لا شيء على الإطلاق يمكن أن يطفئ لظى الحزن المستعر في القلوب بخروج الوداد البيضاوي من الدور نصف النهائي لعصبة الأبطال الإفريقية بتلك الصورة المهينة، والمنافس بكل صدق لا يتساوى بأي قدر مع الرصيد التاريخي ولا مع المقوم البشري ولا حتى مع الخامات التقنية لفريق الوداد، فمهما تلمسنا من أعذار، فلن نجد أبدا ما يمكنها أن ينقلنا حتى من الحزن للأسف. ولا أحد غير المدرب فوزي البنزرتي يمكن أن ننصبه مسؤولا عن ضياع هذه الفرصة الذهبية، وقد تيسرت السبل للوداد للقبض على لقب عصبة الأبطال الثالث له والنهائي يجري هنا بالمغرب، تحديدا بمركب النار، فما شاهدناه من رعونة تكتيكية ومن عجز فني ومن بلادة أحيانا في تدبير مباراة، سلم كايزر شيفس مفاتيحها للوداد، يبرز إلى أي حد أساء فوزي البنزرتي تدبير مواجهة مفصلية عندما سقط في كثير من التقديرات الخاطئة التي لطالما أشرنا إليها. كنا نظن والوداد يتوجه لجنوب إفريقيا لملاقاة كايزر شيفس في مباراة الإياب، أنه سيكفر عن كثير من أخطائه التي أظهرها في مباراة الذهاب وانتهت بخسارته المفجعة، أنه سيكف عن أسلوب التحليق المروحي في منطقة المنافس، وأنه سينزع في منظومة لعبه إلى تنويع الغارات الهجومية، أن يبحث بخاصة عن الطريقة التي يستطيع بها أن يخترق التكتل الدفاعي لكايزر شيفس، طريقة غير تلك التي أدمنها في مباراة الذهاب ولم يجن منها إلا الأوجاع، الإعتماد أكثر على إسقاط الكرات في المنطقة بحثا عن رأس الكعبي الذي أدخل إلى نفق لم يبصر فيه نورا. لكن الظن خاب، والوداد يفشل في جعل استحواذه إيجابيا، برغم أن كايزر شيفس، ليقينه بأن فتح اللعب أمام الوداد سيكون بمثابة وضع الرأس تحت المقصلة، عمد إلى تنصيب جدارين دفاعين أمام حارس مرماه، واكتفى بمرتدات على قلتها لم ترهب ولم ترعب، إلا من واحدة نجح التكناوتي في إبطال مفعولها، والعلل في غياب النجاعة الهجومية عن الوداد البيضاوي، إلى الدرجة التي عجز معها الفريق عن تسجيل ولو هدف واحد في 180 دقيقة لعب أمام فريق سلم بقدره وتكوم في منطقته، هي في منظومة اللعب أولا وفي محدودية هامش المجازفة عند المدرب فوزي البنزرتي ثانيا وهي في تشوش فكر اللاعبين ثالثا، بسبب ما أحدثته كثرة المباريات من إرهاق ذهني، وسأفصل الحديث عن كل من هذه العلل التي أفضت إلى الرسوب في أهم اختبارات الموسم الكروي للوداد. إعتقدت وأنا أستمع لفوزي البنزرتي يعلق على خسارة الوداد لمباراة استحوذ فيها على الكرة بنسبة قاربت الثمانين بالمائة وعلى صفرية النجاعة الهجومية أمام السيل الكبير من البناءات، أن مباراة الإياب بجوهانسبورغ ستختلف كليا عن سابقتها، أولا لحاجة الوداد للفوز ولا شيء غيره للعودة من جنوب إفريقيا متأهلا للنهائي، وثانيا لأن الطريقة التي لعب بها الوداد مستهجنة ولا أحد من المدربين على الإطلاق يحبها لأنها لا تنبث زرعا ولا تطفئ ظمئا. وبدا واضحا مع بداية المباراة أن البنزرتي نظف أسلوب اللعب من تلك النبتات السيئة، بحيث أن الفريق ركز في بنائه الهجومي على تنويع الأسلوب تارة بالإختراق وأخرى بالتسديد من خارج المنطقة، وثالثا بدفع المنافس إلى ارتكاب الأخطاء في دفاعه عن المنطقة، إلا أن الوداد وإن حل مشكلة النمطية في التحضير الهجومي إلا أنه لم يحل معضلة فشله في السيطرة على الثلث الأخير من الملعب بسبب ما أبداه لاعبو كايزر من فدائية في الدفاع عن مرماهم، وبسبب أن أيوب الكعبي حط على رأسه شؤم إهدار الفرص، وبسبب أن فوزي البنزرتي مع تعاقب الدقائق لم يفلح في الخروج من نمطية الرؤية. والقصد من نمطية الرؤية، أن فوزي البنزرتي وقد أدرك أن كايزر شيفس يرفض اللعب وذاك حقه، فهو ما جاء لمباراة الإياب إلا مدافعا عن فوز حققه ذهابا بالدار البيضاء، لم يعمد أبدا إلا إحداث انقلاب نوعي في شاكلة اللعب، كأن يخرج من شاكلة 433 إلى شاكلة تتيح التواجد بكثافة عددية في منطقة المنافس، لقد ظل البنزرتي مصرا على أن تكون تغييراته محتكمة لتغيير مركز بمركز، مع أن الربع ساعة الأخيرة من المباراة احتاج إلى رفع درجة المجازفة بحذف أحد الظهيرين وباللعب برأسي حربة، أي بالإبقاء على مسوفا إلى جانب الكعبي وخلفهما الثلاثي أوناجم، اللافي والكرتي، ولماذا لا تصبح المنظومة هي 3232، ربما كان ذلك سينتج وضعيات أفضل لصناعة الفرص وللتهديف عوض أن تكون كل التحليقات الهجومية للوداد عبارة عن جعجعة بلا طحين. ولا أحد على الإطلاق يمكن أن يعفي البنزرتي من المسؤولية كاملة في مشهد الإقصاء، في أن يكون الخروج الودادي من نصف نهائي عصبة الأبطال بهذا الشكل السمج، فقد أساء التصرف في تدبير الأجندة المضغوطة بالمباريات، فبينما كان المنطق يفرض اللجوء لنظام التدوير للإحتفاظ للاعبين على طرواتهم الذهنية قبل البدنية، اختار البنزرتي أن يعصر لاعبيه الأساسيين وأن ينهش لحمهم وعظمهم ويأتي على آخر نقطة من منسوبهم الذهني والبدني، فكان من نتيجة ذلك أنهم عجزوا عن الإطاحة بفريق في المتناول.. ويا للأسف..