وصفت "الحياة الدنيا" ب "التفاخر والتكاثر" في القرآن الكريم في موضع واحد، في سورة الحديد المدنية، قال تعالى: "اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي اِلاَمْوَالِ وَالاَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ اَعْجَبَ اَلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي اِلاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا اَلْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" [سورة الحديد، الآية: 20]. التفاخر والتكاثر في اللغة والاصطلاح القرآني. التفاخر: قال ابن فارس: "الفاء والخاء والراء أَصلٌ صحيحٌ، وهو يدلُّ على عِظَم وقِدم. من ذلك الفخر"[1]. والتفخُّر: التعظُّم، والتفاخر: تفاعل من صيغ المبالغة، ومعناه التعاظم. والفخر: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه، والتمدح بالخصال والافتخار وعد القديم، والتفاخر: التباري في الفخر والمباهاة. التكاثر: قال ابن فارس: "الكاف والثاء والراء أصلٌ صحيح، يدلُّ خِلاف القِلّة، من ذلك الشَّيء الكثير، وقد كَثُر"[2]. والتكاثر: تفاعل، من الكثرة، وصيغة التفاعل هنا للمبالغة في الفعل، بحيث ينزل منزلة من يغالب غيره في كثرة شيء؛ فإنه يكون أحرص على أن يكون الأكثر منه عنده، فكان المرء ينظر في الكثرة من الأمر المحبوب إلى امرء آخر له الكثرة منه، والمكاثرة والتكاثر: التباري في كثرة المال والعز، ثم شاع إطلاق صيغة التكاثر، فصارت تستعمل في الحرص على تحميل الكثير، من غير مراعاة مغالبة الغير ممن حصل عليه، قال تعالى: "اَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر" [ سورة التكاثر، الآية: 1]. فالآية من سورة الحديد، حصرت الحياة الدنيا في اللعب واللهو والزينة والتكاثر في الأموال والأولاد، ف "أنما" المفتوحة الهمزة، هي أخت "إنما" المكسورة الهمزة في إفادة الحصر وحصر الحياة الدنيا في الأخبار الجارية عليها، هو قصر أحوال الناس في الحياة على هذه الأمور الستة، باعتبار غالب الناس، فهو قصر ادعائي بالنظر إلى ما تنصرف إليه همم غالب الناس من شؤون الحياة الدنيا، والتي إن سلم بعضهم من بعضها لا يخلو من ملابسة بعض آخر، إلا الذين عصمهم الله تعالى، فجعل أعمالهم في الحياة كلها لوجه الله، وإلا فإن الحياة قد يكون فيها أعمال التقى والمنافع والإحسان والتأييد للحق، وقد ذكر سبحانه هنا من شؤون الحياة ما هو الغالب على الناس، وما لا يخلو من مفارقة تضييع الغايات الشريفة أو اقتحام مساوئ ذميمة، وهي أصول أحوال المجتمع في الحياة، وهي أيضا أصول آحاد الناس في تطور كل واحد منهم؛ فإن اللعب طور من الطفولة والصبا، واللهو طور الشباب، والزينة طور الفتوة، والتفاخر طور الكهولة، والتكاثر طور الشيخوخة"[3]. ------------------------ 1. المقاييس، مادة / فخر. 2. المقاييس، مادة / كثر. 3. التحرير والتنوير: 27/401.