رغم بلوغ كرة القدم الإفريقية القمة عالميا على مستوى فئتي الشبان والفتيان (غاناونيجيريا) ونيلها لقبين أولمبيين (نيجريا في 1996 والكاميرون في 2000) لم يكتب لها في أحسن الحالات تجاوز عتبة ربع النهاية في منافسات كأس العالم على مستوى الكبار. في سجل المشاركة الإفريقية في نهائيات كأس العالم لم تبلغ الكرة الإفريقية دور ربع النهاية إلا في ثلاث مناسبات سنوات 1990 في إيطاليا (الكاميرون) و2002 في كوريا الجنوبية واليابان (السنغال) و2010 في جنوب إفريقيا (غانا). وفي المونديال البرازيلي (12 يونيو - 13 يوليوز) شاركت خمسة منتخبات إفريقية، وهي نفس المنتخبات التي شاركت في مونديال جنوب إفريقيا قبل أربعة أعوام، وهو إنجاز غير مسبوق، تأهل اثنان منها، ولأول مرة في تاريخ المشاركة الإفريقية، لدور ثمن النهاية (نيجيريا والجزائر)، لكن أيا منهما لم يفلح، أمس الاثنين، في تجاوز هذا الدور، بخسارة الأول 2-0 أمام منتخب فرنسا بطل العالم عام 1998، والثاني أمام منتخب ألمانيا بطل العالم ثلاث مرات سنوات 1954 و1974 و1990 بحصة 2-1 بعد الاحتكام إلى الشوطين الإضافيين (0-0 في الوقت الأصلي). فمنتخب نيجيريا خاض منافسات دور ثمن النهاية للمرة الثالثة بعد دورتي 1994 بالولايات المتحدةالأمريكية و1998 بفرنسا، فيما بلغ المنتخب الجزائري هذا الدور لأول مرة في رابع مشاركة له والثانية على التوالي، ليصبح بذلك سادس منتخب إفريقي بعد منتخبات المغرب والكاميرون ونيجيرياوالسنغالوغانا، وثالث منتخب عربي يحقق هذا الإنجاز، بعد منتخبي المغرب عام 1986 بالمكسيك والسعودية عام 1994 بالولايات المتحدة. وكان منتخب "النسور الممتازة" تأهل للدور الثاني على الرغم من خسارته أمام منتخب الأرجنتين 3-2 في الجولة الثالثة من منافسات المجموعة السادسة إذ تعادل مع المنتخب الإيراني 0-0 وفاز على منتخب البوسنة والهرسك 1-0. ويحسب لنجم الفريق السابق ومدربه الحالي ستفيان كيتشي، الذي قاده للفوز بكأس الأمم الإفريقية العام الماضي في جنوب إفريقيا، كونه أول مدرب إفريقي يؤهل فريقه للدور الثاني، ذلك أن جميع المدربين الذين كانوا وراء بلوغ منتخباتهم هذا الدور كانوا من خارج القارة الإفريقية بدءا بالبرازيلي الراحل المهدي فاريا الذي قاد "أسود الأطلس" إلى الدور الثاني لأول مرة في تاريخ المشاركة الإفريقية في المونديال، بعد تصدرهم مجموعتهم بفوزهم على منتخب البرتغال 3-1 وتعادلهم مع منتخبي إنجلترا وبولونيا بدون أهداف. أما منتخب "الخضر" فيعتبر بلوغه الدور الثاني في حد ذاته إنجازا بقيادة المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش الذي حطم أرقاما قياسية بعد سنوات عجاف صام فيها المنتخب الجزائري عن التهديف أو تحقيق الفوز في أي مباراة في كأس العالم. وأنهى المنتخب الجزائري الدور الأول في المركز الثاني برصيد 4 نقاط خلف منتخب بلجيكا الذي حقق العلامة الكاملة (9 نقاط من 3 مباريات) حيث خسر "الخضر" أمام منتخب بلجيكا 2-1 وفازوا بحصة عريضة على منتخب كوريا الجنوبية 4-2 وتعادلوا مع منتخب روسيا 1-1 . بيد أن منتخب "المنشافت" بخر حلم الجزائريين في بلوغ دور ربع النهاية بفوزه على زملاء الحارس المتألق بولحي بصعوية 2-1 ، ليرد بذلك الاعتبار لهزيمته أمام زملاء رابح مادجر بالحصة ذاتها في مونديال 1982 بإسبانيا. وكان المنتخب الجزائري سابع منتخب إفريقي يواجه المنتخب الألماني في نهائيات كأس العالم، علما بأن أول مواجهة كانت للفريق الألماني (ألمانيا الغربية سابقا) مع الفريق الوطني المغربي في مونديال 1970 بالمكسيك حيث عانى الأمرين قبل أن يتمكن من الفوز بصعوبة على أصدقاء العميد إدريس باموس 2-1 (هدف جرير حمان) ليضربا موعدا في مكسيكو 1986 لكن هذه المرة في الدور الثاني، وبعد جهد جهيد لم يتمكن الفريق الألماني من الخلاص إلا في الأنفاس الأخيرة من المباراة بقذيفة خادعة من رجل الماكر لوثر ماتيوس. وسجل منتخب الكاميرون، صاحب السبع مشاركات في كأس العالم، أسوأ حضور له بعد خروجه المبكر حتى قبل أن يسدل الستار على مباريات مجموعته بحصده ثلاث هزائم متتالية أمام منتخبات المكسيك 1-0 وكرواتيا 4-0 والبرازيل 4-1 . وكان منتخب الأسود العصية الترويض، التي بدا أنها أصبحت وديعة، أول منتخب إفريقي يبلغ دور ربع النهاية في كأس العالم عندما قاده نجمه الفذ روجي ميلا للفوز على منتخب الأرجنتين في المباراة الافتتاحية، ثم على منتخب رومانيا فكولومبيا في دور ثمن النهاية قبل أن ينهزم بصعوبة في الوقت الإضافي أمام منتخب إنجلترا في دور الربع 2-1. وقد أثارت المشاركة المذلة للمنتخب الكاميروني في المونديال البرازيلي ردود فعل قوية في الأوساط السياسية والرياضية في الكاميرون، التي اعتبرتها وصمة عار، فأمر الرئيس بول بيا رئيس وزرائه بفتح تحقيق حول هذا الإقصاء المهين والظهور الباهت لمنتخب بلاده. وكان المتتبعون للشأن الكروي الكاميروني يتوقعون مثل هذه المشاركة المخيبة للآمال جراء المشاكل التي سبقت المونديال ومنها ظهور تكتلات في صفوف الفريق بقيادة ألكيس سونغ من جهة وصامويل إيطو من جهة أخرى وشد الحبل بين أعضاء الفريق والجامعة الكاميرونية لكرة القدم أو ما أصبح يطلق عليه "حرب المكافآت" التي باتت تطفو على السطح كلما اقترب موعد تظاهرة كبرى قارية أو عالمية. وأبى منتخب غانا إلا أن يحذو حذو نظيره الكاميروني من حيث تواضع النتائج ناهيك عن السلوك اللارياضي لبعض اللاعبين أمثال كيفن برينس يواتنغ وعلي سولي مونتاري اللذين أبعدتهما الجامعة الغانية لكرة القدم بعد تصرفهما اللاأخلاقي إزاء مدرب الفريق وأحد أعضاء الجامعة. وما كان من عميد الفريق ومدربه إلا الاعتذار للجمهور الغاني بعد الخروج من الباب الضيق في مونديال بلاد الصامبا. فقد خسر المنتخب الغاني مباراته الافتتاحية أمام منتخب الولايات المتحدة 1-2 وتعادل مع منتخب ألمانيا 2-2 قبل أن ينهزم أمام المنتخب البرتغالي في المباراة الثالثة والأخيرة 1-2 عن المجموعة السابعة. ونتيجة لذلك قرر الرئيس الغاني جون ماهاما تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب خروج منتخب بلاده من الدور الأول، وهو الذي كان قاب قوسين أو أدنى من بلوغ المربع الذهبي في مونديال 2010 في جنوب إفريقيا. وقال ماهاما "نحن في حاجة إلى تشكيل لجنة لتسليط الضوء على مشاركة منتخب غانا في كأس العالم والتدقيق في مسار الأمور منذ البداية وحتى النهاية"، داعيا، في ذات السياق، إلى إعادة بناء منتخب جديد للنجوم السود. وكان لاعبو المنتخب الغاني امتنعوا عن خوض التداريب مطلع الأسبوع الماضي احتجاجا على عدم توصلهم بمستحقاتهم المالية، قبل أن تسوي الحكومة الغانية المشكل وسط الأسبوع بعد تدخل مباشر من رئيس الدولة. من جهته، أهدر المنتخب الإيفواري فرصة ثمينة للتأهل لأول مرة إلى دور ثمن النهاية، في ثالث مشاركة له على التوالي، بخسارته مباراته الثالثة عن الدور الأول أمام المنتخب اليوناني حيث كان الفريقان متعادلين حتى الدقيقة الثانية من الوقت بدل الضائع، لكن اللاعب البديل جيوفاني سيو أهدى الفريق المنافس ضربة جزاء قاتلة سجل منها المنتخب اليوناني هدف الفوز 2-1 والتأهل. ومباشرة بعد نهاية اللقاء قدم الفرنسي صبري لموشي استقالته من تدريب "الفيلة" ليسدل الستار بذلك على مشوار جيل ذهبي من نجوم كبار في مقدمتهم ديديي دروغبا ويحي توريه، أحسن لاعب في إفريقيا سنة 2013، لكنه جيل، كما قالت الصحافة الإيفوارية، "تلاحقه اللعنة"، لتنضاف بذلك كبوة المونديال البرازيلي إلى نكسات كأس إفريقيا للأمم.