لا أنكر أنني توجهت إلى مباراة الوداد والزمالك، وقد كانت بحق إحدى قمم الجولة الثالثة لدور مجموعات عصبة الأبطال، متوجسا بفعل ما كان عليه أداء الوداد البيضاوي من انحدار مخيف في آخر مباراتين له بلواندا أمام بيترو أتلتيكو، وبالدار البيضاء أمام حسنية أكادير، والمباراتان معا خسرهما الوداد، لولا أن ما سأشاهده معروضا خلال المباراة، وكان للأمانة رائعا وممتعا وجذابا، ذكرني أولا بالعمق التاريخي للوداد والذي يساعد اللاعبين في مثل هذه الظرفيات الحرجة على تقمص روح أسطورية وعلى استنفار قوى باطنية لإثبات الذات، وذكرني أيضا بما تستطيع جماهير الوداد أن تفعله بالمباريات التي تحتاج لقوة دفع رهيبة، وبما يجعلها توصف، على أنها من أكثر جماهير العالم تأثيرا على فرقها. لربما جاء قرار الحكومة المغربية بفتح الملاعب في وجه الجماهير في وقته، إذ برغم أن مباراة الوداد والزمالك المصري كانت تقف على بعد 48 ساعة فقط من لحظة إعادة الحياة للمدرجات، إلا أن ما سنشاهده ساعة قبل بداية المباراة أبهرنا جميعا، فقد امتلأت مدرجات مركب محمد الخامس بالدار البيضاء عن آخرها، وكانت هناك دعوة جماعية لحضور حفلة حمراء. هذه الجماهير التي وجدت لقرابة العامين صعوبة في إيصال صوتها للاعبين، أو لنقل أنها كانت مصادرة ومعطلة، بشكل أضر بمالية الأندية وأضر باللاعبين الذين افتقدوا للجمرة التي تلهب الإبداع وأضر حتى بجمالية المباريات، حتى أن كثيرا منها بدا لنا وكأنه ينتمي للعصر الحجري، عندما عادت للملاعب بتت بطريقتها رسائل الشوق وكتبت بلغتها تعابير اللوعة والهيام، وسأكون أمينا معكم ومع نفسي، لأعترف بأن مباراة الوداد والزمالك كانت ستكون مباراة أخرى أداء ونتيجة لو لم تتواجد هذه الجماهير الحمراء فوق المدرجات لتصنع الدهشة ولتطلق في الأرجاء ألوان الإحتفالية، وأستطيع أن أقدر نسبة الصدق في كل الذي قاله اللاعبون والمؤطرون الوداديون والزملكاويون على حد سواء، عندما كتبوا هذا الفوز الهلامي للفرسان الحمر باسم الجماهير، هي التي صنعته من ألفه إلى يائه، وفيه كان وليد الركراكي بليغا وهو يجفف آخر منابع الخيبة، بسبب أن هناك ما أعاق تعزيزه للتركيبة البشرية للوداد شتاء، بالقول أن الجمهور كان أفضل انتدابات الميركاطو الشتوي على الإطلاق. خلافا لجماهير الرجاء التي قاطع كثير منها مباراة النسور الخضر وهوريا كوناكري، إستنادا لمسببات نستطيع أن نفهم وجاهتها، أقبلت جماهير الوداد على مباراة الزمالك بوازع شعوري قوي، فهذه الجماهير ما عادت فقط احتفاء بنهاية الحظر، ولكنها عادت بتلك الأعداد الرهيبة ليقينها أن فريقها يحتاجها، فنتيجة أخرى غير الفوز على الزمالك يمكن أن تقتص جزءا كبيرا من آمال الصعود لربع نهائي عصبة الأبطال. غير مباراة الوداد والزمالك التي كانت ملحمة جديدة في صناعة التلاحم الجماعي بين فريق وجمهوره، كان لتوافد الجماهير على الملاعب التي جهزت نفسها في زمن قياسي لتأمين العودة، مفعول السحر على المباريات، فقد ارتفع الإيقاع وتحسن الأداء وتحفز اللاعبون بوجود جمهور يرفعهم فوق خيباتهم وانكساراتهم ويرفع عنهم مقت الخواء الرهيب للمدرجات والذي لا يصدر سوى اليأس والقنوط. وطبعا لا يمكن، ونحن نمتدح جماهير الوداد التي نقلت الصحافة المصرية صدى ما فعلته في مباراة الزمالك للجماهير المصرية، أن نغض الطرف عن التحول الكبير الذي طرأ على أداء الوداد البيضاوي، قياسا بما شاهدناه في مباراتي بيترو أتلتيكو وحسنية أكادير، تحول إن حرض عليه وجود جمهور ضاغط بالشكل الإيجابي، فقد صممه بإتقان المدرب وليد الركراكي الذي يجيد قراءة ما تأتي به المباريات من دروس وعبر، فالشكل الذي قدم به فريقه أمام الزمالك يقول فعلا بأن جفاف الميركاطو الشتوي لا يستطيع أن يحول بين الوداد وبين السير بثبات في المسارات الثلاثة، وبأن الوداد بات يحتكم بعد الآن على قوة ثلاثية الدفع، لاعبون متحفزون، ومدرب يقرأ جيدا أكف المباريات، وجمهور لا أتصور بعد اليوم وقد انتفت مسببات الغياب، سيتخلف عن أي من المواعيد التي تنتظر فرسان الوداد، على أمل أن تكون الموانع الرياضية التي حالت دون تواجد جماهير الرجاء بالكثافة والنوعية المؤثرتين في مباراة هورويا الغيني، قد زالت لتكتمل المتعة بزوال غمة الغياب وهم الفراق.