بما أن موضوع هذا العمل ينحصر على دراسة العمران السجلماسي في مجاله المحدود جدا؛ فإن سجلماسة المعنية بالدراسة، هي المدينة بالأساس، وما يمكن أن يحيط بها من البنيان بالضاحية. تقع هذه المدينة في قلب واحة تافيلالت التي يبلغ أقصى علوها حوالي 765 مترا فوق سطح البحر، وتنخفض باستمرار في اتجاه الجنوب. تبلغ مساحة الواحة الإجمالية حوالي 300 كلم2، وتخللها بعض المرتفعات الجبلية مثل تينغراس (776 مترا) والجبيل (787 مترا) وريش هارون (790 مترا). يحد تافيلالت من الشمال واحة أولاد الزهراء ومدينة أرفود، ومن الجنوب جبلي أدرار وبومعيز، ومن الشرق وادي أمربوح ومن الغرب وادي غريس. المؤرخون القدامى والمعاصرون وصفوا سجلماسة كحاضرة استقرار، وتمركز سكاني، ولكن أيضا كمنطقة لجوء وهجرة: إنها مركز تجاري وثقافي يتوفر على بنايات جميلة، وعلى عدة نافورات، ومدينة مشهورة على صعيد العالم الإسلامي. "فسجلماسة تعتبر مركز جذب، وحركة دينية، وتاريخها متخيل أكثر منه مكتوب"[1]، وتقع على مشارف الصحراء الكبرى وراء جبال الأطلس الكبير الشرقي ووسط سهل خصب، وتستمد أهميتها من موقعها على طريق التجارة الصحراوية نحو بلاد السودان. كثيرة هي المؤلفات التي حاولت أن تقدم تفسيرا لمفهوم اسم سجلماسة، وهي تفسيرات تتميز بالاختلاف والتضارب. وهكذا يشير مؤلف كتاب وصف إفريقيا إلى أن "مؤسس هذه المدينة حسب بعض مؤلفينا قائد روماني ذهب من موريتانيا فأحتل نوميديا بأسرها، ثم زحف شطر الغرب حتى ماسة فبنى المدينة، وسماها سجلوم ميسي، لأنها كانت أخر مدن دولة ماسة، ولأنها كانت كالخاتم الذي يسجل نهاية فتوحاته فحرف هذا الاسم بعد ذلك وتحول إلى سجلماسة"[2]. من جهته يذكر صاحب كتاب الروايات التاريخية عن تأسيس سجلماسة، وغانة أن كلمة سجلماسة تتركب من شقين سجل وماسة، وأن لفظ "سجل جاء في القرآن بدون ياء وجاء بالياء أيضا (سجيل)، وقد اختلف أهل التفسير في المعنى الذي اتخذته اللفظتين وفي أصالتهما أو تعريبهما فقالوا في الأول (سجل)، أن معانيه المكي والكتاب والرجل بلغة الحبشة.. وقالوا في الثاني (سجيل)، أن معناه الصلب الشديد أو حجارة من طين وعلى هذا المعنى يكون عربيا أصيلا"[3]. وبذلك فإن اسم سجلماسة يتكون من شقين: كلمة سجيل ذات الأصل العربي وهي وليدة الفتوحات الإسلامية بشمال إفريقيا ثم كلمة ماسة وهي اسم مدينة بمنطقة سوس. وجاء في إحدى الموسوعات[4]، أن سجيل كلمة من الكلمات القرآنية الغامضة[5]، اشتقت من الكلمتين الفارسيتين سنك وكل أي الحجر والطين، ومعناهما حجارة كأنها طين متحجر أو محروق[6]. وثمة تفسيرات أخرى لكلمة سجيل لا يأخذ بها الجميع، كالقول بأن معناها ما دون أو كتب على العباد [سجل]، والقول بأنها جهنم أو السماء الدنيا -سجين-، وكذلك جعل لهذه الكلمة ارتباط بالصفات المشتقة من الأصل س، ج، ل. ويذهب أحد الأساتذة عكس هذا الاتجاه، إذ يقول في تحليله للكلمة إن تركيبها غريب عن اللغة اللاتينية والعربية معا، وإنما اشتق من اللغة الأمازيغية. ذلك أن اسم "سجلماسة يتكون من كلمتين أمازيغيتين ذات جذرين: سيجي أو سيكَي. وتعني الفوق أو يطل من أعلى، ثم إلماس أو ميس أو لميس جمع ألمس وتدل على الماء، وبذلك فيحتمل أن كلمة سجلماسة تعني موضعا يطل على الماء أو يهيمن عليه وهو ما يمكن تبريره من موقع المدينة نفسها التي بنيت فوق ربوة يحيط بها نهران شرقا وغربا"[7]. يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى.. ------------------------------------- 1. Laoust (Ernest): «L'habitation chez les transhumants du Maroc central: 1, la tente et le douar», Hespéris. Tome: X, fascicule II, 1930. 51 figures et 16 planches hors texte, pp. 151-253 )p: 151(. 2. الوزان، محمد بن الحسن الفاسي، المصدر السابق، ص: 163. 3. ماك كوك، دانييل، الروايات التاريخية عن تأسيس سجلماسة وغانة. تعريب وتعليق محمد الحمداوي. الدارالبيضاء، دار الثقافة، مطبعة النجاح الجديدة، 1975. ص: 42. 4. مجموعة من المؤلفين، دائرة المعارف الإسلامية، الجزء الحادي عشر، ص: 302. 5. القرآن الكريم، سورة هود، الآية: 81، وسورة الحجر، الآية: 74، وسورة الفيل، الآية: 4. 6. يؤيد هذا المعنى ما ورد في سورة الداريات، الآيتان 33- 34: "لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين" ويفسرها الفقهاء بأنها حجارة حرقت في نار جهنم. ويقولون في تفسير الآية "مسومة عند ربك للمسرفين" الواردة في سورة هود، الآية 82، وفي سورة الداريات، الآية 34: بأنها حجارة نقشت عليها أسماء أولئك الذين كتب عليهم أن يعذبوا بها. 7. Mezzine (Larbi): "Sijilmassa", Le Mémorial du Maroc. Rabat, édition Nord Organisation 1983. Huit volumes, 2° volume, pp. 25-37(p 25).