قام الشيوخ قديما وحديثا بدور هام وعظيم في سبيل خدمة الدين الإسلامي، فعلى يدهم يتم تعليم طلبة العلم، وبفضلهم تربت الأجيال وتكونت فكريا وروحيا، فكانوا وما زالوا منارا تهتدي به هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. 1- مدلول مصطلح المشيخة "الشيخ" في وضع اللسان هو: "الذي استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب، وقيل هو شيخ من خمسين إلى آخره، وقيل: هو من إحدى وخمسين إلى آخر عمره، وقيل هو من الخمسين إلى الثمانين، والجمع أشياخ وشيخان وشيوخ وشيخة[1]. وزاد صاحب القاموس والتاج "شيوخ بكسر الشين ومشيوخاء، والشيخون"[2]. وأورد صاحب تاج العروس في "الشيخون" تعليقا لشيخه على هذا اللفظ بأنه: "غريب غير معروف في الأمهات المشهورة، وأورده بعض شراح الفصيح وقالوا: هو مبالغة في الشيخ"[3]. والشيخ يوصفون بالحنكة وصحة الروية وكثرة التجارب، "لذلك حمدت العرب آراء الشيوخ حتى قال بعضهم المشايخ أشجار الوقار ومنابع الأخبار، لا يطيش لهم سهم ولا يسقط لهم وهم، إن رأوك في قبيح صدوك، وإن أبصروك على جميل أمدوك"[4]. أما الشباب فالإقدام والشجاعة هو سمتهم "وقد يختلف هذا فيكون للشيوخ إقدام لكونهم أصبر وبالمكائد أعرف، يقوا أبو الطيب المتنبي: سأطلب حقي بالقنا ومشايخ *** كأنهم من طول ما التثموا مرد كما قد يكون للشباب معه تدبير ورأي وغناء، قال سيدنا أيوب عليه السلام: "إن الله يزرع الحكمة في قلب الصغير والكبير"[5]. وقالت العرب: "عليكم بمشاورة الشباب؛ فإنهم ينتجون رأيا لم ينله طول القدم، ولا استولت عليه رطوبة الهرم"[6]. وقد أورد صاحب المستطرف قصة الحسن بن الفضل تثبت هذا المعنى حيث: "دخل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم، فأحب الحسن أن يتكلم فزجره، وقال: يا صبي تتكلم في هذا المقام؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن كنتُ صبيا فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا أنت بأكبر من سليمان عليه السلام حين قال: أحطت بما لم تحط به، ثم قال: ألم تر أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود أولى"[7]. فهذه المعاني كلها تدل على السمو والمكانة العالية والكبيرة التي يحتلها المتصف بهذا المصطلح. ويعني الشيخ في الاصطلاح: الكبير أو المتقدم في فن أو صناعة"[8]. فهذا تعريف عام وشامل لمصطلح الشيخ عند جميع العلماء في كافة التخصصات أي عندما نريد وضع حد لهذا المصطلح في تخصص ما لزمنا التماس تعريف جامع شامل مانع خاص بذلك التخصص؛ لأن هذا المصطلح من الألقاب التعليمية المتميزة في فن من الفنون. يقول القلقشندي: "الشيخ من ألقاب العلماء... ولقب به أهل العلم والصلاح توقيرا لهم، كما يوقر الشيخ والكبير"[9]. يتبع --------------------------------------------- 1. ابن منظور: لسان العرب، باب الخاء المعجمة، فصل الشين المعجمة، المجلد الثالث، ص: 31-32. الفيروز أبادي: القاموس المحيط، باب الخاء، فصل الشين، ج 1، ص: 363. والزبيدي الحنفي: تاج العروس، باب الخاء، فصل الشين مع الخاء المعجمة، المجلد 4، ص: 285. 2. الفيروز أبادي: القاموس المحيط، باب الخاء، فصل الشين، ج 1، ص: 363. والزبيدي الحنفي: تاج العروس - باب الخاء، فصل الشين مع الخاء المعجمة، المجلد 4، ص: 285. 3. تاج العروس -مرجع سابق- باب الخاء، فصل الشين مع الخاء، المجلد 4، ص: 285. 4. الماوردي: أدب الدنيا والدين، حققه وعلق عليه مصطفى السقا، ط الثالثة، دار الفكر بيروت لبنان، ج 1، ص: 22. 5. مقال مارية البحصي في جريدة ميثاق الرابطة لسان رابطة علماء المغرب، السنة 36- العدد: 1025 الجمعة ربيع الثاني 1424ه/ 20 يونيو 2003 م، مقال تحت عنوان: "مصطلح المشيخة ومدلولها عند العلماء". 6. الماوردي: أدب الدنيا والدين، مرجع ساق- ص: 23. 7. الأبشهي: المستطرف في كل فن مستظرف، ص: 66، مكتبة الثقافة الدينية، بدون (ت. ط). 8. محمد منير سعد الدين، العلماء عند المسلمين مكانتهم... ودورهم في المجتمع دار المناهل، ط1- 1412ه/1992م بيروت – لبنان- ص: 184. 9. القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، ج: 6، ص: 17، نقلا عن العلماء عند المسلمين مكانتهم... ودورهم في المجتمع، ص: 184.