رجاء فاخر قد لا تكون هي الأفضل في الإستعراض كما عرفها عشاق الإمبراطورية فيما مضى وكما راهن عليها الشعب لتصبح صوته وعلامته في الجودة وفن الترويض، كما قد لا تكون هي الأكثر جاذبية في الثلاثة عقود الأخيرة بعد أن شق جيل الثمانينات أخاديد فرجة بلا حدود أكسبته تقدير حتى ألذ الخصوم، ومارس التسعيني سطوته المعلومة بالسداسية الشهيرة، قبل أن يرسم جيل الألفية أول لوحة بيعت في مزاد العالمية بأعلى الأسعار.. قد يحدث التوافق على أن الجيل الحالي للرجاء بهويته المستقلة عن كل ما سبق، قد لا يرقى لقيمة كل الذين عبروا من ذات القلعة في الجمالية والإبداع والإيثار الكبير الذي جعل الرعيل الأول على وجه الخصوص، يدير ظهره للتوشيحات بأريحية مطلقة، مفضلا الأداء الطروب واللمسة الجميلة، لكن ما هو مؤكد أيضا والمنصف لجيل الخضراء الحالي هو أنه الأكثر قوة في ميزان النجمية، والأكثر ثقلا في السيرة والرصيد، لذلك تستحق رجاء هذا الموسم و بفضل الديباجة التي أوجدها حنات أكثر من وقفة. الترنيمة الرجاوية الحالية، هي حصاد لطبخة موسيقية تهيأت على نار حامية في الصيف، والفضل كله يعود لثورة سبقت كل ثورات هذه الأيام والمعلنة من أصغر مرشح على مدار التاريخ للظفر برئاسة ناد من أهم النوادي، محمد بودريقة الذي تجرأ على لعب أوراقه داخل برلمان أخضر لم يتعود على انقلابات من هذا النوع، والشاب قبل بدخول لعبة الروليت الروسية بكلفتها الباهضة وبكتابه الأخضر المختلف عن ذلك الموجود في طرابلس. جسارة وجرأة حرضت حنات المحسوب على صف المحافظين على استنفار الحواس، على مجاراة الإيقاع وعلى الوفاء بوعود لم يألف صناعتها في ماضيه القريب، والحصيلة أرمادة من النجوم راهن الكل على أنها ستشكل الوبال على القلعة وقد تهدد الصرح وتحرق كل من يقترب منها، وأول العابرين من الصراط كان هنري ميشيل الراحل بسياط الإكراه لعجزه عن تقليم مخالب نسور جارحة. ومن يشاهد اليوم الرجاء مع محمد فاخر ومن يمعن جيدا في العزف الموحد بلا نغمة نشاز، فإنه لا يثيره بالمطلق الأداء حتى وإن زاوج بين الواقعية والجمالية في لحظات ما، يأخذه النظام العسكري الذي فرضه مدرب يجعل من خاصية الضبط والربط أولى أدبيات التعامل والدخول في منظومته.والخارج عنها مارق لا مكان له حتى وإن كان مارادونا زمانه. رجاء فاخر تغيرت كثيرا وأهل الخضراء الأدرى بشعابها يعلمون هذا جيدا، ويعلمون ما استطاع الرجل بلوغه في ظرف وجيز، وكيف أوجد الوصفة السحرية التي حكمت على الكل بدخول الصف مهما كان تاريخه مع التمرد والعصيان مشعا وكبيرا.. من الطير لمتولي فالصالحي والسليماني وكل الآخرين الذين شكلوا فيما مضى عنوانا لإنفلاتات بصيغ مختلفة، ومن الرباطي للمباركي فأبوشروان وبقية الرواد الذين جايلوهم وعادوا للعش الأخضر رغم أنفهم أم طيعين، لم يكن سهلا دمجهم ومراضاتهم في الوقت ذاته وبالطريقة ذاتها ،إلا فاخر الذي تمكن من بلوغ المسعى بكامل الحرص على وحدة الصف وإشاعة ميزان العدل الذي لا يفرق بينهم إلا بتقوى العمل. رجاء فاخر الذي جمع عصارة 10 سنوات غنية من المراس والألقاب الثقيلة، وكأني به كان مجندا في فيالق بعيدة عن الفريق الذي قدمه للعالمين، كي يعود له بالذخيرة الحية والعتاد الغليظ ليحارب في جبهة الخضراء هذه المرة ويعيد التوازن لمحيطها.. قلت هذه الرجاء بمعية الوداد لا نريدها كاسحة ألغام في بطولة قد تدين بالولاء لأحدهما أحيانا حتى دون أن يستنفر طاقاته، وإنما الرجاء التي نتوسم فيها كل الخير في عصبة ممهدة للعالمية التي كان الخضر أول من طرق بوابتها بصفته الإفريقية الصرفة. فاخر الذي تعهد بسداد الدين على أكتافه للخضراء في منتهى العرفان للحضن الأول، أكيد أنه كان يقصد ما هو أكبر من مجرد بطولة ذاق حلاوتها فيما مضى ولأكثر من مرة، الدين الثقيل الذي يتعين على فاخر الوفاء به هو العصبة الإفريقية المجيدة، فلا مازيمبي أفضل منه ولا الأهلي حافظ على هويته المرعبة ولا حتى التوانسة بأفضل حال، لو يحقق فاخر رهانه هذا فالمؤكد حينها سيكون قد سدد الدين وفوقه الفوائد،وأكبر هذه الفوائد هي التأكيد لمن حرمه ذات يوم من تقديم أوراق اعتماده بغانا أنهم أساؤوا تقدير كفاءته، وواحد من هؤلاء لسخرية القدر داخل صف الرجاء وأحد مهندسي قراراتها واليوم أصبح أكثر من يتعبأ لبلوغ فاخر والرجاء سوية هذا الرهان الوردي.