الصفة يعتبر التخصيص بالصفة من وجوه البيان المتصل، فإذا اقترن الوصف بصيغة عامة، اقتضى ذلك التقليل من نسبة الاستغراق واختصاص الموصوف بما قارنه من وصف أو أوصاف، ومن هنا نجد أهل اللغة يطابقون بين الوصف والتخصيص، فقالوا إن الوصف معناه التخصيص[1]. ويتعين في الصفة المقتضية للتخصيص أن يكون لذكرها في النص العام أثر في تشريع الحكم، بحيث يكون مقصورا على مورد الصفة يوجد بوجودها وينتفي بانتفائها، أما الأوصاف المقترنة بالعموم لأغراض تبليغية أخرى يحددها المقام والسياق[2]، فلا تأثير لها في تخصيص الحكم العام[3]. لنضرب المثالين التاليين: قال الله تعالى: "وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا اَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُومِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ اَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ" [النساء، 25]. وتقرير المثال يظهر في أن "فتياتكم" لفظ عام إذ يشمل المؤمنات وغير المؤمنات، إلا أن اقترانه بصفة "المؤمنات" جعل الحكم مختصا بالمؤمنات دون غيرهن، فيكون معنى الآية أن المكلف إذا كان غير قادر على نكاح الحرة المؤمنة فله أن يتزوج بالأمة المؤمنة، فالجواز معلق بصفة الإيمان. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع"[4]. فلفظ "نخل" عام، لأنه نكرة في سياق الشرط، وقد جاء مقرونا بوصف "قد أبرت"، فيكون الحكم مقصورا على الصفة، وما عداها لا يشمله الحكم، وعليه فثمار النخل لا تكون للبائع إذا لم تكن مؤبرة وإنما تكون للمشتري، وهذا ما ذهب إليه المالكية[5]. أما الصفة التي لا تأثير لها في تخصيص عموم الحكم، فمثالها قوله تعالى: "وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم" [النساء، 23]. فالربيبة محرمة على زوج أمها سواء كانت في حجره أو لم تكن، لأن الوجود في الحجر وصف لا مدخل له في تشريع الحكم ولا أثر له في التخصيص، إذ الغالب في الربائب أن يكن في حجر أزواج أمهاتهن وتحت رعايتهم، والقاعدة أن ما خرج مخرج الغالب من الأوصاف لا يعد مخصصا[6]… يتبع في العدد المقبل… ———————– 1. انظر إرشاد الفحول، ص:261. 2. من هذه الأغراض: التأكيد والتقرير والامتنان والترغيب والترهيب أو التنفير والتشنيع أو يكون ذكر الصفة على وجه خارج مخرج الغالب. 3. انظر العام وتخصيصه لإدريس حمادي، ص: 159 وما يليها. 4. أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم. 5. مفتاح الوصول، التلمساني، ص: 561، وما يليها وأنظر كذلك المدخل إلى أصول الفقه المالكي، عبد الغني الباجقني، ص: 79. 6. مفتاح الوصول، ص: 556.