قلتها لكم في أكثر من تحليل·· المدرب الذي لا يقرأ خصومه هو مدرب فاشل·· ولومير أثبت فعلا أنه مدرب فاشل برغم أرشيفه وركامه الفني، وأثبت أنه مدرب لا يتجاوب ولا يساءل بأقوى ما يمكن أن يبعد عنه أنانيته، كما أثبتت الجامعة فشلها في اختيار المرحلة الدقيقة والعصيبة لرجل المرحلة، ورجل ذو قيمة وطنية يعرف كيف يموت على القميص الوطني بمثل ما قدمه رجال البلد سابقا· لومير ولا حتى فتحي جمال لم يقدما معا وفي نظري اللوحة المراد عرضها بالجمالية والروح والقتالية، ولم يعط الإشارة الواضحة لخطة صارمة (أقول حربية بهذا المعنى) ملعوبة على حبلين من الحذر والمد الصارخ، بل تاها أمام الغابون في مباراة قلت عنها لأكثر من مرة أنها لن تكون رحيمة بميلاد جيل غابوني خسر بالستة أمام فاخر قبل أربع سنوات، وهو ذات الفريق الذي عاد ليفجر أكبر قنبلة بالمغرب وأكبر صاروخ في المجموعة بالنضج والسرعة والفاعلية والإحتراف والتلاحم والتقارب والقراءة الخاصة لدماغ آلان جيريس· لومير الذي قال في الندوة الصحفية أريد ونريد النتيجة، وهناك 36 مليون مغربي وراءنا ويتمنون الفوز، لكن هذا الكلام في نظري مثل سحابة عابرة ورسالة عابرة وجهها لأول مرة في لقاءه الإعلامي، وهو المعروف عنه أصلا بالرجل الصامت دون الثرثرة والرجل الذي يؤمن بالعمل، لكن لومير في نظري عجز عن الإجابة الفعلية في الرقعة، وعجز معه حتى فتحي جمال في الرؤية التقنية الثانية ككوماندو يقرأ جيدا ما فعله الغابون في الجولة الأولى دون أن يواصل ذات القراءة الأخيرة للفهود في مباراة هزمتنا جميعا بمنطق المفاجأة الغادرة، وسوء تدبيرها الفني من لومير المسؤول الأول عن الخسارة· قلتها لكم، لن يأت جيريس للمغرب من أجل الفسحة والنزهة والخسارة بأقل الأهداف، بل جاء ليغازل الأسود بقططه ذات الأظافر الحادة في حصير المغرب، وجاء ليستميل نقطة التعادل، فكان طماعا وسرق فوزا لم ينتظره هو شخصيا بعد صافرة الحكم الأخيرة·· قلتها لكم، قرأ جيريس منتخب المغرب جيدا وحفظه عن ظاهر قلب، ودرس مواجعه الدفاعية، ووسطه الفضفاض وهجومه النفاث، وخلص في النهاية إلى قراءة أخيرة لمباراة التشيك والمغرب كاستراتيجية واضحة لن يخرج عنها لومير في نظره، وكان جيريس في آخر المطاف قد نام على الخطة المراد نهجها لقتل عمل لومير وأسوده وجماهير بأرضه، وربح النزال التاريخي والثقيل في معادلة لم تكن موضوعة في الحسبان· وعندما يقرأ جيريس منتخب المغرب جيدا، فلأنه يدرك أن قوة المغرب تأتي عادة من وسطه ودفاعه في البناء الإستراتيجي، ولأنه يعي تماما أزمة المنتخب المغربي في خط دفاعه وحتى في وسطه الذي يتعدى في الحالات التي يصعد فيها إلى الأمام دون ارتداد سريع أو قراءة خاصة لعواقب الفراغ المهول، وهو ما نجح جيريس في قنصه جيدا بسرعة رجاله (بول كيساني، ستيفان نغيما وزيتا مبانانغوي)، وحوله إلى جحيم ناري وضاغط لإرغام سفري وخرجة على الأخطاء وتحويلها إلى مضادات أعطت الأكل مرتين وبصدمة عنيفة يصعب معها رد الروح والنفس والنتيجة من بعيد·· وعندما يقرأ جيريس منتخب المغرب في كل مواقعه الرئيسية من أين يضعف، ومن أين يتقوى، وعندما يسجل مرتين ويهدر ثالثا ورابعا، يكون لومير قد شاهد نفسه وعقله واستراتيجيته المريضة وهو يخسر ويتهاوى أمام منتخب لا يعرفه مطلقا ولم يقرأه أصلا إلا من غياباته دون أن يعرف أن زاد الغابون كما حللته سابقا هو في سرعة جيله الشاب، ورجاله الذين لا يخافون أحدا برغم فوارق الإحتراف، ووجوهه التي اختمرت ونضجت بعد أربع سنوات من هزيمتهم الودية أمام المغرب بستة أهداف لصفر· لومير وصدقوني جيدا لم يقرأ ولا يعرف حتى أسماء الغابون، وزد عليه فتحي جمال في صناعة التحول الدقيق للمباراة بتغيير إيقاعها واستراتيجية البحث عن العودة إلى النتيجة والفوز المطلق، فقط شاهدنا أشباح لاعبين لا نعرف كيف دخلوا إلى الملعب، وأي تعليمات تلقوها·· فقط كان هناك رجل دفاع إسمه طلال ورجل هجوم إسمه الحمداوي مع إستثناءات دخول بوصوفة وتاعرابت·· لكن فوق كل هذا، لم تكن هناك روح قتالية ولا نهج قويم، ولا إيقاع ملغوم· صدقوني خسرنا مع الغابون بالشمتة وسوء قراءة الخصم، ولدينا فريق كبير بأسماء وازنة مع إستثناءات وجب من الآن توديعها دفاعيا ووسطيا، كما لنا جيل جديد من المحترفين بحاجة إلى مدرب شاب، وليس لشيخ يعيش فصول التقاعد بالملايين دون أن ينفعنا في شيء·· وكما قلت دائما·· المحاسبة تبدأ من هذه المجموعة وليس الضحك علينا بالفوز على رواندا وموريطانيا·