توجد جملة من المقاربات اليوم، لموضوع الأخلاق والقيم، تنظر للأديان والثقافات باعتبارها عوائق دون بلوغ التوافق الكوني في المجال القيمي والأخلاقي، مع تقديم للرفاه ومقتضياته، ومسارات البحث العلمي ونتائجه، ومكاسب التحرر وإنجازاته، على تطلبات التدين وتشريعاته، وقد استحكمت اليوم هذه المقاربات في عالمنا، وباتت تهدد بانهيار العديد من النظريات الأخلاقية، والأنساق المعيارية، والدساتير السلوكية، التي كانت إلى حدّ الآن توجه الحضارة السائدة. ولعل استشعار هذا المستقبل قيد التخلق، والتوجس من نتائجه، هو الذي يكمن وراء الاهتمام المتزايد عالميا في المحافل الأكاديمية، والمحاضن البحثية المختلفة، بمبحث القيم والفلسفات الأخلاقية، في كافة الميادين المعرفية والعلمية والمهنية، غير أننا نلاحظ -رغم كثرة ونوعية الجهود المبذولة بهذا الصدد في عالم اليوم- عدم القدرة على تجاوز عجز الكسب التحديثي عن بلورة أخلاق وقيم عقلية، تلتفّ حول الفراغ الذي خلفه تدمير السند الديني الاعتقادي للأخلاق والقيم. لقد أثبت السند الديني للأخلاق والقيم في صيغته الإسلامية، أنه قادر على تجاوز القطيعة بين المرجعيتين الدينية والعقلية، وأنه لا تعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول، وأنه لا تعارض بين مصالح العباد، وتشريع رب العباد، فحيثما المصلحة المنضبطة بضوابطها ثمة شرع الله، وذلك من خلال ما يكنّه الوحي الخاتم من إمكانات هائلة للتوفيق بين حاجات الحرية الشخصية، وحاجات بناء السلطة، وبين ما يهدي إليه من انسجام جمالي بين الأخلاق الفردية الخاصة، والأخلاق الجماعية المشتركة، حيث لا تضيع مصلحة الفرد وحرياته، أو حقوق الجماعة وتطلباتها، غير أن هذه الآفاق رغم وضوحها من حيث المبدأ، تقتضي تشميرا تنظيريا، ومنهاجيا، وتربويا، وإجرائيا كبيرا، مما له جملة مقتضيات لا بدّ من تجريد العزم لاستجماعها واستكمالها. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء