إن الهدف من هذه السلسلة العلمية، هو إبراز الجانب الإبداعي المغربي الأصيل والنبوغ الذي عرف به المغاربة على مر التاريخ في ميادين المعرفة المختلفة من أدب وفلسفة وفقه وتصوف وتأريخ وعلوم تجريبية.. تنطلق فلسفة هذه السلسلة من كون العلم المغربي عبر فترات التاريخ كان متجها نحو الأمة، بحيث لم يكن العلماء يعيشون لخيالهم وإنتاجهم، لكنهم كانوا مرتبطين بالقضايا التي ميزت أزمانهم والشروط المادية والحضارية التي أطرت وجودهم... لقد كانوا بالمعنى المعاصر مثقفين عضويين انشغلوا بقضايا انبثقت من صهر عديد المعارف التي حصلوها بمجريات الأحداث التي عاصروها. إن قصدنا الأساسي، هو إبراز الثقافة المغربية إبرازا علميا مساهمة في تمثل الذات المغربية، ومعرفة جوانب شخصيتها مع الانتباه على جوانب الأصالة والقوة فيها والحرص على بعث هذه الجوانب وتعزيزها ليتعرف عليها الجيل الحاضر، ويستمد منها عناصر الصمود والثقة بالنفس من أجل إقبال واع ومتفتح على المستقبل. وإسهاما منا في ربط الشخصيات المعرف بها في هذه السلسلة بالواقع التاريخي، ورغبة في رسم بعض معالم التاريخ الفكري للمغرب أثرنا أن نعرف بالعلماء والصلحاء الذين عاشوا في عهد الدول المركزية التي سادت على أرض المغرب ابتداءً من العصر المرابطي ووصولا إلى عهد الدولة العلوية. تبعا لذلك سنُعرف بعلماء وصلحاء كل فترة تاريخية -خصوصا منهم علماء قاموا بأدوار مفصلية في تاريخ المغرب- رابطين الشخصيات بملابسات وظروف عصرها، ومؤكدين على القيمة المضافة للشخصية المعنية والدروس التي وجب استخلاصها من أجل دمج عصارتها في مسيرة بناءنا الحضاري المستقبلي. سيكون البدء بالعالم الشهير "القاضي عياض السبتي" الذي عاش خلال العصر المرابطي، وعاين أحداث انتقال الملك إلى الموحدين، واختيارنا له كبداية للسلسلة راجعٌ إلى البعد الرمزي الذي رافق شخصيته المتميزة لدرجة أن المشارقة قالوا في حقه: لولا عياض لما عُرف المغرب.