لا يجب أن يسرح الخيال بنا بعيدا، لكي نحدد المعايير الرياضية والفكرية وحتى الذهنية التي يتأسس عليها أي إختيار موفق للربان الجديد للفريق الوطني، في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة والتي من ميزاتها حتى لا أقول من إكراهاتها الكبرى، أن الفريق الوطني يستشرف مرحلة صعبة ودقيقة، فيها ما هو متصل بالبنية البشرية للفريق الوطني، التي ستخضع للكثير من المتغيرات بفعل إقتراب عدد من الأعمدة من سن الإعتزال الدولي، وفيها ما هو مرتبط بالإرث الذي خلفه من ورائه الفرنسي هيرفي رونار بعد 40 شهرا قضاها مشرفا على العارضة التقنية للأسود. الأمر لا يحتاج إلى كثير إجتهاد، فالفريق الوطني بحاجة إلى مدرب يستطيع أن يمنحه القدرة على مزيد من الصعود في سلم العالمية، وعلى مزيد من التميز في محيطه القاري، فيكسبه الشخصية التي لا تنهار أمام أبسط عواصف وعوارض كرة القدم، ويمنحه هوية اللعب التي تطابقه مع المستويات العالية، وفي هذا كله، يبدو لنا من باب القطع أن رجل المرحلة، لابد وأن يكون أولا على معرفة دقيقة بكرة القدم الإفريقية، ولا بد أن يكون ثانيا على إطلاع بخصوصيات كرة القدم المغربية لمساعدتها على تبني نموذج كروي متقدم وقابل للتطور، ولا بد أن يكون ثالثا مستوعبا للتغيرات الكبرى التي تطرأ على تضاريس كرة القدم في شقها التكتيكي على وجه الخصوص، بمعنى أن يكون مدربا خلاقا ومبتكرا. لو نحن اعتبرنا هذه المعايير مجتمعة هي المقاسات الحديثة لأي جلباب فني متطابق مع روح العصر، فإن هذا الجلباب سيأتي لا محالة على مقاس وحيد خاليلودزيتش، وبالتالي يكون من الموضوعي جدا أن نقول عنه، بأنه فعلا رجل مستجيب لمتطلبات المرحلة، وبأنه أهل لأن يحمل على كتفيه أعباء الفريق الوطني وانتظارات الملايين من جماهيره، ومن تم نقول أن الجامعة انتهت بعد شهر من الفرز والإفتحاص لعشرات السير الذاتية، إلى اختيار المدرب المتطابق تطابقا كاملا مع راهن أسود الأطلس، ومع التحديات الرياضية التي تنتظرهم حيث سيكون سقف الطموح عاليا. ولأن كرة القدم ليست من العلوم الحقة ولا تقبل بالمنطق الوضعي المتعارف عليه، فإننا إن تكهنا بنجاح لخاليلودزيتش، فإننا من منطلق معرفتنا بغرائبية كرة القدم، سنتحدث عن ذلك بكثير من النسبية وبقليل من المطلق، لأن وحيد سيأتي للمغرب محملا بمشروع وبأدوات عمل وبما شئنا من صرامة ونهم كبير للإشتغال بلا هوادة، ولكن هذا وحده لا يضمن له فقط النجاح، ستكون حاجة وحيد ماسة لأن نتركه يعمل في سلام، بعيدا عن كل المنغصات التي نعرف لها الطبيعة والمنشأ، بخاصة لما يدخل المدرب والناخب الوطني في شبكة من العلاقات المعقدة مع أشخاص، بينهم من يريده لذاته ولنرجسيته ولمصالحه، وبينهم من يريده لخدمة شأن الفريق الوطني. بهذا المعنى، لا يمكن أن نضع كل مسؤولية الفريق الوطني، نتائج مبارياته ومعيشه اليوم ومحيطه القريب، على أكتاف وحيد خاليلودزيتش لوحده، صحيح أن وحيد هو من سيختار، وهو من سيحدد نمط اللعب، وهو من سيتدبر الحلقات والمباريات باختلاف طبيعتها، ولكن نجاح الفريق الوطني في الوصول لسقف الطموح الذي حدده رئيس الجامعة فوزي لقجع، لن يكون مقتصرا فقط على وحيد، إنها مسؤوليتنا جميعا، أو بالأحرى مسؤولية من تسعدهم إنتصارات الفريق الوطني فيحصنونها، ومن لا تحولهم الهزائم إلى متاجرين في أحزان المغاربة.