في الوقت الذي أصدرت فيه هيئة "الدومنيكان" في أوروبا قرارها الذي يحرم على أعضائها دراسة الفلسفة وتعاطي الفنون والعلوم، كان ابن النديم ينشر في بغداد كتاب "الفهرس"، جمع فيه أسماء خمسة آلاف مجلد مما ألف العرب المسلمون في الفلسفة والطب والرياضيات والفيزياء والكيمياء والفقه والحديث والتفسير والقراءات والتاريخ والأدب والقانون والقضاء والدين.. وفي الوقت الذي حرم المسيحيون الأطباء من لمس الجسد الإنسان؛ لأنه من صنع الخالق، واعتبروا الطب علما مشبوها فيه وفيه شرك بالله، كان أبو القاسم الزهراوي ينشر كتابه الذي ظل إنجيل الجراحة والجراحين عدة قرون، وكانت آخر طباعته سنة 1778م في أكسفورد عشر سنوات قبل الثورة الفرنسية. وحتى المرأة نالت حظها من إهانة هؤلاء المتنطعين، وكانت تعتبر من أسباب الشؤم على الرجل وأداة في يد الشيطان للتنكيل بالرجل وإخراجه عن الصراط المستقيم، في الوقت الذي لمعت في المشرق رابعة العدوية، وشجرة الدر. ولا يختلف اثنان في أن الرقي الحضاري بالأندلس بشهادة كافة المستشرقين، شمل جميع القطاعات السياسية والإدارية والقضائية والعسكرية والفكرية والفلاحية والصناعية والاجتماعية بفضل مقدرة الأندلسيين وكفاءتهم وخبرتهم في مجال الحكم، والإدارة والتدبير والتسيير، حتى أن بعضهم تطلعوا إلى اكتشاف مجاهل بحر الظلمات أي المحيط الأطلنطيكي. فكان أعظم إنجاز لأمراء البحر الأندلسيين أنهم وصلوا في اكتشافاتهم البحرية إلى أحد جزر البحر الكاريبي المتاخم للساحل الأمريكي، الأمر الذي يؤكده علماء البحر بأن وصول الأندلسيين إلى الشاطئ الأمريكي عبر بحر الظلمات قد تم على أيديهم قبل أن يصل إليه البحار المغامر "كريستوف كولومبوس" على ظهر باخرته "سانتاماريا" سنة 1492م.. يتبع في العدد المقبل…