قال تعالى: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا" [النساء، 74]. سيقت الآية في مقام الترغيب في القتال في سبيل الله، وهذا واضح في الآية السابقة عليها، وهو أوضح في الآية اللاحقة عليها. سبقها قوله تعالى: "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل اَو يَغلِب فسوف نوتيه أجرا عظيما" [النساء، 73]. ولحقها قوله: "الذين ءَامنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا" [النساء، 75]. يبدو من هذا المقام أن الآية استنكار للقعود عن الجهاد في وقت يَهِيمُ المستضعفون إليه، ويتضرعون إلى الله تعالى بقولهم -كما تحكي الآية- "ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا" [النساء، 74]. وعلى كل حال نحن إزاء دعاء للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان. وهم الذين يعدهم الناس ضعفاء، عجزوا عن الهجرة إلى المدينة، وبقوا في مكة وتعرضوا لظلم أهلها. ومن ظلمهم ما بيتوه من مكايد وما اقترفوه من أذى.. منهم عبد الله بن عباس الذي قال: "كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان"[1]. لقد طلب هؤلاء المستضعفون من الله تعالى ثلاثة أمور: الأول: أن يخرجهم الله تعالى من القرية الظالم أهلها لقوله: "ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها". فقد طلبوا من الله تعالى أن يُيَسر لهم أسباب الخروج والهجرة من أرض الكفار، والمقصود بالقرية هنا مكة التي وصف الله تعالى هنا أهلها بالظلم. إما لأنهم مشركون بقوله تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم" [لقمان، 12]، وإما لأنهم آذوا المسلمين أذى كثيرا. فعلى الرغم من أن مكة بلدهم ووطنهم، فقد تطلعوا إلى الهجرة منها بسبب ما ارتكبه أهلها من ظلم. ولهذا فكروا في الخلاص من هذا الظلم فدعوا الله تعالى أن يجعل لهم مخرجا من ريبة الظل والعدوان؛ الثاني: أن يجعل الله تعالى لهم وليا بقوله تعالى: "واجعل لنا من لدنك وليا". أي اجعل لنا يا ربنا وليا يوالينا فيحفظ ديننا، ويقوم بمصالحنا. وقيل المقصود اجعل يا ربنا لنا من لدنك ولاية؛ الثالث: أن يجعل الله لهم نصرة لقوله تعالى: "واجعل لنا من لدنك نصيرا". وقد استجاب الله تعالى دعاءهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة جعل عثمان بن أسيد أميرا لهم. فكان الولي هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان النصير هو عثمان بن أسيد، إذ كان ينصر الضعيف من القوي، ويأخذ حق الذليل من العزيز[2]. ---------------------------------- 1. منهم الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة. 2. الزمخشري، الكشاف، ج: 2، ص: 108.