إجماع الأمة حول القبلة، واستبانة جماعاتها وأفرادها لوجهاتهم بناء عليه: أساسٌ رئيس لتوحيد صفوف الأمَّة إن من آكد مقتضيات التعامل مع كتاب الختم، الوقوفَ على المنهج القرآني المكنون النابض المتجدّد الذي يقود الإنسان نحو آفاق الإفادة من قابلية القرآن المجيد للهداية للتي هي أقوم: "اِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" [الاِسراء، 9]، ولن يتيسّر ذلك إلا عن طريق الاطراح الملحّ، استنطاقًا واستهداءً، بين يدي كلام الله تعالى. ومن مقتضيات هذا الاطراح، التلقي المسلّم من الوحي عن طريق الإعمال المتصاعد المتنامي لمنهجيته السارية فيه، والتي تتكشف بالاجتهاد عبر الزمن، وهي منهجية قد تتبدّى من خلال ما سلف، وأن من دعاماتها الأساس، والوقوفَ على بنائية القرآن المجيد، وإدراكَ أنه ترتيل. وهذه البنائية هي التي مكّنت الإنسان من أن يقوم بالقراءة وفق منهجية آياتية[1]، ومن خلال تلقي الكلمات، وهذا أبرز تجليات المواءمة بينه وبين كتاب الختم، وقد ذمّ الله عز وجل الذين جعلوا القرآن عِضِين؛ أي الذين يفرِّقونه ويعضّونه، وذلك في قوله تعالى: "كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرءَانَ عِضِينَ" [الحجر، 90-91]. وقد كان هذا المضمون، هو أول وحي تلقاه سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الاِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الاِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" [العلق، 1-5]. يتبع في العدد المقبل.. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء ------------------------------------------ 1. المنهجية الآياتية ثمرةٌ من ثمرات إدراك البنائيتين (بنائية الكون وبنائية القرآن) وبوابةٌ للمعرفة الناجعة الراشدة.