إيداع القدرة على وسم الأشياء من أجل تعقلها، وتوظيفها يقول عز وجل: "وعلم ءَادم الاَسماء كلها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء ان كُنتُمْ صَادِقِينَ" [البقرة، 30]. مما يمكن الإنسان من تنمية قدراته الإدراكية التي تسعفه في تنمية استقلاليته من خلال تزايد قدرته على الفعل في الكون بالتسخير، ولذلك يسمي بعض الباحثين العلوم الكونية علوم التسخير[1]. 7. الوحي / الكلمات وهو المستفاد من العديد من الآيات كما في قوله تعالى: "فتلقى ءَادم من ربه كلمات فتاب عليه" [البقرة، 36]، والآية: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما" [البقرة، 123] والإفادة من قدرة الأسماء، ومن إيتاء الكلمات لا يمكن أن تتم في منظومة الوحي، إلا بالنَّظرُ والتفكُّر والتعقُّل. فالاستدلال بالأدلَّة من أوجَبِ الواجبات بعد الإيمان الفطري الجبلِّي، وإلى هذا ذهب البخاريُّ -رحمه الله- حيث بوَّب في كتابه: باب العلم قبل القول والعمل لقول الله -عزَّ وجلَّ-: "فَاعْلَمْ اَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" [محمد، 20]. 8. إتاحة العلاقة المباشرة بين العبد وربه فقد ألغى الشَّارع الحكيم أيَّ وساطة بينه وبين عبادِه، تفسد الاعتقاد الجازِمَ به سبحانه[2]، قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُومِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [البقرة، 185]. 9. الحرية قال الراغب الأصفهاني: "الحرية ضربان: الأول من لم يجر عليه حكم الشيء، نحو الحر بالحر. والثاني: من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية، وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار.. وقيل: عبد الشهوة أذل من عبد الرقّ"[3]. وقال الجرجاني صاحب التعريفات: "الحرية في اصطلاح أهل الحقيقة: الخروج عن رق الكائنات، وقطع جميع العلائق والأغيار، وهي على مراتب: 1. حرية العامة عن رق الشهوات؛ 2. وحرية الخاصة عن رق المرادات لفناء إرادتهم في إرادة الحق؛ 3. وحرية خاصة الخاصة عن رقّ الرسوم والآثار، لانمحاقهم في تجلّي نور الأنوار"[4].. وهو ما ينص عليه القرآن الكريم في الآية: "لاَ إكْراه في الدّين" [البقرة، 255]، وفي الآية: "أنُلْزِمُكُمُوها وأنتم لها كارهون" [هود، 28]، وكذا الآية: "وقلِ الحقّ من ربّكم فمَن شاء فليُومن ومن شَاء فليَكْفر" [الكهف، 29]، وفي الآية: "اِنّ هذه تَذكِرة فَمَن شَاء اَتخذ إلى ربّه سبيلا" [الاِنسان، 29]، وفي الآية: "اَفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين" [يونس، 99]، وفي الآية: "لست عليهم بمصيطر" [الغاشية، 22]. وقد سيقت كلمة -إكراه- بالتنكير في قوله تعالى: "لاَ إكْراه في الدّين" [البقرة، 255]، والتنكير عند علماء الأصول يفيد الاستغراق لكل مرتبة أو نوع من الإكراه. قال الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسير آية نفي الإكراه البقرة، 255: "جيء بنفي الجنس لقصد العموم نصًّا، وهي دليل إبطال الإكراه بسائر أنواعه؛ لأن أمر الإيمان يجري على الاستدلال والتمكين من النظر"[5]. وما أجمل ما قال عبد المتعال الصعيدي بهذا الصدد في كتابه حرية الفكر في الإسلام مثل: "المرتد مثل الكافر الأصلي في الدعوة إلى الإسلام، فكما يدعى الكافر الأصلي في الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، كذلك يدعى المرتد إلى العودة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، ولا يكره على العودة إليه بوسيلة من وسائل الإكراه، كما لا يكره الكافر الأصلي على الإسلام بهذه الوسائل أيضا"[6]. يتبع في العدد المقبل.. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء ----------------------------------- 1. أحمد عبادي، مفهوم الترتيل في القرآن المجيد، النظرية والمنهج. 2. كاتِّخاذ كُفَّار مكَّة الأصنام واسطةً، وقولِهم: "مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى" [الزمر، 3]، 3. مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الطبعة 3، 1423ه/2002م، ص: 224. 4. التعريفات، تحقيق الأبياري، بيروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط: 1985م، ط: 116. 5. التحرير والتنوير، الشركة التونسية للتوزيع، 3/26. 6. حرية الفكر في الإسلام، ص: 73.