شخصية هذه الحلقة عالم نابغ تخرج من مدرسة الإمام عبد الرحمن السُّهيلي، وانتهى به المطاف عميدا للمدرسة الكاملية بالقاهرة ومدرسا بها.. فمن هو هذا العالم المغربي الفذ الذي تقلد أكبر المقامات العلمية في وقت كانت فيه الحركة العلمية والأدبية في أوجها في بلاد المشرق؟ هو أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد ابن فرج بن دحية الكلبي السبتي الأندلسي، أصله من بلنسية، واستقرت أسرته بسبتة التي نشأ بها، ولد على الأرجح عام 548ه.. ويجعل بن دِحية نسبه إلى "دِحية" الصحابي الجليل، كما يرفع نسبه من أمه إلى الحسين بن علي رضي الله عنه كما ذكر ذلك ابن خلِّكان في "وفيات الأعيان"، وإلى ذلك يشير ابن دِحية في عَينِيته التي مدح بها السلطان الكامل بمصر: بقيتَ لعبدٍ جدُّه دِحيةُ الذي يشابه جبريلُ له ويضارعُ وجدَّتُه الزَّهراءُ بنتُ محمّدٍ عليه السلامُ الدائمُ المتتابعُ اشتغل ابن دحية بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس وسافر إلى المشرق وأخذ من علماء أفذاذ مغاربة ومشارقة مثل ابن زرقون وابن بَشْكوال، والبوصيري والصيدلاني، وتولى قضاء دانية بالأندلس.. كان من حفاظ الحديث، وعالما باللغة والنحو وعارفا بأيام العرب وأخبارها. رحل إلى مراكش والتقى بأستاذه الكبير عبد الرحمن السُّهيلي، ومنها سافر إلى مصر والشام والعراق.. وقصد خراسان ومرَّ بإربل وهو متوجه إلى خراسان.. وترجمة ابن دِحية في "وفيات الأعيان" لابن خلكان، و"شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي، و"البداية والنهاية" لابن كثير، و"نفح الطيب" للمَقّري، و "الأعلام" للزركلي، و"تاريخ الفكر الأندلسي" لأنخل جُنسالِس بالانثيا.. من مؤلفات ابن دحية نذكر "المُطرب من أشعار أهل المغرب" و"نهاية السول في خصائص الرسول" و"النبراس في خلفاء بني العباس" و"تنبيه البصائر في أسماء أم الكبائر".. ويروي بن خلكان وهو يتحدث عن الأسعد بن ممّاتي: "وكان الحافظ أبو الخطاب بن دِحية عند وصوله إلى مدينة إربل، رأى صاحبها الملك مظفر الدين أبا سعيد كوكبري (ت 630ه) وشاهد عنايته البالغة في الاحتفال بالمولد النبوي فصنف له كتاب "التنوير في مولد السراج المنير".. وأما عن رحلات ابن دِحية وأخذه عن شيوخ وعلماء عصره، فيقول الأستاذ أنس وجّاج في كتابه "أبو الخطاب ابن دِحية الكلبي السبتي الحافظ الرحال"، (منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، 2010، ص: 35 وما بعدها): "وباستقراء تواريخ أسمِعَتِه بالغرب الإسلامي نجد أن أقدمها كانت على شاعر المغرب أبي عبد الله بن حَبوس سنة (564ه) بحضرة مراكش، ثم في داره بفاس بدرب السرّاجين منها.. وفي شهر رمضان من السنة نفسها سمع من الفقيه المحدث اللغوي أبي إسحاق ابن قرقول، وكان قد صحبه في سفره، وأجاز له جميع رواياته، ومن ذلك "صحيح مسلم" و"تاريخ ابن أبي خيثمة".. ثم لقي أبا بكر ابن ميمون العَبدري بمراكش سنة (565ه)، وكان ممن تصدّر لإقراء النحو والأدب، فأخذ عنه بها، ورحل إلى مُرسية، فسمع أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد المروي بجامعها، وبمنزله بها.. وروى ابن دِحية عن أبي الحسن ابن حُنين الكِناني، وأبي عبد الله ابن خليل القيسي المتوفيين بفاس (569ه)، وصرح بأن ابن حنين المذكور أجازه بفاس.. وفيما بين سنتي 572 و573 ه لقي أبا محمد الرُّعيني الحجري بمسجده بسبتة، وأخذ عنه، كما حدثه أبو بكر ابن خير بمسجد المحجة باشبيلية، وأبو بكر ابن الجد الفِهري بمنزله منها، وقرأ على أبي محمد ابن مغيث بقرطبة، وسمع أبا بكر ابن الجنّان بمراكش، وأبا الحسن اللواتي بفاس بمنزله منها.. وفي سنة 574ه لقي أبا القاسم ابن بشكوال بقرطبة، وقرأ عليه في شهر صفر وربيع الأول وربيع الآخر وغيرهما بمنزله منها، وبالجامع الأعظم ومسجد أبي علاقة ومسجد الغدير بن الشَّماس، وسمع أبا محمد ابن دحمان بمالقة، وأبا القاسم السُّهيلي في شهر صفر بمسجده منها، وكان قد أملى عليه كثيرا من تصانيفه، وأجاز له ولأخيه جميع مسموعاته ومجموعاته.. وقد صحب ابن دحية أبا محمد عبد الله بن محمد التادلي الفاسي عندما تولى قضاء فاس سنة 579ه، وفي سنة 584ه شهد بمراكش جنازة أبي الحكم اللخمي، وكان قد صحبه كثيرا، وأخذ عنه فضلا غزيرا..".. ومعلوم أن الإمام السهيلي -دفين مراكش- هو أكثر شيوخ ابن دحية شهرة على الإطلاق لقيَه ابن دحية بالمغرب والأندلس.. ويرجع الفضل لابن دحية -وتلاميذ السهيلي الآخرين- في نشر كتاب "الروض الأُنُف" للإمام السهيلي بالمشرق (أنظر مقالنا حول الإمام السهيلي عدد 22 من جريدة ميثاق الرابطة). بعد رحلاته الطويلة وتنقله بين المغرب والأندلس سيستقر المقام بابن دِحية بمصر ليصبح شيخ المدرسة الكاملية بها.. ذلك أنه في سنة 621 ه بنى الملك الكامل دار الحديث المنسوبة إليه بالقاهرة، وجعل مشيختها لصاحبنا أبي الخطاب ابن دحية.. وقد أثنى المقريزي في "الخِطط" على هذه المدرسة ووصفها بأنها ثاني دار عملت للحديث.. يقول الأستاذ أنس وجّاج في كتابه حول ابن دِحية (ص: 94-95): "وفي الكاملية استمرت عناية المترجم بإقراء المصادر الحديثية الأولى كالعهد به في تونس وإربل وحلب وغيرها من البلدان.. وكُتُب الأئمة الثلاثة: الموطأ للإمام مالك، والجامع الصحيح للإمام البخاري، والمسند الصحيح للإمام مسلم هي الأصول التي عليها مدار أندية السماع وعمارتها، وهي مبادئ علوم الآثار وغايتها.. وقد صارت تآليفه منهلا ثرا يغترف منه أهل الحديث وغيرهم من الدارسين والوافدين عليه، ويقتبسون منه حين يلقون للإقراء أو يجلسون للتأليف..". هذا هو ابن دِحية السّبتي المغربي الذي ستصر الكثير من المصادر المشرقية على التقليل من شأنه والطعن في شخصيته ضدا على منطق التاريخ.. يقول أبو جعفر بن الزبير في "صلة الصلة" عن ابن دحية: "وعرّفني بحاله وحال أخيه ابن عمرو عثمان، الشيخان أبو الحسن الغافقي وأبو الخطاب بن خليل، وكانا قد صحباهما طويلا وخبَراهُما جملة وتفصيلا، إلا أنهما ذكراهما بانحراف في الخلق وتقلب لم يشنهما غيره، ووصفاهما مع ذلك بالثقة والعدالة والسداد والاعتناء التام".. نعم الثقة والعدالة والسداد والاعتناء التام، وهبْ أن صاحبَنا ابن دحية شابَهُ في حياته انحرافٌ مَا لم يُشِنه غيرهُ، فلا أظن أن حالته الإنسانية هذه وهو في غمرة البحث العلمي والعطاء الغزير ستجعل كل منجزاته العلمية والتربوية في خبر كان ليُفتح الباب على مصراعيه للتشهير عليه والطعن في أخلاقه.. من ذلك ما حدّث به أبو العلاء الأصبهاني علي بن الحسن بقوله: "لما قدم ابن دِحية علينا أصبهان، نزل على أبي في "الخانقاه" فكان يكرمه ويبجله، فدخل على والدي يوما ومعه سجّادة، فقبَّلها ووضعها بين يديه، فقال صليت على هذه السجادة كذا وكذا ألف ركعة وختمت القرآن في جوف الكعبة مرات. قال، فأخذها والدي وقبّلها، ووضعها على رأسه وقَبِلها منه مبتهجا بها. فلما كان آخر النهار حضر عندنا رجل من أهل أصبهان، فتحدث عندنا، إلى أن اتفق أن قال: كان الفقيه المغربي الذي عندكم اليوم في السوق اشترى سجّادة حسنة بكذا وكذا. فأمر والدي بإحضار السجادة. فقال الرجل، إي والله هذه..، فسكت والدي، وسقط بن دِحية من عنده..." (مقدمة تحقيق المطرب لابن دحية، دار العلم للجميع، بيروت 1955). ويذكر الأستاذ إبراهيم الأبياري في مقدمة تحقيقه لكتاب "المطرب من أشعار أهل المغرب" قولا عجيبا لابن النّجار في ابن دِحية هو: "رأيت الناس مجتمعين على كذبه وضعفه وادعائه سماع ما لم يسمعه، ولقاء من لم يلقه، وكانت أمارة ذلك عليه لائحة. وحدثني بعض المصريين، قال: قال لي الحافظ أبو الحسن بن المفضل، وكان من أئمة الدين، قال: كنا بحضرة السلطان في مجلس عام وهناك ابن دِحية، فسألني السلطان عن حديث، فذكرته له. فقال لي: من رواه؟ فلم يحضرني إسناده في الحال. فانفصلنا، فاجتمع بي ابن دِحية في الطريق، فقال لي: ما ضرَّك لما سألك السلطان عن إسناد ذلك الحديث، لمَ لمْ تذكر له أي إسناد شئت؛ فإن من حضر مجلسه لا يعلمون هل هو صحيح أم لا"!!!.. ويبدو من خلال هذا "الخبر" ضعف "بِنْيَتِه" كقول صاحبه بالعموم "رأيت الناس مجتمعين على كذبه"، وقوله بأسلوب "العوام": "حدثني بعض المصريين".. وباختصار فكلام ابن النجار لا يعوَّل عليه؛ لأن النقد مطلوب على كل حال، لكن وجبت فيه شروط أهمها الضبط والتدقيق والتعيين، وهي شروط غابت –في نظري- في مجمل ما قيل ضد صاحبنا ابن دحية رحمه الله... ويورد إبراهيم الأبياري نصا لابن عبد الملك في "الصلة" مضيفا عبارة: و-ما هو بالمشرقي- لنعلم منه أن تجريح ابن دحية لم يختصَّ به المشارقةُ وحدهم حتى لا يقال أن الغيرة المشرقية هي التي كانت تحرك منتقديه؛ لأنه بزّ أقرانَه وتمكن وهو المغربي من تقلد أعلى منصب علمي في القاهرة، وهو عميد "المدرسة الكاملية"!! فلننظر قول ابن عبد الملك في "الصلة"، يقول في ترجمة أبي جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن سعيد بن حريث: "نسبه أبو الخطاب ابن الجميل في معجم شيوخه الذي جمعه أبو الخطاب، فزاد بعد حديث، فقال ابن عاصم بن مضاء بن مهند بن عمير اللخمي. فوافقه عليه إلا في ذكر مهند بن عمير، فإنه أنكرهما. فقال له أبو الخطاب: يا سيدي، هما جداك ذكرهما فلان. فتوقف الشيخ..". ثم يعلق ابن عبد الملك بقوله: "وهذا السند منقطع لبعد عصر "أحمد" من عصر "حريث".. إلى أن يقول في عبارة حادّة : "فلعل ذلك من تركيبات أبي الخطاب".. ما أود قوله هنا هو أن نقد ابن عبد الملك لابن دِحية مادّتُه علمية جدلية حِجاجية وليست اتهاما باطلا مجانيا لا تسنده الوقائع والنصوص مثل اتهام ابن النجار واتهام أبي العلاء الأصبهاني في خبر "السجّادة" الذي مر معنا.. وإن عبارة "فلعل ذلك من تركيبات أبي الخطاب" على حِدّتها ليست قاطعة في اتهام ابن دِحية بالكذب، ومصطلح "تركيبات" حمّالُ أوجه... الشاهد عندنا أن موقف ابن عبد الملك المغربي -أو إن شأت قلت وما هو بالمشرقي، بعبارة أخينا الأبياري- من ابن دحية لا يصل أبدا إلى مستويات التجريح والتشهير التي أبداها العديد من إخواننا المشارقة سامحهم الله في حق الأستاذ أبي الخطاب ابن دِحية... وأريد هنا أن أسوق كلاما لأحد محققي كتاب "المطرب" لابن دحية الأستاذ إبراهيم الأبياري في مقدمة التحقيق، إذ يقول: "وقد أخذ الرجل أخبار من جمع لهم عن سابقين راويا عن حفظ. أشار إليهم في الكثير وأغفل في القليل.. وما هو بشائِنِه، فالعذر ملتمس، وما فاتت الإشارات إلا عبارات تدخل على محفوظ الإنسان فتنضاف إليه، وكأنها منه حين تصدر عنه..". أما أحمد المقري فيقول في "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" عن ابن دِحية: "كان من كبار المحدثين، ومن الحفاظ الثقات الأثبات المحصلين".. ويقول الغبريني في "عنوان الدراية": "قد رأيت له تصنيفا في رجال الحديث لا بأس به، وارتحل إلى المشرق في دولة بني أيوب فرفعوا شأنه وقربوا له مكانه، وجمعوا له علماء الحديث وحضروا مجلسا أقروا له بالتقدم، وعرفوا أنه من أولي الضبط والإتقان والفهم. وذكروا أحاديث بأسانيد حولوا متونها، فأعاد المتون المحولة، وعرّف عن تغييرها، ثم ذكر الأحاديث على ما هي عليه من متونها الأصلية..". ويقول أبو جعفر بن الزبير في "صلة الصلة": "وكان معتنيا بالعلم مشاركا في فنون منه، مجتهدا معتنيا بالأخذ عن الشيوخ، ذاكرا للتاريخ والأسانيد ورجال الحديث والجرح والتعديل..". يقول إبراهيم الأبياري في مقدمة تحقيق "المُطرب": و"قول القائلين فيه كما ترى، فريق مشرقي منهم: الذهبي، وابن كثير، وابن تغرى بردى، وابن حجر، وابن واصل، يميلون لذكر مثالبه، ولا يذكرون له الخير إلا والنقيصة في إثره، ومعهم نفر من المغاربة والأندلسيين، كابن عساكر وابن عبد الملك.. وفريق أندلسي مغربي، وفيهم المقري، وابن الأبّار، وابن الزبير، والغبريني، يرفعون قدره، وينوهون بشأنه، ويلتمسون لنقد ناقديه عذره فيه، فيقول المقري: "وإن الناس فيه معتقد ومنتقد، وهكذا جرت العادة في حق القريب المنتسب للعلم: وعند الله يجتمع الخصوم.." لماذا ألّف ابن دِحية الكلبي كتابه الشهير "المُطرب من أشعار أهل المغرب"؟ سؤال كبير حاول الأستاذ الأبياري في مقدمة تحقيق "المطرب" الإجابة عنه، وقد أصاب في معظم ما ذهب إليه خصوصا حينما أكد على الدافع الوطني وغربة الأدب المغربي في بلاد المشرق.. فجاء كتاب ابن دِحية "كبيان ثقافي" يعرِّف إخواننا المشارقة بجانب من التراث الأدبي الإنساني الذي أُنتِج فوق تراب المغرب رغبة في التقارب والتعارف والاعتراف المتبادل.. ولا يخفى على القارئ الكريم الأهمية الثقافية والإنسانية لمشروع كهذا باعتباره مشروعا متجددا ولازال يلح علينا إلى اليوم.. ولعلنا نفهم بعض الدوافع التي دفعت العلامة سيدي عبد الله كنون لتأليف كتابه "النبوغ المغربي في الأدب العربي" الذي أرى أن امتداد فكري للمشروع الذي بدأه أبو الخطاب ابن دحية.. لقد كتب ابن دحية كتابه استجابة لرغبة سلطانية، لسلطان مصر حينذاك "الكامل" الذي تولى ملك مصر سنة 616ه.. ولا يدري الأستاذ الأبياري –أحد محققي كتاب "المطرب"- أكان قَصْر كتاب "المطرب" على كل أندلسي وآخر مغربي أراده منه السلطان أم أراده هو للسلطان.. "فإن كانت الأولى؛ وقد قالها هو؛ فما من شك في أنه مثيرها والموحي بها والمُشوِّق إليها؛ ليعرِّف بفضل آله وذويه؛ ويدفع نقصا لمسه؛ ويرفع من هوان أحسّه؛ وفي الكتاب أكثر من إشارة، تعبر في صريح عبارة، عن علم الرجل باهتضام المشارقة للمغاربة، وإنزالهم في الأدب منزلا غير لائق، والغض من شأنهم الفائق.." وهو في ذلك إما نازع منزع غيره من مغاربة سبقوه؛ أو مصدر عن خاطر يحدوه... وإما نافث عن صدر مصدور مُلِئ غيظا وحنقا، وأراد أن ينصف قومه في مؤلف أراده لذلك، حين خصهم به دون غيرهم.. فهو حين يعقب على شعر الغزال يقول في "المطرب ص: 145": "وهذا الشعر لو روي لعمر بن أبي ربيعة، أو لبشار ابن برد، أو العباس بن الأحنف ومن سلك هذا المسلك من الشعراء المحسنين لاستغرب له. وإنما أوجب ذلك أن يكون ذكره منسيا، أن كان أندلسيا. وإلا فما له أخمل، وما حق مثله أن يهمل".. وما أصرحه حين يقول (ص: 145): "ألا نظروا -يعني المشارقة- إلى الإحسان بعين الاستحسان، وأقصروا عن استهجان الكريم الهجان، ولم يخرجهم الإزراء بالمكان عن حد الإمكان. لئن أرهفت بصائرَهم البصرةُ، وأرقَّتها الرِّقتان، فقد درجنا نحن بحيث مرج البحر يلتقيان؛ فإن منهما مخرج اللؤلؤ والمرجان.." ويعلق الأستاذ إبراهيم الأبياري بقوله: هذا هو قلب ابن دحية الخالص لوطنه، وهو الذي حركه من غير شك لأن يشير في مقدمته في تصريح أو غير تصريح، فنرى أن "الكامل" هو الآمر أو الطالب، وأن ابن دِحية بعدها هو المجيب إلى رغبة السلطان على شرط مشروط، وهو أن يكون الكتاب خالصا لكل ما هو أندلسي ومغربي.. توفي أبو الخطاب ابن دِحية بالقاهرة عام 633 ه وقد جاوز الثمانين. رحمه الله وجعله قدوة لنا في حب الوطن والتعريف بأعلامه وأمجاده.. والله الموفق للخير والمعين عليه