات أخرى؟ المهدي بنعطية: لا أدري هم من يملك الجواب، كانت بعض أسئلتهم تصب في سياق، لماذا إخترت المغرب مثلا وليس الجزائر؟ وجوابي كان صريحا ومفهوما لا يحتاج لمن يزيل اللبس عنه وهو أني مغربي من خصلات شعري حتى أخمص القدمين وانتهى الأمر. - المنتخب: أكيد أنه كانت أجواء خاصة في مستودع الملابس بعد الإنتصار الكبير، أليس كذلك؟ المهدي بنعطية: بطبيعة الحال، لقد كانت هناك عبارات ثناء من المدرب غيرتس وشكر للمجموعة التي صنعت الحدث وكان هناك شبه إجماع على أن ولادة ثانية قد أنجزت للفريق الوطني، وعلى أنه وضعنا القدمين على السكة الصحيحة. - المنتخب: على ذكر غيرتس، ما هي الآليات الجديدة التي حملها معه للأسود؟ المهدي بنعطية: ككل مدرب له مناهجه، أظن أن الموسيو غيرتس يضع إطارا خاصا في تعامله مع المجموعة، إنه بشخصية قوية ولا يجيد المجاملات.. مدرب يعرف كيفية بلوغ ما يسطره من أهداف والأكثر من هذا يملك حدسا موفقا، لقد ظل واثقا من أننا سنفوز وبطريقة مقنعة واشتغل مع اللاعبين على أساس ترجمة توقعاته لواقع وهذا واحد من نقاط القوة عنده، لذلك أنا أحترم هذه العينة من المدربين. - المنتخب: هل سنواصل بنفس إيقاع الفرحة، أم أنك تملك تصورا مغايرا لتدبير الفوز؟ المهدي بنعطية: لا، المسألة تختلف عندي ونظرتي للأمور مغايرة، علينا التسلح بعزيمة أقوى والتأكد من أن الضغط سيزداد على المجموعة، لأن هذه المباراة ستصبح مرجعية وستصبح واجهة مطلوب أن تتكرر ومرات عديدة.. من الآن علينا أن نستعد للقاء إفريقيا الوسطى لأنه مفتاح التأهل، وهي المباراة التي ستكون بمثابة المعيار الذي يقيس قوة واستقرار أدائنا.. لقد كان أسبوعا أسطوريا واللاعبون إستشعروا قيمة الإنجاز ويستحيل أن نعود مجددا لمرحلة الشك التي داومنا عليها خلال السنتين الأخيرتين.. نقول عادة أسبوع واحد للعسل يكفي. - المنتخب: أجمع الكل على أنك كنت الأفضل في اللقاء، ماذا يمثل لك ذلك؟ المهدي بنعطية: أنا شخص لا أفضل التغني بالإنجازات الفردية خاصة حين تكون المجموعة إنتحرت لأجل تحقيق غاية تمثل للشعب تحديا، أشكر كل من وافق اختياره ما قلته وأنا مدين في كل شيء للجمهور المغربي الذي غمرني بحب جعلني لا أشك كما لا أندم للحظة واحدة على اختياري وهذا من فضل الله. - المنتخب: الإختيار أملته أشياء كثيرة منها الأداء المنتظم والموفق وكذلك القدرة على الخروج بالمباراة من رتابة التعادل لحيث الفوز بهدفين متم الشوط الأول بإسهام كبير منك؟ المهدي بنعطية: وأنا أرجع كل ذلك لتركيزي الكبير قبل وأثناء المباراة، قلت لك أن الأجواء المحيطة بها تخلق حافزا كبيرا لكل لاعب وتجعل منه مثل الإنتحاري الذي يدخل مهمة وعليه الوفاء بها. لقد سعدت بالمردود خاصة في لقاء بهذه الخصوصيات وصدقني لم أكن أضع في الإعتبار قبل المواجهة أن يأتي السياق على النحو الذي انتهى إليه سيناريو اللقاء. - المنتخب: بعد سنتين مع الفريق الوطني والإنطلاقة الكبيرة التي حققتها، هل تغيرت أشياء داخل بنعطية؟ المهدي بنعطية: أبدا، ولن يكون هناك مجال لتغيير أشياء بداخلي، كل مرة أتلقى من خلالها الدعوة يتجدد عندي الطموح وأعتبرها المرة الأولى.. المسالة مرتبطة بقناعات ومبادئ راسخة عندي، لا أغتر بالنجومية كما لا أتغير بتغير الوضع، سأظل ألعب بنفس القتالية وبنفس الحماس والأهم بنفس التواضع كلما شملتني الدعوة للحضور مع الفريق الوطني. - المنتخب: كلمة أو وصف القيصر الجديد كخليفة للاعب كبير مثل نيبت، ماذا تجسد للاعب في مثل سنك؟ المهدي بنعطية: أووووه؟ المسألة فعلا تشعر بالفخر، والمدافع نيبت أعطى الشيء الكثير للمنتخب الوطني وأنا أتمنى أن أمشي على خطاه وأن أصنع إسما وطابعا خاصا بالمهدي.. أتمنى أن أحقق رفقة الجيل الجديد إنجازا يظل راسخا في مخيلة الفريق الوطني. - المنتخب: هل ستواصل رفقة أودينيزي بعد موسم موفق ورائع؟ المهدي بنعطية: أنا الآن في فترة استرخاء وتأمل، لقد كان موسما شاقا والقرارات المتسرعة أحيانا تكون غير موفقة، لنترك الأمور المتعلقة بالمستقبل للأسابيع المقبلة، أنا لاعب مرتبط بعقد وإن كانت هناك عروض جادة وأكثر تجسيدا لطموحي سأرحب بها بعد دراسة متأنية. - المنتخب: المهدي، نختم معك الحوار بسؤال مرتبط بمدى رغبتك في التأكيد على أن هناك من لم يقدر قيمتك بفرنسا وأنك بصدد الرد ميدانيا، هل هذا صحيح؟ المهدي بنعطية: ممكن أن يكون كذلك، لقد مررت من مراحل في غاية الصعوبة في بداية المشوار لم يكن سهلا تسلق الجبال وبلوغ قمة الهرم دون مجهود، كنت في العديد من المرات وأنا أشاهد بعض اللاعبين الذين أتوفق عليهم في الموهبة أتساءل عن نسبة الحظ في صناعة النجومية، ما أجنيه اليوم هو ثمرة الكفاح والجدية والمثابرة في العمل، لا أفكر في الماضي وأملك من الطموحات أشياء كثيرة ودائما أقول أن الأفضل لم أعشه بعد لأجدد الحماس والإبقاء على نفس العزيمة..