ولما نقلت أجزاء كثيرة من التراث الأدبي العربي إلى عدد من اللغات الأوربية؛ كالإسبانية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية، أصبحت مظاهر الأدب الأوروبي تتصف بطابع شرقي -عربي. فطبعت بذلك قصة عنترة مثلا قصص الكتاب المغامرين والصعاليك في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنكلترا بالطابع القصصي المتميز. ولو لا قصص ألف ليلة وليلة" وكليلة ودمنة مثلا لما نسج "أديفو" قصته المشهورة "روبانسون كريزووي"، ولا زاول الشاعر الفرنسي فولتير كما يقول بعض النقاد كتابة فن القصة، ولا كتب ألكسندر ديمس صاحب الروايات الشهيرة الفرسان الثلاثة les trois Mousquetaires وأما اسم الروايةOthello "لشكسبير" إلا تحريفا لاسمين عربيين: إما عبد الله أو عطا الله. كما تأثرت الفلسفة الغربية في عصر النهضة بالفلسفة العربية التي مرت إلى أوروبا عبر الأندلس، وبفلاسفتها أيضا كابن رشد وابن باجة وابن طفيل. وقد تبين للباحث المتخصص في الحضارة الأندلسية الدكتور محمد بن شريفة في دراسة الأمثال الأندلسية التي جمعت في القرن السابع الهجري، أي القرن الثالث عشر الميلادي، ومقابلتها بالأمثال الإسبانية أنها تسربت بألفاظها ومعانيها إلى الأمثال الإسبانية وخاصة في مدن قرطبة واشبيلية وغرناطة، ومن الأندلس انتقلت إلى جيرانها. ويرجع له الفضل في تحقيق كتاب "أبي يحي الزجالي": أمثال العوام في الأندلس". وهكذا حول الحكم العربي الإسلامي إسبانيا خلال مائتي عام من بلد بدائي الحضارة إلى بلد راق في أوروبا، وجعل منها مركزا للحضارات والعلوم والفنون للقارة الأوروبية مدة خمسمائة عام، دون أن يعتدي على مسيحيتها، مما يبطل تماما اعتقاد الغرب أن معركة بواتيي سنة 237م بين "شارل مارتل" المطرقة وعبد الرحمان الغافقي قامت لانقاد أوروبا ودينها المسيحي من الاحتلال العربي- الإسلامي الجزائري. إن الذي أهلك أوروبا، بما فيها إسبانيا، ليس الغزو الإسلامي، بل اشتعال الحروب الداخلية التي كانت تسحق ثرواتها الزراعية، وتخليها عن المحطات التجارية في البحر الأبيض المتوسط والتي سقطت بيد التجار العرب، وتعصبها الديني الأعمى الذي فصلها عن التيار الحضاري العالمي. يتبع العدد المقبل بحول الله…